هل يريد اللبنانيون عودة الحرب!

الحرب الاهلية

“يا محلا إيام الحرب”! جملة يسمعها اللبنانيون، وبخاصة الجيل الشاب من أهاليهم. فخلال حرب السنتين أو في الحروب الداخلية كافة، وحتى العام 1990 (قبل حرب تموز 2006)، عاش اللبنانيون كوابيس من القصف والرصاص والقنابل والصواريخ… ولم تصل هذه الكوابيس في أشدها الى ما وصلت عليه حياتهم اليوم.

وقفتُ طفلاً مرات عديدة خلال الحرب في طوابير “صغيرة”، للحصول على الخبز تحت القصف والصواريخ. ولكن الخبز كان متوفراً! فخلال سنوات الحرب، لم ينقطع الطحين، لم يفقد اللبنانيون الخبز، لم يُبع الخبز مرة واحدة في السوق السوداء. لم يكن هناك شح لا في المياه ولا في الدواء، ولم يكن هناك طوابير للبنزين! 

كان هناك موت ومجازر وصعوبات ومخاطر كثيرة وسيارات مفخخة.. كي لا يظنن البعض من الجيل الجديد أن الحرب كانت “رومانسية”، ولكن خلال الحرب كان النظام المصرفي سليماً، والودائع متوفرة.

أثبت اللبنانييون أنهم غير قادرين على الخروج من جهنم وحدهم ولم يوحدهم حتى تفجير بيروت في 4 آب وهم يحتاجون ليد الله لتنقذهم بتدخل الأشقاء والأصدقاء

كان هناك إدمون نعيم، لفترة، في حاكمية مصرف لبنان وليس رياض سلامة، ولم تكن سرقة أموال المودعين قد بدأت بعد، ولم تكن قد بدأت أوامر الصرف والاستدانة بالدولار بعد، ولم تكن الهندسات المالية التي تشاركت فيها المصارف مع مصرف لبنان في سرقة ودائع اللبنانيين (وغير اللبنانيين) قد دخلت في القاموس الحياتي اللبناني بعد، ولم تكن سرقة ودائع الناس من قبل شراكة مصرف لبنان مع المصارف قد بدأت أيضاً، من خلال فوائد وصلت الى 40% سنوياً من خلال “نظام بونزي”، حصل منها بعض المواطنين على بعض “الفُتات الساقط عن موائد المصارف”، جشع المصارف هو السبب الرئيسي في تدميرها لنفسها.

في الحرب، كانت القدرة الشرائية تتراجع أحياناً والعمل يتراجع، ولكن الامكانيات كانت دائماً متوفرة لإعادة إعمار شقة دمرتها قذيفة، في وقت قصير.

إقرأ أيضاً: «الثنائي الشيعي» يتنصل من «توريطة» ميقاتي بالدولار الجمركي..وضبابية تُحيط بالتأليف!

ما لم يتغير في التاريخ اللبناني الحديث، هو وجود دائم لسلاح غير شرعي على الأراضي اللبنانية، المشكلة الأولى عندما حاول البعض حمل السلاح في الداخل، كما في العام 1958، أو الموافقة “الكارثية” في اتفاق القاهرة في العام 1969على تحركات للسلاح الفلسطيني على الأراضي اللبنانية، ومن ثم تعرض الجيش للانقسامات، وعمل الميليشيات المذهبية على تعبئة الفراغ وممارسة الأمن الذاتي، حتى تحولت الى جيوش ودول داخل الدولة، ومن ثم احتلال العدو الاسرائيلي لجزء من لبنان، واحتلال “الشقيق” لجزء آخر للبنان تحت مسميات “الوصاية السورية” وغيرها..

ولاحقاً بقاء سلاح حزب الله وحيداً في الداخل اللبناني، بإشراف ووصاية إيران والولي الفقيه (الى جانب السلاح الفلسطيني في المخيمات وسلاح للميليشيات الحليفة للحزب). وهذا السلاح يسيطر حالياً على الدولة ويشارك في الحروب الإقليمية الأخرى. 

