«الحرب القضائية» استراحة «ما بين عاصفتين»..وخشية من «إراقة دماء»!

الجيش اللبناني

. «استراحةُ مُحارِب». هكذا بدا المشهد في لبنان على مختلف الجبهات «المشتعلة» أو «النائمة»، في القضاء والمال والسياسة، من دون أن يكون بإمكان أحد تَلَمُّس آفاق أيٍّ منها ما خلا أنها كلها «طرقٌ توصل إلى… الانفجار».

وثمة انطباعٌ متزايد في بيروت بأن الأسبوعَ العاصِف الذي عاشتْه البلاد ولا سيما مع اندلاع «حربٍ قضائية» على تخوم التحقيق في «بيروتشيما» زلزلتْ العدلية وحرّكت «فوالق» سياسية، كما بلوغ الليرة «سلسلة قمم» جديدة في انهيارها المريع، فرضتْ على الجميع «التقاط الأنفاس» ومحاولة إخماد ما أمكن من «فتائل» كرّستْ واقع أن لبنان تتقاذفه «أفواه براكين» تتغذّى من فراغ متمادٍ في رئاسة الجمهورية.

وفيما عاود «الدولار الأسود» أمس صعوده إلى عتبة 60 ألف ليرة بعدما تَراجَعَ الجمعة بأكثر من 7 آلاف ليرة عن أعلى مستويات على الإطلاق سجّلها الخميس حيث تجاوز 63 ألفاً، علماً أنه كان «أقلع» بداية الأسبوع الماضي من 51 ألف ليرة، بقيت «الأعصاب مشدودة» بانتظار ما يحمله مصرف لبنان في جيْبه من «أرانب» قد يكشفها غداً وربما تكون «خرطوشة أخيرة» لتأخير الارتطام المميت.

إجراءات للجيش على «خطوط تماس» الشياح / عين الرمانة تفادياً لاحتكاكات

ويسود اقتناعٌ بأن «المركزي» فَقَدَ أدوات التدخل المؤثّر التي تتيح له التحكّم بالسوق الموازية ومسارها ولا سيما في ضوء فشل تجربة منصة «صيرفة» في نسختها الأخيرة (27 ديسمبر)، وسط اتجاهٍ عشية دخول السعر الرسمي الجديد للعملة الوطنية (15 ألف ليرة للدولار عوض 1507 ليرات) حيّز التنفيذ في 1 فبراير إلى خفضٍ إضافي لقيمة الليرة على «صيرفة» من 38 ألفاً حالياً إلى ما بين 45 و50 ألفاً، مع ما لذلك من تداعيات كارثية على سلسلة من الرسوم والفواتير التي تُسدَّد وفق هذه المنصة (من كهرباء وهاتف وغيرها).

وفي حين تستعدّ قطاعاتٌ عدة، ولا سيما النقل البري، لتحركاتٍ غداً على وقع الارتفاع «الحارق» لأسعار المحروقات حيث يناهز سعر صفيحة البنزين المليون و100 ألف ليرة، وبدء عدد من المدارس اللجوء إلى «خطط ب» (مثل إطالة عمر بعض العطل والتفكير في خفض عدد أيام الحضور المدرسي) لمواكبة المسار الجنوني للدولار والأسعار بانعكاسها المباشر على تكلفة النقل للمعلّمين والطلبة كما الإنارة والتدفئة وسائر المصاريف التشغيلية، فإن المَخاوف تتعاظم من أن يُفضي أي «تسونامي» تضخّمي جديد إلى تأجيجٍ واضطرابات في الشارع «المتحفّز» والذي أعطى بعض إشارات في الأيام الماضية إلى جاهزيته لتحركاتٍ يُخشى أن تتقاطع أيضاً مع الاحتقان الشعبي والسياسي الكبير الذي رافق وأعقب اندلاع معركة «الأمر لمَن» في تحقيقات «بيروتشيما» التي تنتقل من «خندق» تعطيل إلى آخَر.

