الأم حياة والأمومة ضحية «الشرع»..ندين وليليان نموذجاً!

العنف ضد المرأة

تتخطّى العلاقة بين الأم و طفلها كلّ حدود الإنسانية، باعتبارها علاقة “وجود” تتخّذ منحىً تبادلياً. تهب الأم الحياة لطفلها، فيمدّها بدوره بمتعة الشعور بالأمومة، الذي يتجاوز حدود الانجاب ليطال الشعور بالتماس الكمال.

بتوضيح أكثر، يسكن الطفل جسد الأم، يستوطن رحمها، و يتنفّس من رئتيها، فينبض قلبه معها. وهنا يمكن القول إنه يشعر بامتلاكه لهذا “العالم- الحياة” الذي يمدّه بالطمأنينة والأمان والاشباع. وأما بالنسبة إليها، أي الأم، فإنها تستمدّ من هذا الصغير الذي يتملّكها مدى حياتها، مصدر قوتها، فتشعر بكليّة القدرة.

وعلى هذا النحو، تتبدّى التبادلية بين الأم و طفلها كونية و ليست فقط انسانية.

شكّل الواقع اللبناني نموذجاً “مثالياً” عن انتهاك علاقة الأم بطفلها، بحيث تجلّى ذلك في صدور الكثير من الأحكام الظالمة التي أصدرتها المحاكم الشرعية، بالإضافة إلى جرائم قتل الأمهات من دون محاسبة منفّذيها.

شكّل الواقع اللبناني نموذجاً “مثالياً” عن انتهاك علاقة الأم بطفلها بحيث تجلّى ذلك في صدور الكثير من الأحكام الظالمة التي أصدرتها المحاكم الشرعية

و قبل مقاربة هذا الواقع المرير المنهِك للأمومة، تظهر الحاجة، إلى تناول أهمية وجود الأم في حياة طفلها، من منظور تحليليّ، ولو بإيجاز سريع، من خلال ما طرحه سيغموند فرويد، حول القلق للإسهام بتوضيح أكبر وفهم أعمق لهذه الأهمية.

قارب فرويد القلق من خلال وضعية الحرمان عموماً، و سيّما في مرحلة الطفولة. وأكّد على أن القلق ينجم عن الشعور الكدر بالحرمان، نتيجة خسارة الأم أو الانفصال عنها. ناهيك عن حالة الاكتئاب الذي ينال منه ، أي من الطفل، نتيجة “سلخه” عن حضنها.

ومن هذا المنطلق ، يعدّ وجود الأم في حياة طفلها ضرورة، ليس فقط لأنها تؤدي دورها في نموه الجسدي بشكل سليم فحسب، بل أيضاً النفسي. وهذا ما أظهرته الدراسات النفسية، التي لخصت إلى أن خلل في العلاقة مع الأم أو الانفصال، عنها قد يؤدي إلى جعل الطفل ضحية لاضطرابات نفسية.

وبالعودة إلى الواقع اللبناني، زخرت شاشات التلفزة و صفحات التواصل الاجتماعي، بأخبار المحاكم الشرعية المجحِفة بحق الأمومة. و إذا ما تابعنا هذه الأخبار، يجتاحنا الغضب والاستنكار، نتيجة ما نقرأه من أسماء لأمهات كثيرات ناضلن ومازلن من أجل رؤية أطفالهن. وما يؤلم أكثر هو أن البعض منهنّ فقدن حياتهن، قبل الحصول عن حكم منصف لرؤية أطفالهنّ. وبالمقابل، مات أطفال قبل أن يروا أمهاتهم.

أتت قضية الناشطة “الشهيدة” ندين جوني التي وظّفت حياتها في معركة هي أشبه بمعركة حياة، مع المحكمة الشرعية الجعفرية بهدف تحسين شروط حقها في رؤية طفلها

أتت قضية الناشطة “الشهيدة” ندين جوني التي وظّفت حياتها في معركة، هي أشبه بمعركة حياة، مع المحكمة الشرعية الجعفرية، بهدف تحسين شروط حقها في رؤية طفلها, لتكشف مدى الظلم الذي لحق بالكثير من الأمهات اللواتي، تمّ حرمانهنّ أبسط الحقوق المتمثلة في رؤية أطفالهنّ. و بدورها ترجمت قضية ليليان شعيتو معاناة المرأة الشيعية، فتمّ حرمانها من رؤية طفلها مع العلم أنها قد تسهم في نجاح عملية شفائها. ولا يخفى أيضاً من أن أروقة المحاكم الشرعية، تكتظّ بالكثير من الأمهات اللواتي يناضلن ضدّ أحكام ظالمة، نالت من أبسط حقوقهن، المتمثلة ليس فقط في حضانة أطفالهن، بل في رؤيتهم.

