عصابة كبيرة تولِّد «دويلة» صغيرة.. الشيخ المغدور نموذجاً!

جريمة ولا أحقر شهدها لبنان الأسبوع الماضي، إستهدفت الشيخ أحمد شعيب الرفاعي كشخص ربما، إلا أنها في الحقيقة هي إستهدفت مجتمع بأسره، لا بل وطن كاد أن ينزلق إلى ما لا تُحمد عقباه، جراء جريمة فائقة الخِسة، وأسلوب تحريضي واكبها، لا يقل عنها بشاعة في محاولة لإستغلالها في الصراع السياسي، من قِبَل أناس يمارسون العمل السياسي للأسف، بمنطق الطفولية والحقد وليس بمنطق النضال والمواجهة المدروسة والدؤوبة، في وقت لا يحتمل البلد أي خضة، بغض النظر عن موقفنا من أطراف هذا الصراع، أو المبررات التي أعطيت لهذا التحريض.   

تجرد المُخطِّط والفاعل من أي حس إنساني أو شعور آدمي، لدرجة تدعو إلى الإستغراب والعجب العجاب فعلاً

هي جريمة، قد يكون لبنان شهد مثلها وأكثر من حيث البشاعة أو عدد الضحايا، كما حدث في جريمة بلدة أنصار الجنوبية العام الماضي والمشابهة لها في طريقة التنفيذ، إلا أن الأكيد بأن لبنان لم يشهد لها مثيلاً من حيث إرتباط الشخصي فيها بالعام، ومن حيث دقة التخطيط وخبث التضليل والتمويه، اللذين مورسا بصفاقة منقطعة النظير، إن دلت على شيء إنما تدل على عقل إجرامي محترف، وعلى درجة غير مسبوقة في الدناءة، بحيث تجرد المُخطِّط والفاعل من أي حس إنساني أو شعور آدمي، لدرجة تدعو إلى الإستغراب والعجب العجاب فعلاً . 

لن نتحدث هنا عن مكانة الجاني أو المتهم الدينية بإعتباره شيخاً، فهذا لا يعنينا بل يخص مرجعيته الدينية ومؤسساتها وبيئته المجتمعية، بالرغم من جسامة ما أرتكب على هذه المكانة وسمعتها بين الناس، ما يهمنا كمواطنين هو مركزه كرئيس بلدية منتخب في العام 2010، وتجديد إنتخابه في العام 2016، من قبل أهل بلدته وربما عائلته – وهذا أمر مستغرب – بالرغم مما نُسِبَ إليه من أفعال، يقال أنها بدأت بالظهور منذ العام 2012، ما يجرَّنا للحديث هنا عن مسؤولية الناس في إختيار ممثليهم، سواء في الإنتخابات النيابية العامة أو في الإنتخابات البلدية، وهي التي تجري على المستوى المحلي والأقرب لتمثيل مصالح الناس المباشرة في البلدات والقرى، حيث تتم التحالفات للأسف في الحالتين، على أساس المصالح الحزبية والشخصية، وتبادل المنافع والأصوات، وكذلك التحاصص بين بعض العائلات الكبرى، وليس على أساس الكفاءة والبرنامج الإنتخابي المدروس والمتفق عليه، ما يفسح في المجال لإنتشار الفساد والفاسدين، وما أكثرهم على مبدأ ” غطيني تغطيك “، وهو ما يسمح بعدها بتكوين “عصابات” صغيرة، متحكمة بالبلدات ومشاعاتها، ومدعومة من أطراف السلطة التي تمثل هي في الحقيقة “العصابة الكبرى” التي يتلطى تحت عباءتها هؤلاء الفاسدون، ليعيثوا في الأرض خراباً، كما ظهر في جريمة الشيخ الرفاعي، التي قامت بها عصابة مسلحة هي إلى “الدويلة” أقرب، جراء ما تمتلكه من أسلحة وأموال وإمكانيات كبيرة، ترفدها علاقات واسعة مع بعض من هم في الأجهزة، ممن يؤمنون الحماية لها.

