مكرم رباح «من عشيرة لقمان الفكرية» في باكورة كتاب «حرب الجبل» وخزان الذّاكرة!

مكرم رباح

التَّاريخُ الشَّفَوِيُّ ل ” حرب الجبل ” ، التي دارت رحاها في ما بين طَرَفَيها : الدروز والموارنة ، في جبل لبنان ، في العام 1982 ، هو التاريخ الذي يستعرضه الباحث والكاتب اللبناني مَكرَم رَباح ، في بحثه الموسوم ب” النِّزاع على جبل لبنان / ألذَّاكرة الجماعية وحرب الجبل ” ، وذلك من خلال اعتماده على ما اختَزَنَته الذَّاكرة الجماعية لهذا النزاع . 

وهذا البحث قامت بتعريبه الدكتورة رلى ذبيان . 

وكتاب ” النّزاع على جبل لبنان / الذاكرة الجماعيّة وحرب الجبل” الصادر في طبعته الأولى في ال2022 ، هو من إصدارات ” جمعيّة أُمم للتوثيق والأبحاث ” في بيروت ، و ” مؤسَّسة لقمان سليم ” في بيروت .  ( ومؤسَّسة لقمان سليم هي المؤسَّسة التي أُنشِئت بعد اغتياله ، وهي تهدف إلى إنهاء ثقافة الإفلات من العقاب تجاه الاغتيالات السياسية  ) . 

كاتِبٌ من عَشِيرة لقمان الفكريّة 

ولقد بَوَّبَ رَباح كتابه هذا ، بِنَصٍ وجدانيٍّ يتحدَّث فيه عن صداقته ب لقمان سليم ، ويقول في هذا النَّص : إنّ كتابي هذا حرَّره لقمان … وهذا الكتاب هو نتاج سنواتٍ من الأبحاث والمقابلات الشَّفَهيّة ، التي أجريتُها مع العديد من الشخصيات التي اطّلعت على أحداث الصراع في ما عُرِف بحرب الجبل سنة 1983 ، وهو باكورة تَعاوُنٍ بدأ بيني وبين ” جمعيّة أمم للتوثيق والأبحاث ” ، وتطوَّر إلى صداقة عميقة سنحت لي أن أُصبح فرداً من عشيرة لقمان الفكريَّة ، ومكَّنتني من أن أستعين بشكلٍ لامتناهٍ من موسوعيَّته ، ومن أن ، أسخِّرها  في سلسلة من النّشاطات الفكريّة المتعلِّقة بتاريخ لبنان والمشاريع السياسية الإصلاحيّة … ” . 

ويضيف رَباح في نصِّه هذا : ” لم يكن لقمان سليم مجرَّد مثقَّفٍ وكاتبٍ ومترجِمٍ وناشِرٍ وناشِطٍ من الطِّراز الأوّل وحسب ، بل كان – ولم يزل في وجداننا – صورة عن لبنان والمشرق الذي نصبو له ، وطن لا يخاف من العقل والتعدّدية والحريّة ، ولا يقدّس الأصنام والمجرمين بحقّ البشريّة الأبرياء في لبنان . عُرِّبَ كتابي بلغةٍ سليمة مسبوكةٍ سَبكاً كما كان لقمان يُحِبّ ، لغة تميَّز بها هو … 

”  كتاب النّزاع على جبل لبنان …” هو نتاج سنواتٍ من   الأبحاث والمقابلات الشّفهيّة حول حرب الجبل بين الموارنة والدروز 

وينهي رَباح نَصَّه هذا بالقول : ” ألعدالة للقمان ستأتي عاجلاً أو آجلاً ، وسيبقى لقمان الصوت الصارخ في الدفاع عن هيكل الحُرِّيّة والعقل في غابةٍ يحكمها الطغاة والفاجرون . . . ” . 

إهداء الكتاب 

ويهدي المؤلِّف كتابه هذا ” إلى روح معلّمي ( ألمؤرِّخ ) كمال سليمان الصليبي ، وحامل اسمه صديقي كمال عبد الرحيم أبو حسين ، وصديقي الشُّجاع لقمان محسن سليم ، ومعلّمي عبد الرحيم أبو حسين ” . 