وليست الاعتصامات، التي كانت تقام من قبل الكثير من الأمهات “المقهورات”، أمام المحاكم الشرعية أو الصروح الطائفية الحامية لهذه المحاكم، إلا دليلاً على ظلمها. و تتبدّى المفارقة في أن إصدار أكثر الأحكام الظالمة ، في أحيان كثيرة، يكون باسم الله!…

لقد أتت الأحكام الجائرة، لتفضح الكثير من الممارسات التي تقوم بها المحاكم الشرعية، الراعية لقوانين الأحوال الشخصية “البالية”، لتعكس ثلاثة مفاصل دقيقة، بحيث لا يقلّ أحدهما خطورة عن الآخر. و تتجلّى في وجود تجاوزات خطيرة في الكثير من أروقة المحاكم الشرعية، و عدم إلمام غالبية القضاة بثقافة نفسية، و أخيراً في الفتاوي اللاعقلانية، التي تتماشى مع أهواء مفتيها و رغباتهم.

إقرأ أيضاً: خاص «جنوبية»: إرتفاع هستيري بأسعار الدولار..هل يصل الى 150 الفاً خلال ساعتين؟

بالنسبة إلى التجاوزات الفاضحة، التي نالت من “هيبة” القضاء الشرعيّ، من الملاحظ أن مهنة عدد لا بأس به من القضاة الشرعيين أضحت “كاراً” كسب الأموال بما “ملكت” يداه، بعد أن وجِدَت لنشر العدل و إحقاق الحق. وأتى إيقاف رئيس محكمة و رئيس قلمه عن العمل، في إطار مخالفات جسيمة و اخلال بالواجبات الوظيفية، ليعكس الفساد “المغطّى”، إن جاز التعبير، سياسياً لدرجة أنه في كل مرة يتم إيقاف هذا القاضي عن العمل، كان يعود إلى العمل. وإذا ما بحثنا في أدراج التفتيش القضائي، لوجدنا الكثير من ملفات التجاوزات النائمة والتي تنتظر تبرئتها!…

ويأتي المفصل الثاني، الذي يتمثّل في ضعف معرفة الكثير من القضاة، بالمسائل النفسية وفهمهم، ليزيد الواقع ظلماً و إجحافاً في حقّ الأم، ممّا يعكس مدى ضعف التثقيف الذي يسهم، أكثر فأكثر، في الانقضاض على العدل في أروقة المحاكم الشرعية. فمن يصدر حكماً بفصل الأم عن طفلها و حرمانه منها، يفتقد للثقافة النفسية، لمجرّد أنه لا يدرك مدى تأثير هذا الحرمان على الإثنين. و أما إذا كان يدرك مدى الأذى الذي سيطالهما، فهو ظالم بامتياز!….

وفيما يتعلّق بإصدار الفتاوى اللاعقلانية الغرائزية ، وهو المفصل الثالث، فإن إطلاق الأحكام بناء عليها، يعدّ جريمة بحدّ ذاتها، لأن التفسيرات غالباً ما تكون لمصلحة الظالم.

يعدّ المساس بالأمومة و الطفولة “تابو” لذلك وجب محاسبة كل من يصدر حكماً بسلخ طفل عن حضن أمه

خلاصة القول، تمادى الكثير من قضاة المحاكم الشرعية، في قهر الكثير من الأمهات والأطفال، من خلال ما أصدروه من أحكام حرمان، من الحضانة و الرؤية على حدّ سواء، بهدف إشباع ذكوريتهم و جمع الثروات، و تناسوا بذلك القيم الانسانية و تاجروا بها، فقضوا على الأمومة و الطفولة معاً!…

أخيراً، يعدّ المساس بالأمومة و الطفولة “تابو” لذلك وجب محاسبة كل من يصدر حكماً بسلخ طفل عن حضن أمه.

السابق
المحروقات «والعة نار»..«إرتفاعات مريخية» للأسعار مع جنون الدولار!
التالي
بعدسة «جنوبية»..رفضاً لجنون الدولار المفتعل والتقاعس السياسي..قطع طرق من طرابلس الى صور!