هل يتحول لبنان إلى «عنب» وإسرائيل إلى «الناطور»!

علي الامين
لبنان الغريق "فما خوفه من البلل". فلم يعد يجدي مع فقراء لبنان ومعدميه، كل هذا التهويل "المبرمج" بحشره في جهنم الإنهيار والإرتطام، وهو قابع في قعره لا حول له ولا قوة، فيما ترقص المنظومة الحاكمة "التاجرة" فوق "جثته"، وتمعن في إجراء صفقات داخلية تنضح بالفراغ المستشري، و إقليمية خارجية "على حسابه"، يرسم "الترسيم"، في مقدمها، علامات إستفهام مريبة.

الارتطام الكبير الذي يجري التحذير منه في لبنان، يتكرر على السنة العديد من المسؤولين والدبلوماسيين المعنيين في الشأن اللبناني.

الانهيار حقيقة قائمة ومستمرة وسط حال من اللامبالاة لدى اطراف المنظومة الحاكمة بالدرجة الأولى، وتربص من قبل اكثر من طرف خارجي، بهدف تحقيق مكاسب استراتيجية من دون كلفة عالية، مكاسب على مثال ملف الترسيم البحري مع اسرائيل. فواشنطن وتل أبيب وطهران انجزوا اتفاقاً فرضته حسابات هذه العواصم، وشاركت فيه باريس من خلال شركة “توتال”، اما لبنان فكان يتلقى النتائج ولا يصنعها، ومُنح حق اعلان “الانتصار التاريخي” باقرار الترسيم، ودائما على قاعدة “وقّعوا ثم خذوا ما شئتم من اعلان انتصارات”.

واشنطن وتل أبيب وطهران انجزوا اتفاقاً فرضته حسابات هذه العواصم وشاركت فيه باريس من خلال شركة “توتال” اما لبنان فكان يتلقى النتائج ولا يصنعها

وسط هذا الانهيار المستمر، ثمة المزيد من اعلان الانتصارات في الأشهر المقبلة من قبل اطراف المنظومة، اذ ليس لدى “جنرالات المنظومة” ما يقدمونه سوى اعلان الانتصارات المتتالية، كسبيل للبقاء والاستمرار عبر المقايضة مع الخارج، الالتزام أكثر بمتطلبات الخارج الأمنية والإستراتيجية، في مقابل مكسب البقاء على رأس السلطة.

ليس لدى “جنرالات المنظومة” ما يقدمونه سوى اعلان الانتصارات المتتالية، كسبيل للبقاء والاستمرار عبر المقايضة مع الخارج

تتحول عملية انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، الى مجال لاستعراض القدرة على تعطيلها، والتعطيل هنا أحد وسائل الانتصار، علما أن انتخاب رئيس في وضعية الدولة اليوم، لا يمكن ان يشكل بذاته عنصر تحوّل في مسار الدولة، ولن يحول دون الارتطام الكبير، فالمنظومة الحاكمة عاجزة أو تتهيب ايّ فعلٍ يغيّر من مسار الانهيار، او يلجم شهيتها في المحاصصة وتقاسم مغانم الدولة، لذا هي تتأبى انتخاب ايّ رئيس بعملية ديمقراطية، قد تحول دون معرفة هويته قبل فرز أصوات الناخبين من النواب، لأنه قد يعتدّ بالديمقراطية التي جاءت به رئيساً، فتعطيه من القوة والزخم ما لا يمكن صدّه، أو لجم دينامية هكذ عملية على الدولة والمجتمع؛ اياًّ كانت هوية الرئيس المنتخب السياسية. فالطبقة الحاكمة تريد رئيساً مقيّداً بشروطها، لايمكن له أن يغرّد خارج سربها.. وتسميه زوراً وبهتاناً “توافقيا”.

