لا تسويات كُبرى في الأفُق: ما الذي ينتظر العالم في 2023؟

اوكرانيا روسيا

لعل ما سيبقى في الأذهان عشية انتهاء سنة 2022 أنها سنة مليئة بالإحباط تعرَّض خلالها الإطار الاستراتيجي والأمن العالمي إلى آثار سلبية. وستنطوي الاضطرابات والخلافات التي شهدتها هذه السنة على انعكاسات متباينة خلال سنة 2023. ويتمثل الحدث الذي هزَّ العالم بالغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022، والذي تصفه موسكو بـ “العملية العسكرية الخاصة”. وتستعد هذه الحرب لدخول سنتها الثانية ما لم يحدث وقف جذري للأعمال العدائية، وإطلاق محادثات سلام، وهي ضرورة يبدو أن احتمالاتها ضعيفة الآن. 

وأدت الحرب في أوكرانيا إلى رص صفوف “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) الذي تقوده الولايات المتحدة، وتقديم دعم قوي إلى كييف، الأمر الذي ترك روسيا معزولة نسبياً. ونأت كل من الصين والهند بنفسها عن خيار روسيا بشن هذه الحرب والتلويح الطائش باستخدام الأسلحة النووية.

اقرأ أيضاً: إيران… أهي نموذج أم تحذير؟

يسعى هذا التحليل إلى استشراف الاتجاهات الكبرى لتطورات العام 2023، في ضوء تداعيات تطورات 2022 على القوى الكبرى الرئيسة، والمضامين الجيوسياسية والجيواقتصادية المحتملة بالنسبة لآسيا بشكل عام، والشرق الأوسط بشكل خاص. 

الحرب الأوكرانية وأمن الطاقة

تمَثَّلَ العنصر الأكثر أهمية للحرب الروسية-الأوكرانية بأثرها في أمن الطاقة في أوروبا نظراً لمكانة روسيا كمزود أساسي للنفط والغاز إلى دول مثل ألمانيا وغيرها. وتحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها تقييد صادرات الطاقة الروسية إلى السوق العالمية. وفي حين أن هذه المبادرة العقابية ما زالت قيد التنفيذ، غير أن انعكاساتها على الدول المصدرة للنفط والغاز مثل دول الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي ستكون جوهرية.

وأشارت أرقام سنة 2020 إلى أن روسيا مثَّلت ثاني أكبر مزود للنفط في العالم، حيث شكلت نسبة 11.6% من صادرات النفط العالمية. وحلت السعودية في المرتبة الأولى بنسبة 15%، بينما بلغت حصة دولة الإمارات العربية المتحدة من هذه الصادرات 6.57%. وسيؤدي أي تقليص كبير في صادرات النفط الروسية إلى تعزيز مكانة الدول الأخرى الرئيسة المنتجة للنفط، حيث سيلعب مجلس التعاون الخليجي دوراً جوهرياً في استقرار السوق المضطربة عام 2023.

وأدت أحداث سنة 2022 إلى أثار مختلفة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، التي تُمَثِّلُ أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم من ناحية الناتج المحلي الإجمالي. وكشف اعتماد الاتحاد الأوروبي على النفط والغاز الروسي عن نقطة ضعف في الاتحاد في مجال الطاقة، إلى جانب ضعف التماسك السياسي في هذا التكتل. وعليه سيشهد عام 2023 إعادة ترتيب حول احتياجات الاتحاد الأوروبي من الطاقة، وتحولاً في العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

أمريكا وتفاقُم التحديات الداخلية

عانت الولايات المتحدة من مجموعتين من التحديات خلال سنة 2022؛ التحدي الأول خارجي، ويتصل بالعلاقات مع روسيا (بسبب حربها في أوكرانيا)، والتوتر المتزايد مع الصين. وعلى الصعيد الداخلي فإن نشر التقرير النهائي (في ديسمبر 2022) الذي أعدته اللجنة التي شَكَّلَها مجلس النواب الأمريكي للتحقيق في أحداث الهجوم على مبنى الكونجرس الأمريكي في 6 يناير 2021، والذي أدان الرئيس السابق دونالد ترمب بالتصرف بشكل “غير دستوري”، ينطوي على أهمية متعددة المستويات بالنسبة للنظام الحيوي الاجتماعي والسياسي.

