الهروب من هلع الكارثة على متن الدعابة!

تعدّ معالجة نتائج الكوراث الطبيعية والصحية، و الحروب والهجمات الإرهابية هدفاً مجتمعياً، كما تتخذ استراتيجية متعددة الأبعاد، باعتبارها تؤثر في بنية المجتمع الديمغرافية وفي حياته الاقتصادية. وتتسبّب في الكثير من الإعاقات والإصابات الخطرة، التي تستنزف الجسم الطبي، بالإضافة إلى الاضطرابات النفسية الخطيرة، التي يمكن أن تنال من حياة الكثير من أفراده، خصوصاً الأطفال.يأتي الهلع ليتصدّر انعكاسات الكوارث على الحياة النفسية، ويتمّ تحديده على أنه حالة رعب حادّة ومفاجئة، تحدث نوعاً من الانقلاب في الحياة النفسية للفرد. بمعنى آخر، يباغت الهلع الفرد، نتيجة صدمة مفاجئة و غير مهيء لها، كحدوث زلزال أو هزّة أرضية عنيفة. 

لا يجب أن ننسى ما لوسائل التواصل الاجتماعي من دور، في انتشار عدوى الهلع، نظراً لما يمكن أن تعرضه من معلومات خاطئة

وإذا ما قاربنا من زاوية نفسية، ردّة فعل الفرد تجاه الكارثة، فتكون في بادئ الأمر عفوية، وللوهلة الأولى يتسمّر الفرد في مكانه، ويتسمّر في مكانه لبرهة، لأن ردة الفعل أو الاستجابة  الأولى، ترتبط مباشرة بالجهاز العصبي المركزي. وبعدها، يستعيد الفرد وعيّه وينتابه الهلع، فيجد نفسه طريدة لخوف حادّ، يفقده القدرة على ضبط الذات، على سبيل المثال  يركض في كل الاتجاهات و يصرخ… بمعنى آخر، يدخل في نوبة هلع. وبما أن الكارثة الطبيعية تنال من المجتمع، تنتشر نوبات الهلع كالعدوى، و تتخذ منحى جماعياً. و لا يجب أن ننسى ما لوسائل التواصل الاجتماعي من دور، في انتشار عدوى الهلع، نظراً لما يمكن أن تعرضه من معلومات خاطئة. و هذا ما لاحظناه إبان جائحة كوفيد، التي تسبب بنوبات هلع جماعية، عزّزتها وسائل التواصل الاجتماعي.

بما أن الكارثة الطبيعية تنال من المجتمع، تنتشر نوبات الهلع كالعدوى، و تتخذ منحى جماعياً

إذاً، من الطبيعي أن يظهر نوعاً من الحراك الهلعيّ في الوضعيات الخطيرة، كالحرائق والكوارث الطبيعية والهجمات الارهابية.لكن بالرغم من كل ذلك، من الملاحظ أنه أثناء الكوارث الطبيعية تتخطى السلوكيات الأنانية، لتفسح المجال أمام التعاون والمساعدة. و كأن هذه الكوراث، تأتي لتعكس غريزة الحياة عند الناس. لذلك، يمكن الحديث عن وجود هوية جماعية، يشعر الناس و سيّما الضحايا بأنهم “واحد”  فيتحدون، ولا يترددون في دعم بعضهم البعض. 

يمكن أن تعكس الدعابة الكثير من الاحباط، لأنها تبعد الفرد عن الأحداث التي تسببت بإحباطه

وفي مقابل الشعور بالاحباط، نتيجة الضغط النفسي الذي يجتاح أفراد المجتمع، يبحث هؤلاء، بطريقة واعية أم لا، عمّا يمكن أن يحرّرهم من سجن هذا الإحباط الذي يثقل حياتهم النفسية. فيجدون من الدعابة “خشبة خلاص”، إن جاز التعبير.  لذلك تتبدّى الدعابة ذات قيمة دفاعية. من الناحية السيكولوجية، يمكن أن تعكس الدعابة الكثير من الاحباط، لأنها تبعد الفرد عن الأحداث التي تسببت بإحباطه. بمعنى آخر، تحرّر الدعابة  الفرد من نزوات الموت أو ثاناتوس. 

ومن هذا المنطلق، تؤدي الدعابة دوراً تحريرياً، من دونها لا يستطيع الفرد التفلت من أغلال الضغوطات….وفي كل مرة يحاول الفرد الخروج من وضعية صادمة  و انقاذ نفسه، يلجأ الى الدعابة التي تعد أوالية دفاعية. ولا يخفى ما للبوستات، التي نراها على وسائل التواصل الاجتماعي في مجتمعنا اللبناني، سوى الدليل على وجود إحباط جماعي نتيجة أزمات اقتصادية و اجتماعية تلتفّ حول عنق اللبنانيين!…

يتبدى تدخل العلاجات النفسية القصيرة و العلاجات السلوكية المعرفية، ضرورة في حالات نوبات الهلع. إذ يستطيع المصاب بهذه النوبات التكلّم على ما مرّ به من أحداث، والتعبير عن انفعالاته و مخاوفه، ليصار إلى مساعدته على الابتعاد عن افكاره السلبية، التي أطلقتها الكارثة. كما لا يجب التأخر عن استشارة المعالج، و خصوصاً إذا طالت نوبات الهلع.

السابق
زلزال لبنان.. «الأزلي»!
التالي
الى اللبنانيين في تركيا.. بيان هام من السفارة