حسن فحص يكتب لـ«جنوببة»: الإيرانيون «حائرون».. بين الشرق الغرب!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

بعد نجاح الوساطة الصينية، في اذابة جليد المقاطعة السعودية الايرانية، ورعايتها لاتفاق تاريخي ومفصلي، يؤسس لعودة العلاقات بين الطرفين،ط لا تقتصر على الجانب الدبلوماسي، بل تشمل دائرتها جميع المستويات السياسية والاقتصادية.. يبدو ان النظام الايراني، بدأ يشعر بالكثير من الثقة، في طرح مواقفه واستراتيجياته وسياساته التفاوضية، على جميع الصعد وبكل الاتجاهات.

في الطريق الى بكين، وفي ظل اجواء لم تكن توحي بأي مؤشر، على امكانية حدوث اختراق سريع، على خط العلاقة بين طهران والرياض، كان لافتا مبادرة وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبداللهيان، بتكرار مقولة ان بلاده تلقت رسائل ايجابية من الجانب الامريكي، على امكانية العودة الى المفاوضات النووية، وان استئناف هذا الحوار، بحاجة الى خطوة “جريئة” من واشنطن، لان طهران جاهزة للقيام بذلك.

كلام عبداللهيان، اخذ بعدا اكثر اصرارا بعد الاعلان عن نجاح الوساطة الصينية، في كسر الجمود والمراوحة، التي شهدتها جولات الحوار الثنائي بين الرياض وطهران، التي استضافتها العاصمة العراقية بغداد منذ اربيل 2022، بما يوحي بان المقصود والهدف منه، هو توجيه رسالة الى الادارة الامريكية، بان طهران باتت على استعداد لاتخاذ خطوة حاسمة للتوصل الى تفاهمات مع واشنطن، تساعد على تفكيك ازمة الحوار واستئناف المفاوضات النووية، وتفعيل مسار رفع العقوبات او تقليص اثارها السلبية.

حالة اللامبالاة او عدم الاهتمام الامريكي بالاستجابة لمواقف الايرانية، كانت واضحة وكشفت عن وجود حالة من عدم الاستعجال الامريكي، في تفعيل مسار المفاوضات، وان واشنطن تنتظر او تتوقع خطوات اكثر عملية من طهران، تسمح او تفتح الطريق، امام عودة مسار التفاوض، والذي لن يكون شاملا، لكن موزعا على عدة محاور او ملفات، تؤسس للانتقال الى الخطوة النهائية.

حالة اللامبالاة او عدم الاهتمام الامريكي بالاستجابة لمواقف الايرانية، كانت واضحة وكشفت عن وجود حالة من عدم الاستعجال الامريكي، في تفعيل مسار المفاوضات

واذا ما كان الطرفان – الامريكي والايراني- قد توصلا الى تفاهم حول نقاط الاتفاق، المتعلق بازمة المعتقلين الامريكيين في السجون الايرانية (سيامك نمازي وعماد شرقي ومراد طاهباز)، بناء على الرواية التي يقدمها عبداللهيان، عندما قال”: اننا ننظر الى هذا الملف كمسألة انسانية بالكامل، وقد توصلنا في اذار الماضي الى التوقيع على وثيقة، بيننا وبين الجانب الامريكي بشكل غير مباشر حول هذا الموضوع، الا ان الارضية لتنفيذه لم تتوفر، بالنسبة لنا كل شيء جاهز، اما الجانب الامريكي فانه مازال في مرحلة التنسيق الفني”.

محاولة طهران وضع ملف المعتقلين في اطار المسألة الانسانية، والاعلان المتكرر والتأكيد، على انها قد انتهت كل الامور اللوجستية الخاصة بها لانجاز التبادل، فانها ترمي بالكرة في ملعب الادارة الامريكية المترددة، في تطبيق ما تم التفاهم عليه في الاسابيع الاخيرة، بوساطة من سلطنة عمان وانهاء هذا الملف. هذه المحاولات والتصريحات، تهدف الى وضع الادارة الامريكية في مواجهة الرأي العام الداخلي، وعائلات المعتقلين والجماعات، التي تدعو لانهاء هذه الازمة الانسانية، وقد كان وزير الخارجية الامريكي انتوني بليكين، واضحا في اتهام ايران باللعب واستغلال الوضع الانساني لاهالي المعتقلين، وسعيها لتأليبهم مع الرأي العام، والضغط عليها لانجاز هذا الملف بسرعة.

