لبنان في عين «الخشونة المصرفية» وخشية من «خميس قاسٍ»!

زحمة امام احد المصارف

مَن يتْرك البابَ موارَباً أمام الفوضى في لبنان؟ هل هي ديناميةُ الانهيار المتسارع التي نقلت الواقعَ في «بلاد الأرز» من تطبيعٍ «على البارد» مع «أمّ الأزمات» التي تضربه إلى اضطربات متنقّلة، أم أن مرحلة جديدة بدأتْ من «الاستثمارِ» (السياسي) في الركامِ المالي – الاقتصادي – المعيشي لمُراكَمَةِ «أوراق» في الطريق إلى انفراجٍ سياسي مؤجَّل؟

أسئلةٌ خيّمت على المشهدِ اللبناني الرابض فوق برميل بارود تبدأ فتائله بالاشتعال حيناً وتُطفأ أحياناً أخرى، مُفْسِحة المجال في كل مرة أمام سيلٍ من السيناريوات «المستَمدّة» من نظرية المؤامرة وأخواتها، وعاكِسةً من جهة أخرى اقترابَ البلاد من المنزلق الأخطر والأقرب إلى «وان واي تيكيت» إلى جهنّم الذي تُقتاد إليه على متن انهيارٍ مالي شامل ومأزق سياسي… كامل.

ولم يَخْرج «اليومُ الأسود» الذي شهدتْه المصارف (الجمعة) حيث تم اقتحام 8 فروع لبنوك من مودعين بقوةِ السلاح وغيره ونجح معها غالبيتهم في تحرير جزء من أموالهم بالدولار أو كاملها، عن دائرة التشكيك في خلفياتِ وخفايا «معركةٍ» قاربتْها أطرافٌ داخلية انطلاقاً من «توقيتها السياسي» فيما قرأتْها أخرى كواحدةٍ من أخطر تداعيات الاستنسابية الفاقعة والتلكؤ الفاضح عن كشْفِ «كل أوراق» الانهيار الذي يتدحرج منذ نحو 3 أعوام وخسائره وتحديد المسؤوليات عنها وكيفية توزيعها.

 الحكومة تترنّح بين تفاؤلٍ بإمكان استيلادها وحذرٍ على طريقة «ما تقول فول تيصير بالمكيول»

وبدت بيروت أمس وكأنها في استراحةِ «ما بين عاصفتين»: واحدة وُضعت معها المصارف أول من أمس (في بيروت وضاحيتها الجنوبية ومناطق جنوبية وفي جبل لبنان) في عيْن «إعصارِ غضبٍ» غير مسبوق في مَداه تحوّلت معه البنوك «أهدافاً سهلة» لمقتحمين اعتُبر كل منهم «روبن هود»، وإنه للاستيلاء على مدخراته المحتجزة خلف «قضبان» الإفلاس المقنّع. وثانية مرجّحة ابتداءً من الخميس حين تعود المصارف إلى عملها بعد الإقفال الذي أعلنتْه الاثنين والثلاثاء والأربعاء «استنكاراً لما حصل وبغية اتخاذ التدابير التنظيمية اللازمة حرصاً على موظفيها وزبائنها» وذلك على وقع تَوَعُّد جمعية المودعين بـ«عشرات عمليات الاقتحام الخميس» وبأن «الناس سيتوجّهون نحو العنف والسلاح لتحصيل حقوقهم».

وفي حين كانت «انتفاضة المودعين» تضغط على السلطة لبلورة خطةٍ واضحة لكيفية إعادة الأموال وفق برنامجٍ لتوزيعٍ عادلٍ للخسائر بحسب المسؤوليات وبجدول زمني محدَّد، فإن هذا المسار المتفجّر والذي يسابق بلوغ سعر الدولار في السوق الموازية عتبة 40 ألف ليرة وما فوق، قوبل من بعض السياسيين وفي القراءة الأمنية بوصْفه «منظَّماً» أو مُحَمَّلاً بأجنداتٍ ترتبط بالاستحقاقات الدستورية الداهمة وما تشهده من مكاسراتٍ على جبهتيْ تشكيل الحكومة الجديدة والانتخابات الرئاسية، وذلك رغم اعتبار خبراء وأطراف سياسية أخرى أن قفْز «أمن المصارف» الى الواجهة هو في أصْله نتاجٌ لتبطيء مسار معالجة «الأزمة الأمّ» وترْكها تعتمل شعبياً وبمثابة «وقود» قابِل للاستخدام في اتجاهات عدة أمنية وسياسية ومن أكثر من فريق.

