حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: المرشد «يدِكّ» الحوار..ويغطي «سموات إيران بقبوات أميركا»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

كان لافتا الخطاب الاخير للمرشد الايراني السيد علي خامنئي، خلال استقباله مجموعة مختارة من اعضاء التعبئة الشعبية “بسيج” التابع لقيادة حرس الثورة. خطاب ابتعد فيه عن الحديث المباشر عن الازمة، التي تعيشها وتمرّ بها ايران جراء الحراك الشعبي، ومروحة المطالب والشعارات التي يرفعها، من الحريات السياسية والاجتماعية والتعددية الحزبية وحرية الرأي والتعبير، مروراً بحقوق الاقليات العرقية والاثنية، وصولاً الى الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي وصل الى مستويات غير مسبوقة، وخارج قدرة غالبية شرائح المجتمع الايراني، في ظل اتساع دائرة الفقر والعوز الحقيقي بين نسبة كبيرة من الايرانيين تتجاوز الستين في المئة. 

المرشد الايراني، وكما في الخطابات الاخيرة التي خرج بها منذ منتصف شهر ايلول الماضي مع اندلاع الحراك الاحتجاجي،  كان حازماً في موقفه بعدم الاعتراف بوجود حراك مطلبي، وان شريحة لا يستهان بها من الايرانيين، خرجت الى الشارع ترفع شعارات مختلفة عما سبق، وذات طبيعة وهوية ثقافية لا تلتقي او تنسجم مع الهوية الرسمية للنظام، عنوانها اسقاط الزامية الحجاب. 

التصويب الايراني على اميركا والادارة المتعاقبة للبيت الابيض من سنة 1952 وصولا الى الحراك الاحتجاجي الحالي يشكل محاولة للقفز على الحقائق القائمة والهروب الى الامام

خامنئي رفع سقف التحدي مع الولايات المتحدة الاميركية، بتأكيده عدم جدوى التفاوض مع اي ادارة للبيت الابيض، وان النظام الايراني متمسك بشروطه وخطوطه الحمراء، فيما يتعلق بالبرنامج النووي والبرنامج الصاروخي والدور والنفوذ الاقليمي، وانتقل الى ترسيم دوائر الصراع الاقليمي، وتحديد مناطق النفوذ والدور، من خلال التأكيد على تمسك النظام بساحات النظام والقتال، التي تمثلها الساحتين اللبنانية والفلسطينية المفتوحتين على مختلف التطورات، في مقابل منع “العدو الامريكي” من تحقيق انتصار في العراق، بافشال كل مخططاته للسيطرة على القرار في هذا البلد. 

التصويب على الولايات المتحدة الاميركية، والادارة المتعاقبة للبيت الابيض من سنة 1952، وصولا الى الحراك الاحتجاجي الحالي، يشكل محاولة للقفز على الحقائق القائمة والهروب الى الامام، لكي لا يكون مجبرا على الاعتراف بوجود ازمة داخلية، انتجتها السياسات الاقتصادية والمالية المتعثرة، والفشل في ادارتها من قبل المنظومة الحاكمة، والتي تراكمت في السنوات الاخيرة ووصلت الى حافة الانفجار، ومحاولة ابعاد المسؤولية عن السلطة، التي اجتمعت بكل اركانها الدستورية في الرئاسات الثلاث او الاجهزة والدولة العميقة، في قبضة التيار المحافظ الموالي للنظام ورافعته السياسية والشعبية – الاقلوية- من خلال رمي الكرة في ملعب العقوبات الاقتصادية والحصار المفروضين من الادارة الاميركية. 

إقرأ ايضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: النظام الإيراني والمعارضة المسلحة.. «كل يغني على ليلاه»!

تصعيد المرشد ونقل الازمة الى دائرة الصراع مع الادارة الاميركية، وتحميلها مسؤولية الاحداث في ايران، بتأكيده ان “الازمة لا تنحصر في عدد من الاشخاص المعادين للنظام”، بل في المؤامرة التي تقودها اجهزة الاستخبارات الاميركية والبريطانية والاسرائيلية، ووسائل اعلام معادية للقضاء على النظام وتقسيم ايران الى دويلات تخدم مصالحها. 

