«فلسفة الصوم» في فكر العلامة الراحل الامين

السيد محمد حسن الامين
مستلهماً من أجواء شهر رمضان المبارك ومن أجواء عبادة الصيام في التي فرضها الله تعالى في كل الأديان، كتب العلامة الراحل المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين محاضرة، تطرّق فيها الى جذور هذه العبادة في الاسلام وفي باقي الاديان، باحثا في فلسفة الصوم والمعاني الانسانية التي تنبثق عنه.

عن طبيعة عبادة الصيام التي فرضها الله سبحانه وتعالى في كل الأديان السماوية بقوله (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم)، نقول انما هذا يعني أن عبادة الصوم ليست عبادة مختصة بالمسلمين وحدهم ولكنها العبادة التي رافقت الدعوات السماوية ورسالات الأنبياء جميعاً الأمر الذي يكتشف ان مثل هذه العبادة أي الصيام يجب أن يمارسها الإنسان في كل المفاصل وفي كل مقاطع الزمن.

وفي كل مواقع الإنسان في كل المفاصل وفي كل مقاطع الزمن وفي كل مواقع التطور في حياة الإنسان وأن الإنسان مهما نمى ومهما تسارع نموه، فإنه سيبقى بحاجة لأن يمارس هذه العبادة نحن نعلم أن الدين الإسلامي أو ما نسميه الآن الإسلام هو ليس الدين الذي جاء به نبينا محمد(ص)، الإسلام هو الدين الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على إبراهيم أي منذ بدأت النبوات الأساسية التاريخية بدأ الإسلام ولكنه أخذ يتدرج بين مرحلة دينية وأخرى.

الصوم يرسّخ التوحيد

في عهد النبي إبراهيم وهو أبو الأنبياء كما تعبر الكتب الدينية السماوية، نلاحظ أن ما برز من الإسلام هو معنى أساسي ويكاد يكون وحيداً يتعلق بموضوع التوحيد بعبادة الله سبحانه وتعالى، وبذلك لا نستطيع ان نفصل الصوم عن ترسيخ عقيدة التوحيد، لأن الإنسان كان ما يزال على مستوى الوعي والنمو الحضاري والاجتماعي كان لم يزل يحبو، أي ما يزال في مطلع مدركاته العقلية والاجتماعية والحضارية كان لا بد من تركيز مفهوم التوحيد، فكانت نبوة إبراهيم بهذا المعنى هي النبوة التي أطلقت فكرة التوحيد على مستوى الإنسان ونلاحظ أيضاً أن معركة التوحيد التي خاضها إبراهيم (ع) لم تكن معركة لاهوتية صرفة، أن الآيات القرآنية الكريمة تحدثنا عن إبراهيم الذي كان يتأمل في الشمس أو يتأمل النجوم ويحاول أن يستلهم فكرة الربوبية من هذه الكائنات الطبيعية ثم لا يلبث عقله أن يرفض عبادة هذه المظاهر الطبيعية، تحدثنا بذلك عن التوحيد بوصفه عملية عقلية ووجدانية فلسفية، تقول لنا أن المظاهر الكونية لا يمكن أن تسد مسد الإله الواحد المطلق القوة والمطلق الإرادة.

عبادة الصيام هي اعداد للإنسان من أجل تلقي المفاهيم العميقة للدعوات الدينية والرسالات السماوية

ولكنها من جانب آخر أي الآيات القرآنية توحي لنا أيضاً أن معركة التوحيد التي خاضها هذا النبي العظيم كانت أيضاً ذات بعد إنساني وبعد اجتماعي، وأن معركته مع الذين كانوا يجعلون من الأصنام أساساً لنظام اجتماعي كامل، كانت معركة كبيرة ومعركة حاسمة مما يؤكد أن فكرة التوحيد في النبوات وفي الأديان السماوية بقدر ما هي فكرة لاهوتية بنوع ما هي فكرة إنسانية اجتماعية كانت تفرض على الإنسان أن يرتبط بفكرة الإله الواحد لكي يخلص من أشكال كثيرة من العبوديات التي تواجهه في حياته بوصفه كائناً اجتماعياً يتطلع نحو الحرية.

التوحيد حرية

ولا نستطيع فعلاً أن نعطي للتوحيد بعداً حقيقياً إذا حاولنا أن نفصل التوحيد عن فكرة الحرية التي هي جوهر الإيمان بالله سبحانه وتعالى، خصوصاً في البعد الاجتماعي لفكرة التوحيد، وذلك أن رفض التوحيد سوف يفضي بالضرورة إلى إشراك الإنسان لإله آخر مع الله الخالق المطلق المتعالي العادل المطلق القوي المطلق.

عبادة الصوم ليست عبادة مختصة بالمسلمين وحدهم ولكنها رافقت الدعوات السماوية ورسالات الأنبياء جميعاً

فعندما نرفض فكرة التوحيد المطلقة سوف نقع في فكرة الشرك، والشرك بمعناه اللاهوتي من جهة ومعناه الاجتماعي أيضاً إذن كانت هذه المرحلة التي عاش فيها إبراهيم(ع) والتي استمرت تعاليمه فيها تركز على تحرير الإنسان من أمرين، هما الإشراك بالله بالمعنى الوجودي لله سبحانه وتعالى وتركز على التوحيد بوصفه تحريراً للإنسان في حياته على هذه الأرض أي لم تكن المرحلة الزمنية التي استغرقتها دعوة إبراهيم(ع) فتحمل من الأديان السماوية وتعاليم الأديان السماوية أكثر من هذا المعطى الأساسي ثم تطورت وتدرجت رسالة الإسلام التي بدأت بإبراهيم تطورت وتدرجت عبر النبوات التالية على إبراهيم(ع) فكانت رسالة موسى وعيسى ورسالة نبينا محمد(ص) تركز على بعد أساسي في حياة الإنسان وفي حاجات الإنسان أيضاً إلى أن كانت هذه الرسالة الخاتمة.

إقرأ أيضاً: موارنة في جبل عامل من زمن فخر الدين حتى لبنان الكبير .. في كتاب للعقيد فرحات

نستنتج من مرافقة عبادة الصيام للرسالات السماوية أنها عبادة تحتل مكاناً هاماً في التوجه الديني التربوي الإسلامي نحو بناء الإنسان وأنه لم يكن ممكناً مقاومة الشرك في عهد إبراهيم ومقاومة الطغيان في عهد موسى(ع) ومقاومة النزعات البشرية المنحرفة في العهود التي تلت رسالة موسى وعيسى إلا بأن يتم إعداد الإنسان خلال عبادة الصيام لتلقي المفاهيم العميقة لهذه الدعوات الدينية ولهذه الرسالات السماوية.

السابق
منصات الصواريخ تابع..الجيش يعثر على المزيد منها في سهل القليلة!
التالي
خاص «جنوبية»..تأرجح في دولار الأعياد..وتخوف من إرتفاع كبير بعد العطلة!