إقرأ أيضاً: «بعدسة جنوبية».. تظاهرة فنية جامعة في الاونيسكو

وإذ لمح وزير الداخلية بسام مولوي إلى وجود «جهات تدفع الناس إلى تحرّكات ضد المصارف»، متعهداً بتشديد إجراءاتِ فرض الأمن ومتحدّثاً عن «جهات تريد استغلال وجع المودعين لإيجاد اضطرابات، ولن نقبل بأن تقف القوى الأمنية في وجه المواطنين»، فإنّ أوساطاً سياسية اعتبرت أن «العنف المصرفي» الذي يضع تحت الاختبار مدى واقعية «التعاطي الأمني – القضائي» معه لم يعُد ممكناً فصْله أياً كان منطلقه أو تشظياته عن المسرح السياسي العارم بالتأزم وباشتداد لعبة «مَن يصرخ أولاً» في الملف الحكومي المتشابك بقوةٍ مع الانتخابات الرئاسية التي لم لم يعُد يفصل لبنان عن انتهاء مهلة إجرائها إلا 44 يوماً.

 المعارضة اختبرتْ وحدتَها بتطيير نصاب جلسة الموازنة

في هذا الإطار، ارتسمت أسئلة حول تأثيرات المناخ العاصِف مصرفياً على المحاولات المتجددة لاستيلاد حكومةٍ مكتملة المواصفات يُراد أن تدير المرحلةَ الانتقاليةَ التي سيشكّلها الشغور الرئاسي الزاحف، وسط أجواء تتحدّث عن أن القرار اتُّخِذ بالإفراج عن الحكومة وأن تدوير الزاويا بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي حول شكلها وتوازناتها بات مسألة وقتٍ ولو تطلّب أياماً أو أسابيع قليلة، في مقابل تشكيك مستمرّ في القدرة على تفكيك صواعق هذا الملف وتالياً دخول نفق الشغور بحدّ أدنى من «بوليصة التأمين» تتيح تلافيا «آتٍ أعظم» اعتُبر هزّ الأرض تحت أقدام البنوك أوّل الغيث فيه.

ويسود تَرَقُّب في هذا الإطار لِما بعد عودة ميقاتي إلى بيروت التي غادرها إلى لندن لتمثيل لبنان في تشييع الملكة إليزابيث الثانية، لينتقل منها الى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أفيد (جريدة «النهار») بأنها ستشهد على هامشها اجتماعاً فرنسياً – سعودياً – أميركياً حول لبنان وضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية وتوجيه رسالة سلبية تجاه أي سناريو يُبقي عون في بعبدا بعد 31 أكتوبر.

وفي هذا الوقت عَكَسَ ما شهده البرلمان الجمعة لجهة تطيير نصاب جلسة إقرار مشروع موازنة 2022 من نواب المعارضة لائتلاف «حزب الله» – التيار الوطني الحر وترحيلها إلى 26 سبتمبر الجاري، الصعوبات التي تعترض إنجازَ دفتر الشروط الذي يضعه صندوقُ النقد الدولي لإبرام اتفاق نهائي مع لبنان على برنامج تمويل بـ 3 مليارات دولار على 4 سنوات والتي تتقاطع فيها الموجبات التقنية ورفْض «تهريب» موازنة «كيفما كان»، مع أبعاد سياسية نجحت معها المعارضةُ للمرة الأولى منذ الانتخابات النيابية الأخيرة في «تفعيل» قدرتها على التأثير في مجريات اللعبة البرلمانية ولو مستفيدةً من عدم حضور الـ 128 نائباً الجلسة التي أُفْقد نصابها في غفلةٍ من «المايسترو الماهر» الرئيس نبيه بري.

