المعارضة اللبنانية تنظّم صفوفَها لإحباط «خيار فرنجية»

يتهيأ لبنان لدخولِ شهر رمضان المبارك الذي يفترض أن يشكّل فسحةً لاستيعابِ «الصدمة الإيجابية» إقليمياً التي شكّلها «تَفاهم بكين» بين المملكة العربية السعودية وإيران وحدوده وترجماته، كما النقْلة النوعية على رقعة الشطرنج الرئاسية التي أحْدثها إخراج «حزب الله» حصانه الرئيسي سليمان فرنجية من «الحظيرة» إلى ترشيحٍ «رسمي».

وفي حين يَجْري رصْدٌ دقيق لشهريْن «اختبارييْن» لمندرجات الاتفاق السعودي – الإيراني وتحديداً في الساحات التي شكلت جبهاتٍ أمامية في «حرب النفوذ» التي تخوضها طهران وبينها لبنان، فإنّ الأسابيعَ القليلة المقبلة ستكون على الصعيد المحلي امتحاناً أيضاً على مستويات عدة ليس أقلّها لِما إذا كان «نزول» حزب الله بفرنجية إلى الحلبة الرئاسية هو بوصْفه المرشّح رقم واحد أو «الوحيد»، كما لكيفيةِ تَكَيُّف خصومه مع هذا المعطى المستجد وإمكانات «صدّه» بـ «هجومٍ دفاعي».

اقرأ أيضاً: رسائل عسكرية بطعم رئاسي من «حزب الله» لجنبلاط..والدولار إلى خمسة أصفار مع تجدد إضراب المصارف!

وتسود مؤشّراتٌ لا تزال خافتةً إلى أن الاستحقاق الرئاسي، الذي انطلق على أساس «توازنٍ سلبي» في البرلمان كبّل إمكانات إنجازه بسلاسة، سيكون محكوماً بأن يرسو على تسويةٍ تشقّ طريقها «بين سلبيتين» هما الـ لاءان لكلّ من فرنجية ومرشّح المعارضة (هو حالياً ميشال معوض)، وهي تسوية قد يساعد بالدفع في اتجاهها خروجُ الواقع اللبناني من حال «انعدام الوزن» ربْطاً بالمناخ الاقليمي الجديد، وإن عبر مسارٍ من «اللبْننة» لا مفرّ منه وبعيداً من رهاناتٍ على «حلول سحرية» من الخارج.

وإذا كان الثنائي الشيعي حزب الله وقبْله الرئيس نبيه بري قال كلمته واضعاً ترشيح فرنجية على الطاولة وتاركاً لهذه الخطوة أن تأخذ مداها على قاعدة تبنّي زعيم المردة في يد والدعوة لحوارٍ في اليد الأخرى، فإن الأنظار تتجه إلى المعارضة التي كانت تدرك حين بادرتْ إلى ترشيح رئيس «حركة الاستقلال» النائب ميشال معوّض أن مرشَّحها قد لا يصل إلى قصر بعبدا إلا بعد معركة طويلة أو يمكن ألا يصل أبدا. ومع ذلك عقدتْ عزمَها على اختيار شخصيةٍ نيابية تواجه بها قوى الثامن من مارس في الانتخابات الرئاسية.

ومنذ أول جلسة دعا إليها بري (29 سبتمبر الماضي)، وحتى إعلانه ومن بعده «حزب الله» (الاثنين الماضي) دعْم ترشيح فرنجية، لم تتغيّر مواقف المعارضة في التمسّك بمرشّحها فيما حافَظَ خصومُها (الحزب وبري والتيار الوطني الحر) على وتيرة تعطيل الانتخابات من زاوية التمسّك بالورقة البيضاء التي استُخدمت لمواجهة معوّض و«التستّر» على فشل الأطراف الثلاثة بالاتفاق على مرشّح واحد، والتي باتت «من الماضي» منذ لحظة مجاهرة الثنائي الشيعي بتبنّي فرنجية.

لكن ما تَبَدَّلَ في كيفية إدارة المعارضة معركة الرئاسة في شهرها الخامس، تَمَثَّلَ في تلويحها بتعطيل النصاب لجلسة انتخاب الرئيس، وهو السلاح الذي باتت تتمسّك به أكثر بعد إعلان ترشيح زعيم «المردة».

