الرئيس العتيد في «الثلاجة»: استعصاءٌ داخلي واحتجاب كلمة السرّ الخارجية!

مجلس النواب

لن يأخذ لبنان استراحةَ ما بين عيديْ الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويمَ الغربي والفطر المبارك، حيث حُجز بعد غد الثلاثاء لمحطّتيْن «متكاملتيْن»، في السرايا الحكومية وساحة النجمة (حيث مقر البرلمان) «يُدفن» معهما استحقاقُ الانتخابات البلدية والاختيارية فتبتعد «كأسه المُرّة» عن الأطراف السياسية الوازنة، بالتوازي مع محاولة الحكومة إعطاء جرعة جديدة من زياداتٍ تمدّد «الموتَ البطيء» للعاملين في القطاع العام ومتقاعديه من باب شراء الوقت و… الصمت.

فعلى وقع «إقامةٍ» يُخشى أن تكون ما زالت مديدةً للانتخاباتِ الرئاسية خلف «أسوار» من مراوحةٍ في انتظار معطيات تُبَدِّلُ في «الستاتيكو» التعطيلي المُسْتحكم، تَطوي القوى السياسية التي تَهَيّبتْ اختباراً شعبياً على مستوى أصغر «الخلايا» المرتبطة بإدارة الشؤون المحلية صفحةَ انتخاباتٍ بلدية تقاطعت مصالحُ غالبية الأطراف على القذْف بها سنة على الأرجح (من مايو المقبل حتى 2024) من ضمن «توزيع أدوار» تمت هنْدسته وفق «لعبة الأرانب» المعهودة التي «خُبّئت» هذه المَرة في قبعتيْ الحكومة والبرلمان.

فالثلاثاء سيكون «يوماً مشهوداً» في تثبيت التنصّل الرسمي من الالتزام بالمواعيد الدستورية لاستحقاقات انتخابية تكاد أن تتحوّل رهينةَ «المواسم السياسية» والحصاد الذي ستعود به على الأحزاب الرئيسية التي اختارت هذه المَرة التخفُّف من عبء «بلديات 2023» وتكاتَف القسم الأكبر منها على الإمساك بخيوط تأجيلها وقطْع الحبْل بها قبل 19 يوماً من الموعد الذي كان محدَّداً لانطلاق جولتها الأولى.

«ثلاثاء مشهود» بين العيديْن يُبْعِد «الكأسَ المُرة» بالتمديد للبلديات

وإلى «الانقلاب السحري» في مواقف كتل كانت ترسم خطاً أحمر حول أي شرْعنةٍ لجلسة تشريعية للبرلمان في كنف الشغور الرئاسي وإذ بها تؤمن نصاب جلسة الثلاثاء التي ستقرّ قانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية تَلافياً لفراغٍ يستظل عدم الجهوزية المالية واللوجستية لإتمام هذا الاستحقاق، كما هو حال «التيار الوطني الحر»، فإنّ «حياكةَ» هذا التمديد وهو الثاني على التوالي للبلديات (بعد تمديد مايو 2022 والذي حُدد بسنة) لم تُخْفِ التواطؤ الفاضح بين الحكومة ومجلس النواب حول هذا الهدف الذي سُجَّل في مرمى ما بقي من احترامٍ لركائز النظام الديموقراطي وآليات تداوُل السلطة في صناديق الاقتراع.

ففي حين يلتئم البرلمان قبل الظهر لإمرار قانون التمديد، تعقد الحكومة جلسة بعد الظهر وعلى جدول أعمالها بنود مالية تتصل بزياداتٍ على الرواتب ومخصصات إضافية للعاملين في القطاع العام والمتقاعدين، إلى جانب بند أخير هو تمويل الانتخابات البلدية، أي بعد أن يكون «ضرب مَن ضرب وهرب مَن هرب» بإنجاز مجلس النواب «المهمة» بإرجاء هذا الاستحقاق وبما يُبْعِد المسؤولية عن الحكومة في قرارٍ لم يمانع الرئيس نبيه بري في أن «يأخذه بصدره» علناً.

نصرالله يخشى عملاً أمنياً إسرائيلياً ويحذّر من حماقة قد تجرّ إلى حرب في المنطقة

وإذ لن يتجاوز الغبارُ السياسي الكثيف الذي سيعقب التمديدَ للمجالس البلدية والاختيارية حدودَ ارتفاع حدة السجالات الكلامية تحت سقف حشْر «قوى التمديد» ومحاولة إحراجها شعبياً من أطراف المعارضة، بدا الملف الرئاسي وكأنه في استراحة مردُّها إلى شبه الإجازة السياسية التي فرضتْها أجواء الأعياد وإلى حال انتظارية لوهج اتفاق بكين الذي ربما يلفح لبنان كواحدة من ساحات الصراع في المنطقة.

