مناورة «حزب الله» الرئاسية..من الدعوة للتوافق إلى «سنأتي بمن نريد»!

قصر بعبدا

من الدعوة إلى التوافق على رئيس للجمهورية اللبنانية والإقرار بأنه «لا إمكانية لأحد أن يفرض تحدياته واستفزازاته على عموم الشعب»، إلى رفع شعار «سنأتي بمن نريد»، هكذا انتقل «حزب الله» في تعاطيه مع انتخابات رئاسة الجمهورية، وفق تصريحات واضحة من قبل مسؤوليه منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) حتى الآن، وهو ما يطرح تساؤلاً حول تبدّل هذا الخطاب ومقاربته للاستحقاق لا سيما في ظل استمرار الانقسام داخل فريقه السياسي وعدم إعلانه عن مرشحه رسمياً.

وفي حين لا يزال الحزب وحلفاؤه يعتمدون «الورقة البيضاء» في انتخابات الرئيس التي عقدت جلستها السادسة الخميس الماضي، فإن محركاته لا تهدأ باتجاه حلفائه لإقناعهم بمرشحه رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية؛ تمهيداً للإعلان عن تبنيه رسمياً، وتحديداً باتجاه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي أعلن صراحة رفضه انتخاب فرنجية الذي سبق له أيضاً أن امتنع عن انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية عام 2018.

وهذا التبدل في خطاب «حزب الله» يضعه النائب في حزب «القوات اللبنانية» غياث يزيك في خانة المناورة، محذراً من مخطط للحزب للوصول إلى «بلبلة أمنية»، فيما يربطه الباحث والأستاذ الجامعي مكرم رباح باتفاق ترسيم الحدود الذي أنجز أخيراً بين لبنان وإسرائيل، والذي كان لـ«حزب الله» دور فيه، بينما يعتبره المحلل السياسي المقرب من الحزب، قاسم قصير أنه نتيجة عدم تجاوب الأفرقاء الآخرين مع مطلبه للحوار والتوافق.

غياث يزبك: “حزب الله” يعتمد أسلوب الليونة والانفتاح والتعلق بالدستور عندما يتطلب الأمر ذلك لكنه يعود إلى رفع الإصبع والتهديد والوعيد عند احتدام المعركة

ويقول رباح : «أحد الأسباب التي تقف خلف تبدل لهجة الحزب هي القوة التي حصل عليها بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية وجعلته قادراً أكثر على فرض نفسه، إضافة إلى أنه يعتبر أنه تعاون مع الأميركيين لإنجاز هذا الاتفاق، وبالتالي عليهم أن يتعاملوا معه بالمثل». ويعتبر أن الحزب يجد نفسه مضطراً لأنْ يعتمد هذا الأسلوب مع تعثر المحادثات النووية (الإيرانية مع القوى الغربية) خاصة فيما يتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية، حيث يرفض تقديم أي تنازل وهو يعمل لإيصال شخصية شبيهة بالرئيس ميشال عون كي يبقى يتمتع بالتغطية السياسية المطلوبة له.

في المقابل، يرى قصير أن هذا التبدل سببه خصوم «حزب الله»، ويقول : «من الطبيعي أن يعمل الحزب لإيصال رئيس يؤيد المقاومة، وتبدّل هذا الخطاب سببه عدم تفاعل أو تجاوب الطرف الآخر للحوار ما دفعه إلى تصعيد موقفه للتأكيد بأنه قوي ولا يتحدث من موقع ضعف، وهو يراهن على الوقت لتأمين توافق وطني يكون باسيل جزءاً منه»، معتبراً أن الحل قد يكون بالذهاب إلى حوار غير مباشر برعاية فرنسية وصولاً إلى انتخاب رئيس للجمهورية».

أما من وجهة نظر النائب غياث يزبك، فإن «الحزب يتعاطى في السياسة كما العسكر، حيث حركته قائمة على المناورة؛ إذ إنه يعتمد أسلوب الليونة والانفتاح والتعلق بالدستور عندما يتطلب الأمر ذلك لكنه يعود إلى رفع الإصبع والتهديد والوعيد عند احتدام المعركة»، معتبراً أن «لهجة النائب محمد رعد بإعلانه أنهم يعملون لإيصال من يريدون إلى الرئاسة، هي التي تنطق بحقيقة ما يضمره الحزب في مقاربته للواقع اللبناني، فكم بالحري إذا كان استحقاق رئاسة الجمهورية».