وفيما شكّل توَحُّد المعارضة «تمريناً» يجري رصْد إمكان ترجمته في استحقاق الانتخابات الرئاسية أٌقله لجهة الاتفاق على مرشح واحد، وسط اختتام النواب التغييريين جولتهم الاستطلاعية على الكتل البرلمانية أمس، بزيارة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، عارضين مبادرتهم لرئيس «صُنع في لبنان»، أطلّ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بمواقف من مختلف ملفات الساعة داخلياً كما من الملف الأهمّ المتصل بالترسيم البحري بين لبنان واسرائيل.

ورغم إعراب نصرالله عن أمله في أن يتمكن عون وميقاتي «من تشكيل الحكومة في وقت قريب، واليوم لدينا آمال كبيرة في هذا المجال، ويجب حُكْماً أن تتشكل حكومة إذ لا يجوز أن نصل إلى وقت لا سمح الله يكون هناك فراغ رئاسي وحكومة تصريف أعمال وندخل في نوع من أنواع الفوضى»، فإن أوساطاً متابعة اعتبرتْ أن هذا الموقف يبقى في إطار «التمني» حتى الساعة وليس بالضرورة أنه يعكس جواً بقرب استيلاد الحكومة أو بأن «حزب الله» قادر على التحكّم في شكل كامل بهذا الملف وضبْط الخلافات والحسابات التي تحكمه وبعضها هو بين حلفائه.

كما توقّفت الأوساط عند تشديد نصرالله على «أهمية إجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري»، وقوله «نسمع الكثير من التهديد والوعيد والتحدي، وهذا لا طائل منه، وهناك دعوات للاتفاق حول رئيس، ونحن نؤيّد الدعوات إلى الاتفاق وأن تكون هناك لقاءات للحوار بعيداً عن التحدي وعن الفيتوات التي تُطلق مسبقاً، وفي نهاية المطاف يجب العمل لأن يأتي رئيس بأكبر قاعدة ممكنة سياسية ونيابية وشعبية ليتمكن من القيام بدوره القانوني والدستوري».

ميقاتي يمثّل لبنان في تشييع إليزابيث الثانية ورصْد للقاءاته في نيويورك

وفي ملف الترسيم البحري الذي دَخَل مراحل حاسمة، حرص نصرالله على توجيه رسالة واضحة وفق معادلة «لا يمكن أن نسمح باستخراج النفط والغاز من حقل كاريش المتنازَع عليه حتى حصول الترسيم وفق شروط الدولة، قبل أن يحصل لبنان على مطالبه المحقة».

وقال: «المسؤولون الصهاينة قالوا إن الاستخراج من كاريش سيحصل في سبتمبر ولكنهم أجّلوا. والخط الأحمر بالنسبة إلينا هو بدء استخراج الغاز من كاريش، فإذا بدأ الاستخراج وقع المشكل، وقد أرسلنا رسالة قوية بعيداً من الاعلام، بأننا أمام مشكل إذا بدأ الاستخراج. هدفنا أن يتمكن لبنان من استخراج النفط والغاز وهذا الملف لا يتصل بأي ملف آخر، وكل تهديدات العدو لا تؤثر فينا ولا تهزّ شعرة من لحيتنا او رأسنا، والمفاوضات شأن الدولة اللبنانية، ونحن نواكبها، وعيننا على كاريش ومعلوماتنا عن كاريش وصواريخنا على كاريش».

السابق
نصرالله يستبعد حليفيه عن السباق الرئاسي..وانتهاء المرحلة الاولى من جولة التغييريين
التالي
أسعار البنزين «تحرق» رواتب اللبنانيين..والتنقل بالسيارة للميسورين!