ورغم هذه الاستراحة الهائجة فوق بحرٍ من الأزمات الهائجة، فإن الكواليس السياسية تضج بمناقشاتٍ حول ما آل إليه الاستحقاق الرئاسي المعلَّق وبمحاكاةٍ لما ينتظره في ضوء الخلاصات الراهنة لمواقف الداخل والخارج.

وعكستْ أوساط واسعة الإطلاع في بيروت قراءة «حزب الله» وحلفائه للّوحة الرئاسية وما يحوطها، وهي قالت لـ«الراي» إن «المداولات الجارية عبر القنوات الخلفية في شأن الملف الرئاسي لم تُحْدِثْ أي خرقٍ يُعتد به حتى الآن».

وفي تقدير هذه الأوساط أن «حزب الله» الذي يحرص على إظهار حيوية الدور الذي تلعبه باريس يدرك أن الإدارة الفرنسية ليست في موقع مؤثّر، لا على مستوى العلاقات الدولية – الإقليمية ولا حيال الداخل اللبناني.

ورغم الحملات الدعائية التي تروّج لـ «تَعاوُن» باريس، فإن الأوساط عيْنها تجزم بأن محاولات استدراج السعودية للانخراط في لعبة المساومات أو الأسماء لم تنجح، فالرياض ما برحت تتحدّث بلغةٍ واضحة وحاسمة مؤداها أن الرئاسة اللبنانية تخص اللبنانيين.

وترسم الأوساط الخبيرة بخيارات «حزب الله» لوحةً داكنةً لِما هو عليه الموقف الداخلي من الاستحقاق الرئاسي المركون في «الثلاجة» منذ أكثر من خمسة أشهر من الدوران في الحلقة المقفلة رغم الأهوال التي يعانيها لبنان.

وفي هذه اللوحة، بحسب الأوساط، استنكاف مسيحي بسبب الانقسام بين الكتلتين الكبريين، وشرذمةٌ سنية أصبحتْ أكثر انفلاشاً بعد تعليق زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري لعمله السياسي وتجميد نشاط تياره الذي لم يشارك في الانتخابات النيابية.

ومن الواضح أن «الثنائي» الرئيس نبيه بري و«حزب الله» غير قادريْن على تأمين النصاب القانوني والسياسي لانتخاب مرشّحهم زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية ما دام الاستعصاء المسيحي قائماً والسنّة «خارج السيطرة»، في حين اختار الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الجنوح نحو التسوية لا إلى أي خيار قيصري.

إقرأ ايضاً: ثأر حزبي عائلي يُشعل الإشتباكات بين «حزب الله» و«أمل»..ويقتل شقيقين من آل عمار!

ولفتت هذه الأوساط إلى أن العلاقة بين «حزب الله» ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل «خارج الخدمة» بعدما قرّر الحزب ترْك باسيل وشأنه ما دام الأخير اختار المعاندة التي ربما تجعله «خارج اللعبة» بعدما سدّ الآخرون الأبواب في وجهه.

وكشفت تلك الأوساط عن ان «الثنائي» بري – «حزب الله» يسعى إلى عملية «جس نبضٍ» في أكثر من اتجاه حيال إمكان عودة الرئيس سعد الحريري عن قراره بتعليق العمل السياسي ومعاودة دوره ولا سيما في «صناعة» الرئيس العتيد للجمهورية.

ولفتت دوائر متابعة في بيروت إلى أن مناقشاتٍ تدور خلف الستائر المقفلة حول ما سيكون عليه موقف «حزب الله» في ضوء المناخ الجديد الذي أشاعه «اتفاق بكين»، وسط سؤال محوري هو: هل سيكون «حزب الله» أكثر انفتاحاً على صوغ تسوياتٍ في لبنان، أم انه سيمتطي المركب الخشن لتكريس تفوُّقه في لبنان، وهو الذي لعب دور الناظم السياسي – الأمني طويلاً.

وعكست الدوائر قراءة تنطوي على التباسات كثيرة، فـ«حزب الله» الذي يفاخر ضمناً بأنه احتل يوماً العاصمة بيروت (7 مايو 2008) بنصف ساعة، منفتحٌ على أي أدوار للخارج تحت سقف إمساكه بالإمرة الإستراتيجية في البلاد وما تمليه من مقتضيات في لعبة المَحاور وأوعيتها المتصلة.