ولم يكن عابراً أمس «المناخ التهويلي» الذي واكب تحركات، بعضها جرى وبعضها الآخر «أوحي» بأنه سيحصل، أمام قصر العدل، والذي استدرج خشيةً من «دم يُسال»، في ما بدا محاولةً لفرْملةِ جو التضامن مع أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، شعبياً وسياسياً (من غالبية نواب المعارضة) والالتفاف حول المحقق العدلي القاضي طارق بيطار الذي «حَكَم لنفسه» باستنئاف مهمته بعيداً من عشرات دعاوى الردّ والمخاصمة العالقة ضده، وفي الوقت نفسه إرساء ما يشبه «تَوازن رعب» بوجه ملامح الهجوم المضاد على مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات الذي «ادّعى بالمثل» على بيطار وذهب إلى وضع اليد على صلاحياته وأخلى كل الموقوفين في القضية.

إقرأ ايضاً: «الثنائي» يَستعين بالشارع لإجهاض الانتفاضة القضائية..و«محاولات رئاسية» في الوقت الضائع!

وإذ برز انطباعٌ بأن التحقيق في «بيروتشيما» دَخَلَ نفقاً جديداً وأن أي وقف لتشظي القنبلة التي انفجرت في جسمه بات يستوجب تلازُماً بين خطوتين إلى الوراء يقوم بهما بالتوازي كل من بيطار وعويدات (طالب 40 من نواب المعارضة بمحاسبته) من دون أن يُعرف مَن يمكن أن يرعى مثل هذا المخرج الذي يحتاج بطبيعة الحال إلى «تتمات» وآليات غير معقّدة تُفْرج عن التحقيقات، فإن البارز كان اعتبار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع خلال لقائه سفيرة الولايات المتحدة دوروثي شيا «أن التطورات الأخيرة تحتم علينا توفير الدعم الكامل لاستكمال التحقيق في ملف انفجار المرفأ من خلال التوجه فوراً نحو تأليف لجنة تقصي حقائق دولية للمساعدة في كشف الحقيقة في هذه الجريمة واعادة تصويب مسار العدالة».

وكان محيط قصر العدل في بيروت شهد تحركاً لعشرات الناشطين الذين طالبوا بإقالة القاضي عويدات، وسط دعوات مضادة على مواقع التواصل الاجتماعي لتحرك مضاد دعماً لمدعي عام التمييز، وهو ما استدعى من أهالي ضحايا المرفأ إصدار بيان أعلنوا فيه أن «هناك دعوات توزع للتجمع عند الساعة 11 أمام قصر العدل في بيروت، منها ما هي مؤيدة لغسان عويدات ومنها ما هي مؤيدة لإقالته… يهمنا كأهالي ضحايا أن ننبِّه من هذه الدعوات التي تهدف – من جملة ما تهدف إليه – الى العنف وإراقة الدماء في الشارع»، متمنّين من «الجميع التيقظ وعدم الانجرار وراء من يحاول جرنا الى الفتن، والى متابعة الدعوات الى التحرك التي تصدر عن أهالي الضحايا حصراً».

وتَرافق ذلك مع إجراءات مكثفة نفذها الجيش اللبناني بين عين الرمانة والطيونة والشياح حيث أغلق بعض المداخل بالأسلاك الشائكة، تَدارُكاً لأي سيناريوات تستعيد ما حصل في اكتوبر 2021 خلال مرور مسيرة لـ «حزب الله» وحركة «أمل» في طريقها إلى محيط قصر العدل للمطالبة بإسقاط القاضي بيطار حيث انحرفت التظاهرة باتجاه عين الرمانة ووقعت مواجهات دموية بدت معها البلاد على ضفاف حرب أهلية جديدة.

