في زمن غياب الوعي .. نفتقد العقل

ياسين شبلي

في ذكرى العلامة السيد محمد حسن الأمين، نشر الكاتب السياسي ياسين شبلي عبر “فيسبوك” مقالاً بعنوان “في زمن غياب الوعي .. نفتقد العقل”، جاء فيه:

من طبائع الأمور بأن المرء في أي موقف من المواقف الصعبة أو المؤلمة ، إنما يحن ويفتقد للمواقف المضادة والمعاكسة للواقع الصعب الذي يعيش وللشخصيات التي تحمل هذه المواقف ، وهو ما ترجمه أبو فراس الحمداني بقوله وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ، وكذلك ما يجد معناه بالقول الجميل لأحد الشعراء العباسيين حين قال والضد يظهر حسنه الضد .

كان مثلاً أعلى مع البعض من أقرانه في الإلتزام الوطني والديني والفكري والأخلاقي ، وهي صفات نفتقدها اليوم ونحن نعيش عصر الظلامية وغياب الوعي في كل هذه المجالات


راودتني هذه المعاني بمناسبة التكريم الذي أقامه المجلس الثقافي للبنان الجنوبي يوم الخميس الماضي لذكرى العلامة السيد محمد حسن الأمين – قدس سره – بعنوان ” السيد محمد حسن الأمين في الذاكرة ” ، الذي تخلله رفع الستارة عن صورة السيد الراحل في قاعة أعلام الجنوب . راودتني ونحن في لبنان نمر بأسوأ الظروف على كل المستويات ، وفي كل المجالات التي خاض غمارها الراحل الكبير في حياته الزاخرة بالعطاء ، فكان مثلاً أعلى مع البعض من أقرانه في الإلتزام الوطني والديني والفكري والأخلاقي ، وهي صفات نفتقدها اليوم ونحن نعيش عصر الظلامية وغياب الوعي في كل هذه المجالات ، سواء الوطنية منها أو السياسية والفكرية والإجتماعية ، حيث حلت التبعية العمياء للخارج تحت مسميات عدة محل الولاء الوطني ، وحل منطق الزواريب السياسية الضيقة القائم على المصالح الآنية محل الممارسة السياسية السليمة المنبثقة من فكر سياسي شفاف والقائم على خدمة الناس والمجتمع ، وأستوطن ” الفكر ” الغيبي المتعصب القائم على التجهيل وسلب الوعي الجماعي للأمة والمجتمع مكان الفكر الواضح والمنفتح القائم على تلاقح الأفكار لتوليد أجملها وأصلحها للجماعة دون إفراط أو تفريط ، كذلك حلت ثقافة العنف والشراسة في العلاقات الإجتماعية المتأتية عن إحساس بفائض قوة مستعارة محل ثقافة السلام والتسامح التي لا حياة للإنسانية من دونها .

إن كل ما نعيشه اليوم ، وما وصلنا إليه ، إنما هو معاكس لكل القيم النبيلة والإنسانية التي حملها فكر الراحل الكبير ، هذا الفكر الذي ترُجم ممارسة نقية لا مكان فيها لإزدواجية ما بين الفكر والممارسة


إن كل ما نعيشه اليوم ، وما وصلنا إليه ، إنما هو معاكس لكل القيم النبيلة والإنسانية التي حملها فكر الراحل الكبير ، هذا الفكر الذي ترُجم ممارسة نقية لا مكان فيها لإزدواجية ما بين الفكر والممارسة ، وهي ممارسة أزعجت الكثيرين في حياته من أصحاب السلطة لأنها كشفت زيفهم ، فكان أن ظُلم بتغييبه عن الساحة ظناً منهم أنهم بذلك ” يعاقبونه ” ، وما عاقبوا في الحقيقة إلا الناس والجماعة بحرمانهم من أن ينهلوا من معين لا ينضب من الفكر الإنساني الحر الذي يشع نوراً وإيمان ، يكسر عتمة وظلمة الجهل الذي أرادوه لهم ، ناسين أو متناسين أن الفكر لا يُغيَّب والعقل لا ينحني ، والحكمة لا تتراجع ، والدليل هذا التكريم اليوم الذي يثبت بأن السيد سيبقى دائماً في الذاكرة ، ذاكرة الأحرار في هذا الوطن لأي فكر إنتموا . رحم الله سيد الفكر والعقل والحكمة ، السيد محمد حسن الأمين ، الغائب – الحاضر دوما .

إقرأ أيضاً: بعد فتاوى «التحريم» الانتخابي.. شبلي يردّ على السيد فضل الله

السابق
أول جنازة دولة منذ نحو ستة عقود.. بريطانيا تخطّط لـ «أكبر عمليّة لضبط الأمن»
التالي
هذا ما حملته مقدمات نشرات الأخبار المسائية ليوم السبت 10 أيلول 2022