حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: إيران بين المعارضة «المتعارضة» والنظام المأزوم!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

ليس من باب المصادفة، ان تأتي الدعوة لعقد لقاء يجمع شخصيات ايرانية، تعتبر نفسها صاحبة دور فاعل ومؤثر، في تشكيل الرأي العام الشعبي الايراني المعارض للنظام، في جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة الامريكية، في مقدمهم ولي عهد الشاه السابق ونجله رضا بهلوي، ان يأتي هذا اللقاء بعد ايام قليلة، من البيان “الانقلابي” الذي اصدره مير حسين موسوي، اخر رئيس للوزراء في النظام الايراني ومرشح رئاسة الجمهورية عام 2009، التي انتجت الحركة الخضراء الاعتراضية، على توزيع نتائج الانتخابات لصالح مرشح النظام الرئيس الاسبق محمود احمدي نجاد، وهو البيان الذي سبق بيوم واحد، البيان الصادر عن الرئيس الاسبق محمد خاتمي، وما رافق موافقهما من اختلاف في التفسير، حول الاهداف والابعاد التي جاءت في كلامهما وموافقهما. 

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: هل يستنزف «الدم الاوروبي» العلاقة مع إيران؟!

يبدو ان حراك او تحرك ولي العهد السابق، وما ظهر فيه ارتجالية افقدته الكثير من التنسيق والضروري، الذي تحتاجه المعارضة الايرانية في هذه المرحلة الدقيقة، في صراعها مع النظام في طهران، كان محكوما باكثر من دافع او محرك، لعل في مقدمها، السعي لانتزاع المبادرة من قوى المعارضة في الداخل، ومحاولة قطع الطريق عليها، لمنعها او عرقلة قدرتها على مصادرة الفعل الاعتراضي، وامكانية ان تتحول الى مركز ثقل داخل القوى المعارضة، يعطيها القدرة على الامساك بزمام المبادرة، وتوجيه الشارع والرأي العام بالاتجاه الذي تريده، وقد يكون ولا شك انه سيكون، على حساب قوى او الناشطين السياسيين في الخارج، الذين يحاولون تكريس ادوارهم كعامل محرك وموجه لاي حراك في الداخل. 

ويأتي التركيز على محورية ودور وحضور ولي العهد في لقاء جورج تاون، كمحاولة لاعادة الاعتبار له، بعد ان حاولت القوى والاحزاب المعارضة، ابعاده عن الواجهة، ومحاصرة دوره وعزل قاعدته بين ايرانيين الخارج، والتي تمظهرت بشكل واضح خلال المظاهرة، التي استضافتها مدينة ميونخ الالمانية، في بداية الحراك الذي اندلع داخل ايران، على اثر مقتل الفتاة مهسا اميني في ايلول من العام الماضي 2022.

 اظهر هذا اللقاء حجم “عدم الانسجام”، وتضارب المشاريع والرؤى والخطاب، لدى كل فريق من قوى المعارضة واحزابها

وقد اظهر هذا اللقاء حجم “عدم الانسجام”، وتضارب المشاريع والرؤى والخطاب، لدى كل فريق من قوى المعارضة واحزابها، فعلى الرغم من الحرص الشديد، الذي حاول القائمون على ان يكون هذا اللقاء شاملا لكل هذه القوى والتوجهات، الا ان غيابهم عن المشاركة المباشرة، والاكتفاء برسائل مسجلة او عبر الانترنت، او من خلال مواقف مكتوبة قرئت بالنيابة عنهم، كان كافية ليكشف عمق الخلافات وتضارب المشاريع، وسعي كل طرف لجر الحراك والمواقف لصالح مشروعه الخاص، بالاضافة الى رفضهم الضمني، الانضواء تحت راية ممثل ووريث الملكية، التي لا يريدون اعادة احيائها، حتى ولو التزمت بالشعارات والاليات الديمقراطية والدستورية والجمهورية. 

وعلى الرغم مما تشكله قوى المعارضة في الخارج، من حاجة للنظام لتكريس خطابه ونهجه السلطوي، وما توفره له من ارضية لعمليات القمع ومقاومة اي عملية تغييرية في الداخل، فيعمد الى تضخميها وتحويلها الى مصدر خطر على وحدة الجغرافيا الايرانية، وسيادة الدولة على كامل اراضيها، من خلال ربطها بمراكز القرار وتبعيتها وولائها لاعداء ايران، واداة لتنفيذ مخططاتها الساعية للقضاء على النظام والجمهورية الاسلاميين. 

