ما كانت «الأنثى» ترفع سترها..

حقوق المرأة
يعدّ وجود المرأة عموماً، و سيّما الواعية لأهمية دورها في انطلاقة مجتمعها نحو التقدّم و النهوض به، مشكلة بالنسبة إلى المجتمع الذكوريّ ومعه نظامه السياسيّ، اللذين يحاولان حتى هذا اليوم، محاصرتها في كلّ مرة تسعى إلى التفلّت، من كلّ ما تُلِف من تقاليد و أحكام و ذهنيات تقوم بوَسمها، أي بوَسم المرأة، بالضعف و الخنوع والنقص.

و يتعمّد المجتمع الذكوري اختزال المرأة في عناصر أنثوية “جمالية”، و نذكر منها على سبيل المثال الشعر الطويل و الأظافر الطويلة و المساحيق التجميلية… و كل ما يمكن، بحسب منظوره، أن يجعل منها موضوع متعة.

وهو يتقصّد بذلك جعل الأنوثة رمز ضعف و خنوع، و تجريدها من بعدها الإنسانيّ بهدف “تشييئها” وتحويلها إلى “سطحية”. و من خلال أواليتيّ الاختزال و التشييئ اللتين تستهدفان المرأة، يجيز المجتمع لنفسه الحق في اتهامها بأنها موضوع “فتنة” أخلاقية، و يبرّر بالتالي انتهاكه لحقوقها.

إلا أن ما يحصل، هو أن المجتمع الذكوري يستيقظ من “كبوته”، في كلّ مرة يجد نفسه مصطدماً بانتفاضات “أنثوية”، تسعى إلى الحرية و تواجه أساليبه “العقيمة” في القمع و التعذيب، و حتى القتل. وفي هذه الحال، يدرك أن سيطرته على هذه الانتفاضات ما هي إلا وهم، و يقع فريسة “صدمة” ناجمة عن شعور كبيرٍ بالإحباط. ولا يجد في متناوله، إلا العدوانية ليطلقه تجاه الساعيات إلى الحرية، بهدف ترهيبهنّ ظناً منه أن ذلك سيردعهنّ.

لا تعدّ الأنوثة “مرادفا” للضعف و لا يحصل إلصاق الضعف والسلبية بها إلا في المجتمعات الذكورية التي نهلت من التقاليد البالية ما نهلته

لا تنحصر الأنوثة فقط في المظهر الناعم والجميل فحسب، بل تجسّد بحدّ ذاتها بنية كونية، باعتبارها تحوي عناصر تجمع بين الجمال و القوة و الحرية و الفكر. ويأتي اختزالها في خصلة شعر على سبيل المثال، ليعكس الخوف منها باعتباره يسهم في تحجيمها “رمزياً” .

ومن هنا، يمثّل “منعها” من قص هذه الخصلة الطويلة خوفاً منها، أي من المرأة. لأن الشعر القصير عند المرأة يرمز ، بشكل عام، إلى “استرجالها”، إن جاز التعبير، و إلى مساواتها مع الرجل . و إذا ما قاربنا بفكرة موجزة و سريعة مسألة الخوف من قص شعر المرأة من زاوية تحليلية، لوجدنا أنه يعبرّ ضمنياً عن خوف، مبطّن من “خصاء” رمزيّ ينال من قوة الرجولة.

إقرأ ايضاً: نصرالله «يَحصر» مواصفات الرئيس بعون ولحود..ورفض تغييري لخطاب التخوين!

لا تعدّ الأنوثة “مرادفا” للضعف. و لا يحصل إلصاق الضعف والسلبية بها، إلا في المجتمعات الذكورية التي نهلت من التقاليد البالية ما نهلته، و استقوت بها، و عزّزت حججها في تحجيم المرأة، و حجبها كعنصر محرّك و دينامي، يأخذ المجتمع نحو التحرر و الرقي و التقدم.

وممّا لاشكّ فيه، يعكس هذا الواقع شعوراً كدراَ بالدونية، يعيش تحت وطأته المجتمع الذكوري، الذي يحاول حماية نفسه منه، من خلال اسقاطه على المرأة التي يحتّم عليها، من منظوره ، أن تبقى قابعة في زاوية الخنوع.

وتأتي مسألة أساسية لتفرض نفسها، و تطرح علامة استفهام حول السبب الذي يجبر المرأة على نسيان “جنسها” لتكون “قوية”، و يحتّم عليها التخلي عن أنوثتها. لا تختص القوة بالرجل، ولا يمكن تحديدها من خلال الجندرية، فهي تكمن في شخصية مثقفة و واعية ، و ليس في جسد.

يتم توظيف المرأة في المجتمع الذكوري على أنها عنصر ناقص و خانع و ليس الخضوع سوى ما أُسقطه المجتمع الذكوري عليها

و بمعنى آخر، يتم توظيف المرأة في المجتمع الذكوري على أنها عنصر ناقص و خانع . و ليس الخضوع سوى ما أُسقطه المجتمع الذكوري عليها، و ارتضى لنفسه الضعف أو الهروب بدلاً من مواجهته و تحرره منه . كما يجري اتهام المحاربات في سبيل الحرية و الحياة الكريمة، بأنهن ينشرن “العيب” أينما تحرّكن و انتفضن، و يجسّدن مثالاً أخلاقياً سيئاً.

لا يمكن أن يتم توزيع الصفات الانسانية بحسب الجنس ، أي رجل و امرأة، بسبب كونيّتها، و باعتبار أن الجنسين “مخلوقين” بنفس الطريقة.

إن مسألة اختزال الأنوثة في الضعف، مسألة “أكل عليها الدهر وشرب” وما انتفاضة النساء و مشاركتهن في تحرير أوطانهن من التخلف و الفشل و التبعية … إلا الدليل الأكبر على قوتهن.

لا تختص القوة بالرجل ولا يمكن تحديدها من خلال الجندرية فهي تكمن في شخصية مثقفة و واعية و ليس في جسد

لسنا هنا في عرض موقف سلبي من الرجل، بقدر ما يترجمه هذا المقال من واقع هو في بالغ الحساسية. هو واقع أفرزته ثقافة بالية ذكورية، أسهمت في عرقلة نجاح المرأة دفاعاً عن نفسها و خوفاً من تقدّمها. و لأن قوة العنصر النسائي، بحسبها، يقابلها شعور المجتمع الذكوري بالضعف بدلاً من أن يكون قوة.

السابق
النفط السوري.. تعاون بين «أثرياء الحرب» وصراع أميركي ـ روسي!
التالي
لبنان يسلّم حفيد شقيق صدام حسين الى العراق..عون يوقع على المرسوم بعد «صفقة مالية»!