كشكول من 515 صفحة 

وجاءت محتويات الكتاب ، على الشكل التالي : ألنصّ الوجدانيّ الذي اقتبسنا مقتطفاتٍ منه ؛ تليه كلمة تعريفيّة بمضمون الكتاب ؛ ثمّ كلمة شكر وتقدير ، ثم مقدِّمة الكتاب ، ثم فصول الكتاب تليها خاتِمتُه ومُلحَقُه . 

هذا الكتاب حرّره لقمان سليم ولقد عُرِّبَ هذا الكتاب بلغةٍ سليمة مسبوكةٍ سبكاً كما كان لقمان يحبّ 

وشَكلُ هذا الكتاب يتميّز بأنه جاء بحجم كَشكُول ، مجموع صفحاته بلغ 515 ، من القطع الأكبر من القطع الكبير العادي . 

توضيحات حول مضمون الكتاب 

وتتألّف الكلمة التعريفيّة بالكتاب من النّصّ التّوضيحي الآتي ، الذي يحمل عنوان : ” هذا البحث … ” ، والذي يتضمن التوضيحات الآتية : 

” الدروز والموارنة مُكَوِّنان مُؤسِّسان للبنان الحديث ، إلاّ أنهما دخلا أربع مرّات في صِداماتٍ دمويّة مريرة ضد بعضهما بعضاً خلال القرنين الماضيين ، ولذلك التصقت صفة العداوة بسمعة علاقتهما .” 

وفي هذاالمدى  ، تُشكِّل هذه الدراسة محاوَلة لِسَبر الأثر الذي لعبته الذّاكرة الجماعيّة في تحديد مسار النزاع وطبيعته بين هذين المُكَوِّنين  في جبل لبنان ، إبّان ما اصطُلِح على تسميته بحرب الجبل في العام 1982 . 

” ولعلّها المرة الأولى التي تسعى فيها دراسة من هذا النوع إلى الاضطلاع بإعادة نَظم الأحداث التي شهدتها حرب العام 1982 ، في بِنيَتَين تقودهما الذاكرة الجماعية ، ويُؤمل من الاعتماد على هذا النهج تحقيق فَهمٍ أفضل للنزاع وللعواقب التي نتجت منه ، ليس على المُكَوِّنين الضالِعَين فيه وحسب ، بل على ما يتجاوزهما ، وبخاصةٍ عمليّة التسوية اللبنانية بعد الحرب ، نظراً لأهمّيتها القصوى . وبالتالي فقد يكشِفُ هذا الفَهم عن إمكانية الاستعانة به وتطبيقه في مقاربة نزاعات مُكَوِّنات أخرى تستعر المنطقة بها . 

الدروز والموارنة مُكَوِّنان مؤسِّسَان للبنان الحديث وقد دخلا أربع مرَّات في صِداماتٍ دمويّة مريرة في ما بينهما خلال القرنين الماضيين 

” بالإضافة إلى ذلك ، تنتفع  هذه الدراسة ، في بعضٍ من أقسامها ، بالتاريخ الشَّفويّ لِتَسبُر الكيفيّة التي اعتمدتها الذاكرة الجماعيّة في تشكيل النزاع بين المكوِّنين ، وذلك عبر إجراء مقابلات مع عدد من الرّواة ( سواء أكانوا مقيمين في لبنان أم في خارجه ) المنضوين في كل من المُكَوِّنَين الدرزي والماروني ، الذين ضلعوا في النزاع أو شهدوا عليه . ويكششف هؤلاء الرواة بوضوح كيف أنّ هذا المُكَوِّن أو ذاك يستدعي إلى الذاكرة صدامات ماضية . 

” من هنا ، يُعالِج قِسمٌ من الدراسة مسألة استعمالات التاريخ الشَّفَويّ في البحث التاريخي ، متوقّفاً عند التحديات والحسنات التي تحملها هذه الأداة إلى التاريخ اللبناني ، بل إلى ما هو أبعد منه . 