في حين أن التداعيات المُباشرة ستنصبّ على حظوظ ترمب السياسية، فإن الفجوة بين مؤيّديه المُتشدّدين الذين قادوا اقتحام مبنى الكونغرس في 6 يناير 2021، وبقية البلاد قد تؤدّي إلى انقسام شديد في المُجتمع الأمريكي في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية لعام 2024. وفي التقرير السالف الذكر، جادل رئيس اللجنة عضو مجلس النواب الجمهوري، بيني طومسون، بقوة قائلاً: “لقد تساهل بلدنا كثيراً حينما سمح لرئيس مهزوم بتحويل نفسه إلى طاغية ناجح من خلال الانقلاب على مؤسّساتنا الديمقراطية، وإثارة العنف، وبرأيي فإن ذلك فتح الباب لأولئك الذين تُهدّد كراهيتهم وتعصّبهم ضمان المساواة والعدالة لجميع الأمريكيين في البلاد”. 

ولعل هذه الخُلاصة البليغة في صميمها قد شوّهت سمعة الولايات المتحدة باعتبارها أقدم الديمقراطيات وأقواها في العالم، والتي كانت تنظر لنفسها بوصفها بلداً “لا يُمكن الاستغناء عنه” في العالم، وقائد النظام الليبرالي العالمي. لقد تضاءل هذا البريق الآن، وأضعف القوة الناعمة للولايات المتحدة على مستوى العالم، ويتيح إمكانية حدوث خلاف داخلي كبير، والذي يُمكن أن يؤدّي في أسوء أحواله إلى ظروف تُشبه الحرب الأهلية.

الصين: أحوال أقل من مُرضية في عام 2022 

شهدت الصين، التي يُنظر إليها على أنها مُنافس للهيمنة الأمريكية، أحوالاً أقل من مُرْضية في عام 2022. وفي حين مُنح الرئيس شي جين بينغ فترة ولاية ثالثة غير مسبوقة في منصبه، شهدت آخر فترة من العام حدثاً نادراً تَمثّل في احتجاجات المواطنين نتيجة صرامة الإجراءات المُتعلّقة بوباء كورونا. ومن المُتوقّع أن يؤدّي الارتفاع الحالي بالإصابات بالوباء في الصين إلى تعطيل النشاط الاقتصادي المحلّي وسلسلة التوريد، وسيكون لذلك تأثيرات إقليمية وعالمية. 

وفي حين أنه سيكون للاضطرابات في عام 2022 آثار عالمية، فإن آسيا هي ميدان التنافس بين الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، الذين يقفون معاً ضد الصين روسيا. ويُشير ظهور منطقة المحيط الهادئ والهندي (الإندو-باسيفيك) كبنية استراتيجية إلى المُنافسة التي تنتظرنا، بالرغم أنه يتعيّن على المجتمع الدولي أن يتعامل مع تبعات تغير المناخ، وتلك المرتبطة بوباء كورونا. وفي حين أن التوتّر الأمريكي-الصيني له توجّهات إقليمية مُحدّدة في شرق آسيا وجنوب شرق آسيا وجنوب آسيا، والذي يُعدّ حالياً أكثر ملاءمةً لواشنطن، إلاّ أن بيجين عزّزت موقفها في الشرق الأوسط على مدار العقد الماضي، وكانت لإدارة بايدن علاقة سياسية متوتّرة في المنطقة.

الأهمية الاستراتيجية لدول الخليج العربية

لقد برزت الصين كياناً اقتصادياً قوياً في الشرق الأوسط، وثمة مؤشر واضح جداً بهذا الخصوص؛ فوفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، بلغ إجمالي تجارة الصين مع الشرق الأوسط في عام 2021 حوالي 259 مليار دولار أمريكي، في حين بلغ اجمالي تجارة المنطقة مع الولايات المتحدة 82 مليار دولار أمريكي فقط. وهذا لا يعني أن واشنطن ستتجاهل أو تُقلّل من وجودها في الشرق الأوسط، إذ إنه بحكم الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، وبخاصة منطقة الخليج، فإن اهتمام القوى العالمية الرئيسة بها سيزداد في السنوات المُقبلة. 

وباختصار، سيشهد عام 2023 زخماً كبيراً في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والطاقة في حين ستُحقّق مساعي التعددية القطبية وإلغاء القطبية درجة ما من التوازن. ومع ذلك، فإن الخلافات بين القوى الرئيسة لا تُبشّر بخير إذا ما أخذنا في الاعتبار حصافة وفعاليّة القيادة العالمية لمواجهة هذه التحدّيات وأوجه عدم الاستقرار.

السابق
«المسألة الكردية في الشرق الاوسط بين التأجيل والتعجيل».. ندوة للنجار في منتدى «جنوبية»
التالي
اعتداءات على سنديان عين ابل.. والفاعلون فوق القانون