وفي اعتقاد هذه الدوائر أن القراءة الرائجة في بعض الأوساط هي أن لبنان تغيّر منذ اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري (14 فبراير 2005)، وتالياً لم يعد ممكناً العودة به إلى الوراء، فموازين القوى الداخلية تُعْلي أطرافاً على أطراف، وموازين القوى الإقليمية ليست بالضرورة أحسن حالاً.

هل بدأ مسعى باريس الرئاسي يتّجه إلى «الخطة ب»؟

ووسط تقارير في بيروت لم يتسنّ التأكد من دقتها تحدثت عن لقاء عُقد قبل أيام في دمشق بين الرئيس السوري بشار الأسد والمرشح سليمان فرنجية، بالتوازي مع مناخاتٍ عن أن باريس التي تمارس سياسة «خطوة إلى الأمام خطوة إلى الوراء» أخذت تعدّ لـ «خطة ب» بعد اقتناعها بصعوبة إمرار خيار فرنجية عربياً ودولياً كما لبنانياً لدرجة أنها بدأت تُتّهم بـ «العمل على الحبْلين» في الاستحقاق الرئاسي، لم يكن عابراً تَجاهُل الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله بإطلالته الجمعة في خطاب «يوم القدس» أي إشارة للواقع اللبناني الداخلي والانتخابات الرئاسية في مقابل كلامٍ عالي السقف في مواجهة اسرائيل متحدّثاً باسم «محور المقاومة» وقياداتها.

وقد حذّر نصرالله بنيامين نتنياهو من «أن بعض أعمالك الحمقاء في القدس أو الضفة أو في غزة أو لبنان أو في سورية قد تجرّ المنطقة إلى حرب كبرى»، معتبراً «أن حماقة العدو وجرائمه قد تدفع المنطقة إلى حرب.

وإذا كانت حكومة العدو تتكئ على فهْم يقول لها إن المنطقة لا يمكن أن تذهب إلى حرب فهي مخطئة، واشتباهها ككل الحماقات التي ارتكبتْها خلال الأشهر القليلة الماضية، ونعم هذه المنطقة لن يستطيع أحد في مرحلة من المراحل ضمن ظروف معيّنة أن يمنع من انفجارها، ولذلك للإسرائيلي أقول حذار، للأميركي المنشغل مع روسيا والصين نقول له حذار، المقدسات خط أحمر، الشعب الفلسطيني خط أحمر، والمعادلة الإقليمية التي تحدّثنا عنها ونعمل على تأكيدها وترسيخها هي التي تحمي هذه المقدسات».

وتطرّق إلى ما جرى أخيراً في الجنوب من إطلاق عشرات الصواريخ على شمال اسرائيل وقال: «طبعاً كان حَدَثاً مهماً وكبيراً بالنظر إلى الأوضاع منذ عام 2006.

ونعتقد أن اعتماد سياسة الصمت كجزءٍ من إدارة ‏المعركة مع العدو هو الأفضل، فلا داعي أن ندخل في تفاصيل ولا أن نُجيب عن أسئلة ما زال العدو ‏يحتار فيها، وسياسة الصمت هذه تُقْلِق العدو قطعاً الذي يجب أن يبقى مرتعباً، ولا يجوز أن يُقدِّم أحد تطمينات له لأنه هو المعتدي، هو ‏الذي يعتدي على الشعب الفلسطيني في كل يوم، هو الذي ارتكب ذلك العمل الوحشي على المعتكفين في ‏المسجد الأقصى في تلك المرحلة».

وأضاف: «كمقاومة في لبنان، وحتى كدولة وحتى كقوى سياسية في ‏لبنان، يجب أن يبقى العدو قلقاً، وهذا هو الذي يثبّت و‏يرسخ ميزان الردع وقوة الردع وقواعد الاشتباك التي حمت لبنان منذ 2006».

واعتبر «أن ‏أهمّ كذبة قالها نتنياهو أنهم قاموا بقصف بنية تحتية في جنوب لبنان لحزب الله ولحركة حماس»، مؤكداً «أن الأماكن التي قُصفت هي أماكن مفتوحة، ‏بعضها بساتين موز وبعضها وسائل ريّ المياه».

وأكد «أن أي عمل عسكري أو أمني يستهدف أي أحد في لبنان، فلسطيني، أو إيراني أو سوري أو لبناني، نحن سنرد عليه بالحجم المناسب وبالطريقة المناسبة إن شاء الله ومن دون أي تردد».

السابق
سلاح الحرب الاهلية بـ«الفريش» دولار!
التالي
الجرائم الى إزدياد!