الطبقة الحاكمة تريد رئيساً مقيّداً بشروطها، لايمكن له أن يغرّد خارج سربها.. وتسميه زوراً وبهتاناً “توافقيا”

لبنان أمام المزيد من الشيء نفسه: منظومة تفرّط في سلطتها، وتوغل في المحاصصة والفساد، وتستجدي الخارج ليقايضها على ايّ شيء، الا أن تكون خارج السلطة.

إقرأ أيضاً: علي الأمين: «حزب الله» يقود «بروباغندا دجل» لحماية المنظومة و تغطية التنازلات

هذه المرة لا يتسابق وزراء الخارجية من بلاد العرب والغرب الى لبنان لإنقاذه، فلبنان لم يعد مكسباً ولا جائزة يتسابق عليها المتسابقون من الدول، فهو يبدو لبعض الدول الطامحة في وضعه الراهن انه صفقة خاسرة، اكلافها تتجاوز باضعاف ارباحها، ما خلا بعض الاستثمارات التجارية المحدودة والمدروسة، كما تفعل الدوحة عبر شركات قطرية لامتلاك مؤسسات سياحية كبرى في لبنان، كفندق “الفاندوم”، وربما انجاز صفقة فندق “فينيسيا”، وهي خطوات ذات بعد تجاري ومحدود حتى الآن، فيما دخلت قطر وقبلها فرنسا عبر “توتال” وشركة “ايني” الايطالية مجال استكشاف النفط والغاز، وهذا مجال يتطلب المزيد من الترقب والمتابعة لمعرفة الفرص التي يحملها.

هذه المرة لا يتسابق وزراء الخارجية من بلاد العرب والغرب الى لبنان لإنقاذه، فلبنان لم يعد مكسباً ولا جائزة يتسابق عليها المتسابقون من الدول

الانهيار الذي يعيشه لبنان، لا يعني أن المنظومة الحاكمة التي تتشبث بخيار الانهيار، في وضع جيد، هي ايضاً تنهار بمعنى انها تفقد قدرتها على المحافظة على قوتها، فلبنان الذي يريد “أكل العنب” كما يتراءى لأمين عام “حزب الله” في سياق تبريره، لم يعد قادراً ليس على قتل الناطور فحسب، بل عاجز حتى عن تهديده، وما يمكن ان توقعه في المقبل من الأيام، ان يمتد الفراغ الرئاسي رغم كل محاولات استدراج المنظومة للخارج للتدخل في الاستحقاق، بغاية توفير تغطية خارجية للمنظومة، التي تبحث عن رئيس يحملها لا رئيس تحمله، رئيس قادر ان يزور واشنطن وباريس والرياض بيسر، وفي الوقت نفسه لا يتبرأ من ايران أو من أذرعتها.

لبنان الذي يريد “أكل العنب” كما يتراءى لأمين عام “حزب الله” في سياق تبريره، لم يعد قادراً ليس على قتل الناطور فحسب بل عاجز حتى عن تهديده

المشكلة التي تواجه المنظومة الحاكمة في لبنان اليوم، أن “ثلاثي” واشنطن الرياض باريس، الذي يولي اهتماما في الشأن اللبناني، غير مبال بتحديد هوية رئيس الجمهورية القادم، وهو يدرك أن الأزمة في لبنان تتجاوز اسم الرئيس او شخصه، بل تتعلق بجملة شروط تتصل بوجود دولة حقيقية، وهذا شأن لن يحسمه اسم الرئيس، أكان قريبا من “حزب الله” او خصما له، او “توافقياً” حسب تسمية اقطاب المنظومة الحاكمة.

وعليه.. هل يتحوّل لبنان الى “عنب” وإسرائيل الى “الناطور”؟!

السابق
بالصورة: مشهد صادم ومؤلم صباحاً.. العثور على جثة معلقة على عمود توتر عالي!
التالي
بعدسة «جنوبية»: بعد جنون العاصفة.. اشعة الشمس تغزل خيوطها فوق بيروت!