وفي موازاة انشداد الأنظار لِما يمكن أن يقوم به مجلس القضاء الأعلى لـ «تضميد الجِراح» العميقة التي لحقت بالسلطة القضائية التي انقسمت على نفسها في شكل لم تعرفه سابقاً، وعلى وقع قراءات رَبَطت بين «الانفجار القضائي» لملف بيروتشيما وبين ما يُشاع عن «قطب مخفية» خارجية و«مقايضاتٍ» ذات صلة بملف الانتخابات الرئاسية، فإن أوساطاً مطلعة رأت أن تطورات قضية المرفأ معزولة عن الاستحقاق الرئاسي الذي يشهد محاولاتٍ داخلية لإحداث اختراقٍ في جداره المسدود يتولاها في شكل رئيسي الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.

وإذ لا تعوّل هذه الأوساط على الاجتماع المرتقب في باريس في 6 فبراير على مستوى المديرين في وزارات الخارجية للولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر ومصر ليشكل عاملاً حاسماً في الأزمة اللبنانية كونه سيركّز على «الممر الإنساني» لدعم الشعب اللبناني وإن كان سيعيد تأكيد وجوب القيام بالإصلاحات وانتخاب رئيس للجمهورية، فهي تعتبر أن المناخات التي سادت بيروت في اليومين الماضيين عن استعداد الثنائي الشيعي لإيصال سليمان فرنجية إلى الرئاسة بأكثرية النصف زائد واحد ولو لم يصوّت له نواب الكتلتين المسيحيتين الأكبر (القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر) لا تنمّ عن تغيير في مقاربة «حزب الله» خصوصاً لهذا الاستحقاق على قاعدة أن فرنجية «مرشحنا الرقم واحد ولكن ليس الأوحد».

 الدولار «يهادن» ثم ينقضّ على الليرة والانظار تتجه الى اجراءات مصرف لبنان الاثنين

وبحسب هذه الأوساط، فإن «حزب الله» وكما قارَب موضوع جلسات الحكومة، التي يُنتظر أن تتكرر الدعوة إليها الأسبوع الطالع، على قاعدة أولوية القضايا الملحة ورفْض تحميله تبعات عرقلة إقرار بنود تتعلق بصحة اللبنانيين وعيشهم، قد يجد نفسه وفق المعيار نفسه وفي توقيت معيّن تفرضه ديناميةُ التأزم وعصْفه أمام تكرارِ عدم السماح بتصويره وكأنه يعرقل مجدداً الانتخابات الرئاسية، مرةً (بين 2014 و2016) لمصلحة العماد ميشال عون ومرة ثانية (اليوم) مراعاةً لصهره رئيس «التيار الحر» جبران باسيل الذي يرفض السير بفرنجية ولا يفصح عن أي اسم آخر يقترحه.

وثمة قراءة في هذا الإطار، مفادها أن جنبلاط قد لا يبقى حتى النهاية على رفْضه السير بفرنجية وأن ثمة قوى مسيحية لا تؤيد انتخاب زعيم «المردة» ولكنها لا تعارضه بالمطلق، وهو ما قد يتيح تمرير انتخابه في اللحظة المؤاتية، وسط توقف دوائر مراقبة عند ما أعلنه الزعيم الدرزي في ما خص المبادرة التي يقودها وتقوم على التواصل مع جميع الأطراف من أنه طرح 3 أسماء مع وفد «حزب الله» الذي التقاه أخيراً وأثناء زيارة النائب وائل أبو فاعور للسعودية، هي قائد الجيش العماد جوزف عون، الوزير السابق جهاد أزعور والنائب السابق صلاح حنين، لافتاً إلى وجوب «إيجاد حلّ وسطي بين فرنجيّة و(مرشح المعارضة) النائب ميشال معوض».

السابق
محطات مفصلية..على نار الأسبوع العاصف!
التالي
هل يُغيّر جنبلاط رأيه ويسير بفرنجيّة؟