وتتوجّه المعارضة إلى عقْد لقاءاتٍ شبه موسَّعة لدرْس كيفية مواجهة المرحلة المقبلة، بعد «جولةٍ» أولى بدأت بلقاءات للمعارضة ولا سيما حزبا «القوات اللبنانية» و«الكتائب» مع بعض المستقلّين سواء من نواب «تجدد» (ميشال معوض، أشرف ريفي، فؤاد المخزومي، وأديب عبدالمسيح) أو التغييريين، إضافة الى أصوات نيابية متفرّقة. وكان هدف البحث حينها الانتقالُ من المراوحة إلى تفعيل الانتخابات من دون التخلي عن معوض، رغم ما أثاره رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في طرْح ثلاثة أسماء بديلة، هي قائد الجيش العماد جوزف عون والوزير السابق جهاد أزعور والنائب السابق صلاح حنين.

وقد جرى تفعيل الاتصالات بعدما عَمَدَ بري إلى التلويح بضمان حصول فرنجية على عدد الأصوات الكافية للفوز في الدورة الثانية الانتخابية أي 65 نائباً.

ورغم انه تبيّن لبري وحزب الله أن من المبالغة الاعتقاد بضمان هذه الأصوات بعدما ثبت أن نواب كتلة «اللقاء الديموقراطي» (برئاسة تيمور وليد جنبلاط) يرفضون التصويت لفرنجية، كما حال نواب سنّة حرصوا على إظهار تَمايُزهم، إلا أن تلميحَ بري بأن «النصف زائداً واحد» لفرنجية بات «في الجيْب» أو صار قاب قوسين واتجاه الأخير الى التحرّك في اتجاه بكركي (حيث مقر البطريرك الماروني)، أثار نقزةَ المعارضة فعمدت إلى طرْح استراتيجية جديدة.

وكان فرنجية في لقاءاتٍ مع بكركي ومع موفدها المطران أنطوان ابي نجم صريحاً إلى حدٍّ كبير في تحميل القوى المسيحية مسؤوليةَ تعطيل الانتخابات، وكان حاداً في توجيه ملاحظاتٍ حول عدم استعداده للتراجع، علماً أن اسمَه مُدْرَجٌ بين الأسماء التي حَمَلها أبو نجم في لائحته الرئاسية التي جالَ بها على القيادات المسيحية.

وأثار رد فعل فرنجية استنفاراً لدى المعارضة باعتبار أنه يمكن أن يكون مستنداً الى قطبة مخْفية تحيي آماله بالرئاسة فاختارت الانتقالَ إلى خطة رديفة بطرْح تعطيل النصاب في الدروة الثانية.

ومع أن المعارضة نفسها كانت ترفض هذا الإجراء في مرحلة عاميْ 2104 – 2016، وأن «القوات» أكدت رفْضها للتعطيل مراراً خشية تحميلها وزر تطيير الانتخابات، إلا أن مقارنة سلبية التعطيل بايصال مرشح قوى 8 مارس، أعطى الأفضلية للتعطيل. ودشّن حزب الكتائب عملية التلويح بالتعطيل كخيارٍ وكان رئيسه سامي الجميل أول مَن قدّم هذا الطرح، ثم عاد رئيس حزب «القوات» سمير جعجع إلى إعلانه، وبات أكثر حرَجاً في التراجع عنه بعدما ثبت أن طرْح الجميل يلاقي استجابةً في الشارع المسيحي.

وبعد إعلان بري و«حزب الله» تسمية مرشّحهما، صار هذا الخيار أكثر جدية، ويتوسع طرحه مع ثلاثة أطراف: الحزب التقدمي الاشتراكي، والنواب السنّة، ونواب التغيير. والمشكلة مع الأطراف الثلاثة جدية.

فمع «الاشتراكي» حصلتْ المعارضةُ حتى الآن على ترشيح معوض ورفْض ترشيح فرنجيه، لكنها لم تحصل بعد على تعهُّد كافٍ بمنْع عقد الجلسة في دورتها الثانية، نظراً لإصرار جنبلاط رغم اعتراضه على زعيم «المردة»، على إبقاء جسور العلاقة مع بري مفتوحةً في مقابل حرصه على الميثاقية المسيحية في جلسة الانتخاب.