فقد تحولت المعارضة، الى المهرب الذي يلجأ له النظام لتعليق التحديات التي تواجهه في الداخل عليها، خاصة وانه يدرك ويعرف، ان ليس لدى هذه المعارضة سوى مشروع واحد، يقوم على السعي للقضاء على النظام ومؤسساته الامنية والعسكرية والسلطوية والدينية، في لغة بعيدة عن اي دبلوماسية او امكانية تسوية او حوار، وترفع شعار الانتقام الواسع والعنيف مع رموزه، او الذين فضلوا عدم السير بمشروعها ورؤيتها.

تشكل المعارضة في الداخل مصدر القلق والخطر الحقيقي للنظام ومؤسساته واجهزته، لكونها ترفع شعار العمل ضمن الاليات الدستورية

في حين تشكل المعارضة في الداخل مصدر القلق والخطر الحقيقي للنظام ومؤسساته واجهزته، لكونها ترفع شعار العمل ضمن الاليات الدستورية، كما في خطاب خاتمي والعديد من الشخصيات السياسية والمؤثرة، او تلك التي تدعو الى تغيير الدستور او كتابة دستور جديد، ضمن الآليات الديمقراطية والاستفتاء والصندوق الانتخابي، كما في الخطاب النوعي والمستجد لمير حسين موسوي، الذي اعتبر ان المرحلة قد تجاوزت الدعوات لاجراء اصلاحات ضمن الاليات التي حفظها الدستور القائم، وضرورة الانتقال الى تغيير الدستور وكتابة دستور جديد، بعد انشاء مجلس امناء او مؤسسين بآليات انتخابية ديمقراطية، وهو خطاب وجد ايضا، اذانا صاغية واسعة ومؤثرة في الشارع السياسي الايراني، ولدى القيادات داخل سجون النظام. 

في المقابل، يعمل النظام واجهزته، للالتفاف على التحديات الداخلية، للتخفيف من اعباء المواجهة التي يخوضها مع الخارج، على خلفية البرنامج النووي والعلاقة المتوترة مع محيطه، جراء الدور والنفوذ المزعزع الذي يقوم به في الاقليم، بالاضافة الى الدور المستجد في الحرب الاوكرانيا الى جانب روسيا، خاصة اذا ما تأكدت المعلومات التي تتحدث عن تزويده موسكو، والالة العسكرية الروسية بانواع جديدة من الطائرات المسيرة، اكثر تدميرا وفعالية من سابقاتها شاهد 136. 

يسعى النظام واجهزته والحكومة، الى تضخيم اثار ومفاعيل قرار “العفو العام”

وفي هذا الاطار يسعى النظام واجهزته والحكومة، الى تضخيم اثار ومفاعيل قرار “العفو العام”، الذي اصدره المرشد بحق النشطاء الذين شاركوا بالحراك الاخير، على انه استجابة “ابوية” تصب في مساعي اعادة ترميم “الوحدة الوطنية”، ومنع تحول الحراك المطلبي، الى شرخ عمودي داخل المجتمع وفي الحياة السياسية. 

الا ان قرار العفو العام الصادر عن المرشد، ترك الكثير من علامات الاستفهام حول جدية هذه الخطوة، نتيجة استثناء حاولي 70 صحفيا، وترك عدد من المشاركين في المظاهرات بتهمة تهديد الامن القومي، واسس النظام والتعامل مع جهات اجنبية، وتنفيذ مؤامرات تسعى للقضاء على النظام، الامر الذي يترك الباب مفتوحا للتساؤل حول وجود نية حقيقية لدى اجهزة النظام، باحداث تحول جذري يكسر سياسة الاقصاء، التي تمارس بحق كل القوى والاطراف، التي لا تنسجم مع رؤيتها في ادارة السلطة والدولة، التي باتت تقتصر على طرف او تيار واحد بمختلف اجنحته، والذي يرى اي عودة لخصومه السياسيين او الاعتراف بهم، هو مصدر خطر يتهدد مشروعه للهيمنة على النظام والامساك بالقرار. 

السابق
«لا بيان بعد اجتماع باريس».. السفراء يكشفون السبب لميقاتي
التالي
بالصور: عشية ذكرى والده.. الحريري يلتقي دريان