تأطير الازمة التي فجرت هذا الحراك، سواء في بعدها المطلبي الذي غاب بالكامل عن خطاب المرشد، او في بعدها الثقافي الذي اخذ توصيف المؤامرة، فتح الطريق امام المرشد لتوجيه الدعوة الصريحة، لقوى “البسيج” والاجهزة الامنية والمؤسسة العسكرية، لتأخذ دورها بشكل فعال واكثر شدّة لانهاء “اعمال الشغب” في الشارع، من دون اي مؤشر على وجود امكانية لمبادرة استيعابية من النظام وقيادته، للتعامل مع الحدث الميداني، باطلاق يد الاجهزة “لمعاقبة اي مثير للشغب وانزال العقوبة عليه”، مسقطاً او موجّهاً صفعة قوية لكل الجهود التي بدأت تتبلور في الاسابيع الاخيرة من بعض القوى السياسية، سواء من الموالية للنظام، او تلك التي تصنف في خانة المعارضة، الساعية لفتح كوة في جدار الازمة، واطلاق حوار وطني يشكل مدخلاً للخروج من الازمة، وعدم وصولها الى حائط مسدود تصبح معها التنازلات اكثر ايلاماً واكثر احراجاً، وتأثيرا على الطبقة الحاكمة ومنظومة السلطة، وتنقل الامور الى مواجهة مفتوحة على جميع الاحتمالات. 

امكانية اطلاق مسار حواري بين النظام وقوى الاعتراض بعيدة ومعقدة لان كل طرف يرى في الاخر اما منافسا له وبديلا في حالة الاصلاحيين واما نقيضا له نوعيا في حالة الحراك الاعتراضي

وانطلاقا من هذه الرؤية، والتي تعتبر الاحتجاجات امتداداً للمؤامرة الاميركية، والوجه الاخر لمشروع استهداف الدور الايراني في منطقة غرب آسيا، الذي استطاع النظام افشاله وهزيمته في العراق وسوريا ولبنان، اجهض المرشد كل المبادرات الحوارية، التي حاول الرئيس الاسبق محمد خاتمي التأسيس لجانب منها في الرسالة المفتوحة، التي دعا فيها السلطة الحاكمة لضرورة “الاصلاح الذاتي”، واردفها برسالة الى المرشد بقيت من دون ردّ، حسب ما كشف محمد علي ابطحي المساعد الاسبق لخاتمي، في حين جرى الحديث عن لقاءات وحوارات ثنائية، بين سكرتير المجلس الاعلى للامن القومي علي شمخاني، مع افراد من عائلتي المؤسس السيد الخميني والرئيس الاسبق هاشمي رفسنجاني، بالاضافة الى لقاءات اخرى بين شمخاني وقيادات اصلاحية، من ابرزها رئيس المجلس الاعلى للاحزاب الاصلاحية وشيخ الثوار بهزاد نبوي.

فيما تسربت معلومات عن لقاء حصل بين كريمة رفسنجاني فاطمة، ونجل المرشد مجتبى، في اطار الجهود الرامية لبحث السبل، التي تساعد على اخراج البلاد والنظام ومن التحديات التي تواجهه، على قاعدة اعادة النظر في الكثير من السياسات والقرارات وآليات ادارة البسلطة. 

اجهض المرشد كل المبادرات الحوارية التي حاول الرئيس الاسبق محمد خاتمي التأسيس لجانب منها في الرسالة المفتوحة التي دعا فيها السلطة الحاكمة لضرورة “الاصلاح الذاتي”

وعلى الرغم من مسارعة هذه الاطراف الى تكذيب ونفي حصول مثل هذه اللقاءات، خاصة بين شمخاني والخميني و رفسنجاني وخامنئي، اما خوفا من ردّة فعل النظام، واما لاقتناعهم في صعوبة تحقيق او احداث خرق، فان المرشد حسم موقف النظام برفض مثل هذه الحوارات، التي اعتبرها ناتجة عن “جهل سياسي” و”غفلة” لدى المبادرين، لعدم ادراكهم الابعاد التأمرية التي تقف وراء “اعمال الشغب” في الشارع، وان الدعوة الى ضرورة “الاستماع الى صوت الشعب”، يتعارض مع الحقيقة المتمثلة بجموع عناصر التعبئة “البسيج”، الذين يمثلون الحلقة المتصلة لاجيال الثورة وحيويتها، والقاعدة الشعبية الواسعة التي ترفض ما يحصل، وعلى استعداد للدفاع عن الثورة والنظام، و”ستفعل لان مواجهة اعمال الشغب من اهم واجبات البسيج”. 

من هنا، يبدو ان امكانية اطلاق مسار حواري بين النظام وقوى الاعتراض، بعيدة ومعقدة، لان كل طرف يرى في الاخر، اما منافسا له وبديلا في حالة الاصلاحيين، واما نقيضا له نوعيا في حالة الحراك الاعتراضي، بهوية ثقافية مختلفة مع هوية النظام، ما يعني بالتالي ان الخيار الذي لدى النظام، هو الذهاب الى الضرب بيد من حديد لانهاء حالة الاعتراض.

السابق
فرونِتسكا تقدم احاطتها لمجلس الأمن بشأن 1701: ترحيب بإنجاز الترسيم البحري التاريخي بين لبنان واسرائيل!
التالي
الفلتان المسلح يغزو المناطق الشيعية..تكتيك إجرامي مروع قتل ثم سلب لضحيتين خلال ساعات!