” تفحص هذه الدراسة تاريخ كل من المُكَوِّنَين لتتبيّن كيفيّة تطوره وتفاعله مع الآخَر في جبل لبنان بدءاً من القرن الثامن عشر ، بهدف استكشاف أنموذج يتكرّر دوريّاً في تاريخ كل منهما . ومن شأن الفهم الصائب لكيفية إدراك كل من المُكَوِّنَين لنفسه وللآخَر أن يلقي ضوءاً أوفر على الجذور الإجتماعية والسياسيّة  الكامنة في خلفيّة نزاع العام 1982 ؛ وبالتالي ، سيكون من المناسب ، لِما للأمر من صلةٍ وثيقة بالموضوع ، استكشاف النزاعات السابقة بين هذين المُكوّنَين ، والتوقّف قبل كل شيء عند ثلاثة منها : أولها ذلك الذي امتدّ بين عامَي 1840 و 1845 ؛ وثانيهما ذلك الذي شهده العام 1860 ؛ وثالثهما ذلك الذي عرفه العام 1958 ؛ وهي كلّها نِزاعات لا تزال الذاكرة الجماعية والنتاجات الخَطابية والأدبية الخاصّة بكل من الُمكوِّنَين الخَصمَين تُرجِّع صداها الواضح حتى الآن  ” . 

ويختم الكاتب كلمته التعريفية هذه بالقول إنه : 

” لم يُسبَق أن حتى الآن ، في حدود اطلاعي في الدوائر البحثية أقلّه ، السعي لكتابةِ سرديّةٍ عن حرب الجبل وعن الأحداث التي أدت إليها . ومن شأن سرد رواية ، أو ربما روايات العديد من الرجال والنساء الذين شاركوا في هذه الأحداث أو اكتفُوا بمعاناة نتائجها الفادحة ، أن يُشكِّل مساهمة قيِّمة في حقل  عِلم التاريخ اللبناني ، وبخاصةٍ لانطواء هذا النوع من السرديّات على ما يساعد في عرض الدوافع الجوهريّة التي كانت السبب فعليّاً في هذا النزاع كما يساعد على الحَؤول دون نشوب نزاعات مشابهة له في المستقبل .”

ما اضطلعت به هذه الدراسة هو إعادة نَظمِ الأحداث التي شهدتها حرب العام 1982 في بِنيتَين تقودهما الذّاكرة الجماعيّة 

فصول الكتاب والخاتمة والملحق 

وفصول الكتاب هي ثمانية : تندرج محاورها الداخلية ( الفرعية وهي كثيرة ) ضمن محاورها الرئيسية التالية : 

الفصل الأول : يدور ”  حول الصراع الدرزي – الماروني من خلال عدستَيّ الذاكرة الجماعية والتاريخ الشَّفّويّ ” ؛ والفصل الثاني : يلتفت إلى ” كيف ينظر كلّ من الدروز والموارنة إلى الآخَر ” ؛ والفصل الثالث : يتمحور حول ” مراكز السلطة وأركان الهوية الجماعية ” ؛ والفصل الرابع : يطلّ على ” الطريق إلى النزاع ” ؛ والفصل الخامس : يتوقف عند ” نقطة اللاّعودة ” ؛ والفصل السادس : يتناول ” حرب الآخَرِين والضغينة بين الدروز والموارنة ” ؛ والفصل السابع : يتناول ” لقاء التاريخ بأرض المعركة ” ؛ والفصل الثامن والأخير : يحكي عن ” ختام الاقتتال وترميم الذاكرة والحفاظ عليها ” . والخاتمة : مدارها ” لبنان ما بعد الحرب : ألسعي إلى المصالحة ” . والمُلحق : فيه ” مَسرَدٌ بالمقابلات ” التي أجرِيَت حول موضوع الكتاب . وفيه ، أيضاً ، ” ثَبتُ مَراجع الكتاب ” . 

السابق
لتفادي العتمة الشاملة.. هذا ما اعلنه فياض!
التالي
غارات اسرائيلية جديدة على سوريا.. واصوات الانفجارات تُسمع في مصياف