إقرأ ايضاً: ينبت بعد «الشتوة الأولى».. حمزة لـ«جنوبية»: الفطر البري سام وقاتل!

ويقول يزبك : «هذه المناورة ظهرت في المسار الذي سلكه الحزب وحلفاؤه، موضحاً: «بعد بدء مرحلة الشغور استخدموا موقع رئيس البرلمان لاستدراج المعارضة إلى طاولة حوار لم يكن الهدف منها سوى منح الممانعة نَفَساً لعلّ الحزب يتمكن من إقناع باسيل بالتخلي عن طموحه الرئاسي لصالح فرنجية»، ويضيف: «نحن رفضنا الحوار لأننا نعتبره تضليلياً، ولأن المجلس النيابي تحوّل إلى هيئة ناخبة، ومهمتنا باتت حصراً انتخاب رئيس للجمهورية، كما أن حليفهم النائب باسيل لم يستمع لهم فعادوا إلى لغتهم المعتادة بالتهديد والوعيد».

من هنا يرى النائب القواتي أن دعوة الحزب إلى التوافق «لم تكن إلا مناورة للقول تعالوا لانتخاب رئيس توافقي على غرار الرئيسين السابقين ميشال عون وإميل لحود، وهو ما أعلنها صراحة أمينه العام، وهذا ما لن نقبل به علما بأنه يعتبر أي مرشح يرفع شعارات لا تتوافق مع سياسته الداخلية والخارجية هو رئيس تحد».

مكرم رباح : أحد الأسباب التي تقف خلف تبدل لهجة الحزب هي القوة التي حصل عليها بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية وجعلته قادراً أكثر على فرض نفسه

وعما سيقوم به «حزب الله» إذا وصل إلى حائط مسدود يقول يزبك: «بالتأكيد سيصل إلى ذلك بل سيرعى هو الشغور الرئاسي لأن الفراغ والفوضى يخدمانه، وهذا ما يخطط له، موضحاً: «إذ كلما تفككت الدولة كان ذلك من مصلحته لتحميل مسؤولية ذلك إلى المكونات اللبنانية المعارضة له، وهو ما قد يؤدي حينها إلى سقوط اتفاق الطائف وبلبلة أمنية مترافقة مع تأزم الوضع الاجتماعي وسقوط المؤسسات وصولاً للانتقال إلى طاولة حوار يعتقد حزب الله أنه ستكون له اليد الطولى عندها في التركيبة اللبنانية».

ورغم تعويل «حزب الله» على الجهود التي يبذلها مع حليفه باسيل، ومن ثم أفرقاء لبنانيين آخرين لإيصال مرشحه فرنجية، يرى يزبك أن هذا الأمر سيكون صعباً لعدم قدرته وحلفائه على الحصول على 86 نائباً، النصاب المطلوب للجلسة، ويقول: «هذا السيناريو صعب لأن مواقف «الحزب التقدمي الاشتراكي» واضحة في هذا الإطار، ونأمل ألا تتبدّل لعدم إفساح المجال أمام الحزب لإحداث هذا الخرق ومساعدتهم في تأمين النصاب»، معتبراً أن مسؤولية عدم التوافق بين المعارضة تقع أيضاً على النواب التغييريين الذين يمارسون «استبداد الأقلية»، وفق تعبيره.

وبانتظار ما ستؤول إليه المستجدات السياسية وتوقع تكرر السيناريو نفسه في جلسات لاحقة، يرى يزبك أن المعطيات الداخلية والخارجية تشير إلى أن الشغور الرئاسي سيكون طويلاً ما لم يحصل أمر مفاجئ من الخارج باتجاه لبنان.

السابق
ينبت بعد «الشتوة الأولى».. حمزة لـ«جنوبية»: الفطر البري سام وقاتل!
التالي
إيران بين خطر التفكك الداخلي وعودة اليمين الإسرائيلي والغضب الأوروبي