ومع النواب السنّة، هناك انقسامٌ بين مؤيّدين تقليديين للمعارضة كالنائب أشرف ريفي الذي عبّر عن موقفه الواضح برفْض تأمين النصاب، وبين المتريّثين الذين لم ينحازوا إلى فرنجية ولكنهم لم يذهبوا لإعلان موقفهم من النصاب.

أما المشكلة الأصعب فهي مع القوى التغييرية ونوابهم الذين يتوزّعون مواقف متباينة. فهناك قسم منهم عبّر عن رأيه صراحةً كالنائب ملحم خلف برفْض مقاطعة الجلسة، وهناك نواب لا يزالون يرفضون مطلقاً أي اتفاقٍ مع قوى المعارضة من قوات وكتائب واشتراكي، وثمة نواب يُعَوَّل عليهم في التضامن مع موقف المعارضة.

ومن المتوقع أن تتيح الحواراتُ التي ستُعقد تباعاً تظهيرَ موقفِ هؤلاء في شكلٍ أكثر جدية.

وعدا عن تطيير النصاب، لا خطة بديلة لقوى المعارضة حتى الآن في مواجهة المرحلة الجديدة التي تلت تبنّي الثنائي الشيعي ترشيح فرنجية.

فأي مغامرةٍ جديدة بطرْح أسماء بديلة عن معوض، لن يُكتب لها النجاح حالياً في توحيد صفوف المعارضة لاختيار شخصية يتوافق عليها كل أطيافها، ما دام كل طرفٍ لا يزال يتمسك بقراءته في خوض غمار الانتخابات.

ولذا تنتقل المعارضة الى تحصين موقفها من تطيير النصاب كحلٍّ وحيد حالياً في مواجهة انتقال «حزب الله» وبري إلى خوض المواجهة المكشوفة بترشيح زعيم «المردة».

وهي بذلك لا تنفي أن تَقاطُعَها مع التيار الوطني الحر في هذه النقطة عنصرٌ ضروري يساهم في إنجاح معركتها.

وكان لافتاً أمس كلام جعجع عن «أننا مستمرون في ترشيح ميشال معوّض في الوقت الراهن إلا أننا منفتحون على التشاور مع قوى المعارضة في أي اسم بديلٍ لديه المواصفات المطلوبة ويمكنه توحيد صفوف المعارضة والحصول على 62، 63، 64 أو 65 صوتاً… وإلا فالذهاب من مرشّح إلى آخَر والبقاء على عدد الأصوات نفسه، هو عمليّة حرْق أسماء لن ندخل فيها أبداً».

وأكّد أن «الحل للخروج من الوضع الراهن ليس اقتصادياً بل هو سياسي، لأن أساس المعضلة سياسية بامتياز، وكل ما نشهده من أزمات اقتصاديّة يأتي بمثابة عوارض للأزمة الفعليّة، ولذا كل الحلول الاقتصاديّة الممكنة لا يمكن أن توصل إلى أي نتيجة إن لم تستعد الدولة سيادتها وسلطتها وهيبتها ويَحدث التغيير الجذري في إدارة الدولة، والباب من أجل كل ذلك هو انتخابات رئاسة الجمهوريّة، ومن هذا المنطلق يأتي موقفنا الرافض لأي مرشح رئاسي من الفريق الآخَر أو أي مرشح صُوَري لا يمكنه لعب دور رئيس الجمهوريّة الفعلي».

وأوضح أن «المعركة الرئاسيّة محليّة إلا أن هناك مَن يصرّون على ربْطها بالتطورات الإقليميّة والدوليّة. والحل بيد النواب الـ128 الذين يمكنهم النزول اليوم قبل غد إلى مجلس النواب وانتخاب رئيس، وفي هذه الحال لا يمكن للخارج التأثير أبداً على مجريات الأمور لكن هناك مَن يطمحون لربط ملف انتخابات الرئاسة بالخارج كلٌّ لمصالحه ومآربه الشخصيّة والفئويّة غير الوطنيّة».

السابق
بالفيديو: المعلمون الثانويون في الجنوب إلى الساحات!
التالي
خاص جنوبية: تلميح خليجي «إيجابي» بعد التقارب السعودي الإيراني.. وهذه هي لائحة الشروط المطالب!