الابتزاز الايراني لواشنطن، وان كان الهدف منه تحريك وتسريع عملية تعليق بعض العقوبات الاقتصادية، فانه يعبر عن خيبة امل ايرانية، من الموقف والتعامل الامريكي مع المبادرات والتعاون

الابتزاز الايراني لواشنطن، وان كان الهدف منه تحريك وتسريع عملية تعليق بعض العقوبات الاقتصادية، وتحرير جزء من الاموال الايرانية المجمدة في الخارج، وهنا يجري الحدث عن نحو 10 مليارات دولار، اكثرها في بنوك كوريا الجنوبية، فانه يعبر عن خيبة امل ايرانية، من الموقف والتعامل الامريكي مع المبادرات والتعاون، الذي قامت به طهران في العديد من الملفات، ومنها ملف المعتلقين، بالاضافة الى ما قدمته من تعاون، في تمرير ملف تشكيل الحكومة العراقية في تشرين اول 2022، والمساعدة بالتزامن مع الحدث العراقي، في تسهيل الوصول الى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، وهي الان ستكون ملتزمة بالتعاون مع الرياض، للمساعدة في حل الازمة اليمينة واحلال السلام في هذا البلد، وما يشكل هذا الامر من مطلب امريكي، بالاضافة الى كونه حاجة ثنائية واقليمية، يُمهد الطريق لاختبار جدية النوايا الايرانية، في التعاون والحد من تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول الاقليمية.

حان الوقت لتأخذ هذه الادارة، خطوة حاسمة تساعد طهران على الانتقال الجدي، لوضع ازمة ملفها النووي على طاولة التفاوض

وبعد الكشف عن الاتفاق السعودي الايراني برعاية صينية، والذي تسعى واشنطن للتأكيد، انها كانت على علم به وبالتقدم الحاصل، وانها لا تعارض الدور الصيني، لما يملكه من قدرة على التواصل مع الجانب الايراني هي لا تمتلكها، فان طهران رفعت من مستوى ضغطها وابتزازها للادارة الامريكية، بعد ان استطاعت تحقيق هذا الخرق، ووضع ازمتها المتوترة مع الرياض على سكة الحل والتطبيع، للقول لواشنطن بانها جادة في تفكيك ازماتها ومشاكلها مع محيطها الاقليمي، وانها ذاهبة لاعتماد سياسة “صفر ازمات او مشاكل”، وبالتالي حان الوقت لتأخذ هذه الادارة، خطوة حاسمة تساعد طهران على الانتقال الجدي، لوضع ازمة ملفها النووي على طاولة التفاوض، والوصول إلى تفاهمات مرحلية، تساعد على الاقل في التوصل الى اتفاق او تفاهم يؤسس لاقفاله بشكل نهائي.

من هنا، فان الزيارة التي قام بها مساعد وزير الخارجية الايرانية للشؤون السياسية علي باقري كني الى مسقط، بعد الاعلان مباشرة عن اتفاق بكين، تصب في اطار تحريك الوسيط العماني، لتفعيل عملية تبادل المعتقلين وتحرير بعض الاموال الايرانية، مع الاشارة الى ان بعض التوقعات، تتحدث عن حصول تطورات داخلية في ايران، ابرزها ابعاد باقري كني عن ملف المفاوضات النووية، وعودته للممارسة دوره كمساعد للشؤون السياسية لوزير الخارجية، وان يعود عباس عراقتشي الى الواجهة من جديد، وما يعنيه ذلك من رغبة لدى منظومة السلطة وقيادة النظام، بالخروج من المراوحة في المفاوضات. وبالتالي تصبح زيارة السلطان العماني هيثم بن طارق، المرتقبة في الايام المقبلة الى العاصمة الايرانية، ذات دلالات تتجاوز مسألة الوساطة في ملف المعتقلين، وان تحمل معها موقفا امريكيا واضحا من الازمة النووية، بناء على تفاصيل المبادرة التي قام بها، وسبق لطهران ان فوضته بوضع المبادرة التي يراها مناسبة للحل.

السابق
الدولار يفتتح السوق السوداء.. كم سجل؟
التالي
اسعار المحروقات الى انخفاض.. اليكم التسعيرة الجديدة