الخلاف هو جرَّاء تنافس سياسي وهو حق مشروع للشيخ المغدور ، قابله رد فعل إجرامي عنيف وغير مشروع إطلاقاً من قِبَل الجاني و “عصابته” نتيجة فائض القوة

وهو ما ظهر من تفاصيل القضية، وما مرت به من تطورات سابقة على الجريمة، وثَّقها المغدور في شهادات عديدة له، على وسائل التواصل الإجتماعي، من إطلاق نار وحرق سيارات وإعتداءات من دون أن تُحرِّك السلطات المحلية سواءً مدنية أو عسكرية أي ساكن، وهو ما ينفي أن تكون القضية مجرد خلاف شخصي محض، كالخلافات الشخصية المعروفة في القرى والبلدات وبين أفراد العائلات، من خلاف على ميراث مثلاً أو قطعة أرض متنازع عليها، فالقضية في الحقيقة هي خلاف سياسي بإمتياز بين شخصين يختلفان في المنطق السياسي والأخلاقي، خلاف أدى بطبيعة الحال إلى تنافس على الأرض خاصة مع إقتراب موعد الإنتخابات البلدية – إذا حصلت – وهو ما يعني ومن دون الدخول في إتهامات متبادلة بين أطراف سياسيين على المستوى العام ، أن الخلاف هو جرَّاء تنافس سياسي وهو حق مشروع للشيخ المغدور ، قابله رد فعل إجرامي عنيف وغير مشروع إطلاقاً من قِبَل الجاني و “عصابته” نتيجة فائض القوة التي يمتلكها، والمستمدة من دعم يبدو أنه يحظى به من عدة أطراف من جهة، ونتيجة إهمال السلطات وتغاضيها عن أفعاله وتصرفاته المعروفة في المنطقة، وهو ما يؤكد نظرية الدعم القوي له، وهو الذي يقال أنه تنقل بين عدة ولاءات سياسية بحسب الظروف والمصالح، بحيث يميل كيفما تميل الريح، وهو سلوك لطالما إنتهجه، وسيبقى ينتهجه الإنتهازيون الوصوليون، الذين لا يردعهم دين أو ضمير، عن إرتكاب كل الموبقات، حتى ولو كانت أكبرها وأكثرها وحشية في سبيل الوصول إلى غاياتهم الدنيئة. 

علينا الإيمان بأن المناصب هي نوع من التكليف لا التشريف، والمُكَلَّف مسؤول أمام ناخبيه

من هنا وجب على الناس اليقظة والوعي، بحيث تقع عليهم مسؤولية حسن إختيار ممثليهم على كافة المستويات، بعيداً عن العصبية العائلية أو المناطقية أو الطائفية والمذهبية المقيتة أو حتى السياسية، خاصة على المستوى البلدي المحلي، بحيث يجب أن يكون الإختيار للأصلح أخلاقياً وسمعةً وكفاءة ودراية، وليس للأقرب نسباً أو بهدف كسب “برستيج” إجتماعي للعائلة، فالقضية أعقد من ذلك بكثير، إذ علينا الإيمان بأن المناصب هي نوع من التكليف لا التشريف، والمُكَلَّف مسؤول أمام ناخبيه، من الناس الذين تقع عليهم مسؤولية المتابعة فالمحاسبة بعد الإختيار، وإلا نكون كالذين يصنعون أصنامهم بأيديهم، ومن ثم يعبدونها على أنها آلهة، وما ذلك إلا مقابل فتات يرمونه نتيجة أنانية البعض، وسعيه لتحصيل مكاسب خاصة به  متجاهلاً مصلحة الجماعة،ومن هذه الثغرة ينفذ المجرمون ويلجأون لأسلوب “فرِّق تسد” بين الناس، فيزرعون الشقاق أحياناً بين أفراد العائلة الواحدة. 

لهذا نقول أن الوعي هو الحل ولا شيء غير الوعي، حتى لا نصحو كل يوم على جريمة، يرتكبها أشرار وصوليون ضد الأخيار من الناس الطيبين، وكي نتمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو على الأقل نحاول قبل فوات الأوان – إن لم يكن قد فات فعلاً – حتى لا نصل إلى يوم نندم فيه حيث لا ينفع الندم. 

السابق
في انطلياس.. ندوة حول كتاب «إميل إدِّه رائد لبنان الكبير»
التالي
بعدسة «جنوبية»: الدفاع المدني احتفل بيومه العالمي