وأيضاً، دخل الى لبنان الارهابيون بأسلحتهم مع نية السيطرة على أجزاء من الدولة، مثل داعش وأخواتها. ونجح الجيش اللبناني بتحرير لبنان من الارهابيين، مع مشاركة للحزب في بعض المعارك. وأمر ممتاز أن يكون لبنان قد تغلب على الارهاب، حتى ولو خرج الارهابيون في النهاية بباصات مكيّفة.

اليوم، وصل اللبنانيون، من دون حرب مسلحة، الى مستوى من الذل في الحياة لم يعرفوه مطلقاً، حتى في “عز الحرب”. إن سلاح حزب الله الذي يشارك ويحمي طبقة سياسية فاسدة، ويعادي الأشقاء والأصدقاء، يمنع قيام الدولة، ومن دون تغيير هذه المعادلة “دولة ما في”، لم ينجح السلاح تحت مظلة الحزب ووهجه في منع الفساد الى بلوغ ما بلغه لبنان.

ولم ينجح في منع اللبنانيين من الوصول الى جهنم. فمسيّرات الحزب تصل الى كاريش وتهدد بحروب إقليمية، ولكنها لا تصل لا الى الأفران، ولا الى شركات المياه ولا الى الصيدليات ولا الى محطات الوقود. وقريباً لن تكون قادرة للوصول الى المدارس والجامعات والمستشفيات… كل ذلك، مع تحمل اللبنانيين أعباء شعب كامل من النازحين! 

لا يتأملن أحد أن النفط والغاز يمكنهما المساهمة في نهوض لبنان، إذا ما بقي حزب الله رافضاً الدخول في “بناء الدولة”. فهذه الثروة يمكن تبديدها في حرب إقليمية واحدة! المهم في أي “إعادة إعمار” هو عدم “إعادة الدمار”.

البعض يتمنى إنتداباً، كما يكرر الوزير السابق وئام وهاب، والبعض يعتبر أن المطالبة بالاستقلال عن فرنسا كان غلطة! فلو تحول لبنان أرضاً فرنسية لكان اللبنانييون اليوم أبطال العالم في كرة القدم، كما يمازح البعض.

كان الموت خلال الحرب أقل عدوانية من الموت اليوم، وكان زواج الشباب ممكناً، وكان الحلم مسموحاً. اليوم، لا هم للشباب سوى إيجاد فرصة للرحيل. لا يتمنى اللبنانيون عودة الحرب، لكنهم “يترحمون” على إيامها.

فقد أثبت اللبنانييون أنهم غير قادرين على الخروج من جهنم وحدهم. ولم يوحدهم، حتى تفجير بيروت في 4 آب، وهم يحتاجون ليد الله لتنقذهم، بتدخل الأشقاء والأصدقاء.

خلال سنوات الحرب لم يُبع الخبز مرة واحدة في السوق السوداء ولم يكن هناك شح لا في المياه ولا في الدواء ولم يكن هناك طوابير للبنزين! 

كثير من المتشائمين الذين فقدوا عقولهم وآمالهم لا يرون الحل سوى في “سدوم وعامورة”، أو في زلزال أو في نيزك، في حين يذهب المتفائلون الى حلول تطال الأجيال المقبلة، في بحث اللبنانيين عما تبقى من القوة في داخلهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بتغيير المعادلات السياسية في الداخل لإلزام حزب الله في الدخول في عملية “بناء الدولة” مع تقديم سلاحه للجيش اللبناني،وبتغيير سياسات المجتمع الدولي في الخارج لمساندة الشعب اللبناني، ولكن هل الكل يريد فعلاً خلاص لبنان؟!

السابق
طهران تتمسك بـ«احترام الخطوط الحمراء» للتقدم في المفاوضات..وتروج لـ6 مكتسبات من اميركا!
التالي
جنون الدولار يُفجّر الأسعار..والتجار و«المولات» يعملون بوحي «كلمة السر»!