«بيروتشيما».. جريمة «جارية» بفعل «عصابة» التعطيل!

صورة جوية لانفجار المرفأ

سنة ثانية على تفجير مرفأ بيروت الذي ضرب لبنان بأسره، والذي وصفته إحدى الصحف يومها وبحق ب “بيروتشيما”، تيمناً بقصف هيروشيما اليابانية أثناء الحرب العالمية الثانية، سنة ثانية على الجريمة التي يريدون لها أن تصبح مجرد ذكرى يُحتفَل بها كل عام كغيرها من الجرائم التي أرتكبت في هذا الوطن وبحقه، سنة ثانية من دون أي تقدم يذكر في سير التحقيقات القضائية بسبب التعطيل الذي تتعمده قوى السلطة الحاكمة بجميع أطيافها، والتي لطالما كانت “هوايتها” هي التعطيل السياسي، في حال لم تكن الأوضاع لصالحها ضاربة عرض الحائط بكل الأعراف والقوانين المرعية الإجراء، كذلك تفعل اليوم بتعطيل القضاء وضرب التحقيق عبر خطين متلازمين، قضائي بطلبات الرد المتكررة ضد القاضي طارق البيطار وغيره من القضاة الممسكين بالملف، وسياسي – أمني عبر المطالبة بـ ” قبع ” المحقق العدلي في الجريمة القاضي طارق البيطار.

سنة ثانية من دون أي تقدم يذكر في سير التحقيقات القضائية بسبب التعطيل الذي تتعمده قوى السلطة الحاكمة بجميع أطيافها

وذلك تحت ذريعة الحصانات التي تقتضي محاسبتهم في المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء ، هذا المجلس “الهجين” الذي يَجمَع في صفوفه كل أطراف وأطياف السلطة الحاكمة، بنوابها وقضاتها المعيَّن منهم والمُنتخَب على مبدأ المحاصصة التي يطلقون عليها ” زوراً وتضليلاً ” صفة المشاركة والتوافق الوطني، بشكل يجعله كالعربة التي يجرها حصانان كل بإتجاه، أو بكلمة أخرى يجعل منه “الخصم والحكم” في نفس الوقت وهو ما يؤدي في النهاية إلى العدم.

يطيل التعطيل من عمر معاناة هؤلاء الناس سواء أولئك الذين فقدوا عزيزاً أم أولئك الذين ينتظرون التحقيقات لمعرفة مصير من هم في السجون


هذا التعطيل يجعل من هذه الجريمة الكبرى جريمة “جارية” ومستمرة بحق البلد والناس كل الناس وفي مقدمتهم أهالي الضحايا، سيما وأنها قد جرَّت وراءها أحداثاً وتطورات كادت أن تهدد السلم الأهلي الهش أصلاً، بعد أحداث الطيونة في 14 تشرين أول الماضي التي أدت إلى سقوط ضحايا جدد للإستغلال السياسي، كما يطيل التعطيل من عمر معاناة هؤلاء الناس سواء أولئك الذين فقدوا عزيزاً، أم أولئك الذين ينتظرون التحقيقات لمعرفة مصير من هم في السجون على ذمة القضية، وهم في الغالب من الموظفين التنفيذيين الذين لا قرار لهم ، ولا ناقة لهم في الجريمة ولا جمل.


هذا عدا عن التأخير الحاصل في مجرد التفكير في إعادة بناء وتأهيل المرفأ، كمرفق عام من أهم المرافق التي تدر الأموال على خزينة الدولة، في الوقت الذي يطوِّر فيه العدو الصهيوني مرافئَه لتحل محل مرفأ بيروت لا بل ينشأ مرفأ جديدا في حيفا، بشكل يذكرنا بقضية التنقيب عن الغاز وإستخراجه الذي بات العدو جاهزاً لتصديره بينما لا نزال نحن مختلفون على “جنس” الخط الذي علينا إعتماده، حتى وصلنا مرحلة القبول بأقل من حقوقنا المشروعة.

عدا عن التأخير الحاصل في مجرد التفكير في إعادة بناء وتأهيل المرفأ كمرفق عام من أهم المرافق التي تدر الأموال على خزينة الدولة


إن المرء ليتساءل هل من المعقول أنه بعد سنتين على “جريمة العصر” لا نملك أي فكرة عن صاحب الشحنة القاتلة من نيترات الأمونيوم، أو عن المسؤولين عن إدخالها وتفريغها في مرفأ بيروت ، ومن ثم عن الأشخاص أو الجهات التي غطت على وجودها، ولا عن مصير الكميات التي سحبت منها ولا وجهة إستعمالها؟ هل من المنطقي أن تنحصر التحقيقات بالموظفين الصغار الذين لا حول لهم ولا قرار ، بينما يتحصن الكبار بحصاناتهم الأمر الذي يجعل التحقيق يبدو كمن يضع العربة أمام الحصان، من ناحية القفز على الأسباب التي حتمت إستيراد هذه المواد وأصحابها ووجهة إستعمالها، والتحول إلى تحقيق إداري وتقني يعنى فقط بطريقة التفجير وملاحقة توقيع موظف من هنا وآخر من هناك على أهمية هذا الأمر بلا شك، لكن الأهم هو معرفة من صاحب شحنة الموت هذه ، ولماذا كان هذا الإهمال والتعتيم والتعمية عليها بالرغم من معرفة غالبية المسؤولين في الدولة من رؤساء ووزراء ومديرين عامين وعسكريين وقضاة، وهذا ما تحاول السلطة بتعطيلها التحقيق التغطية عليه عبر إدعاء التسييس له تارة، وتطييفه ومذهبته تارة أخرى ومن كل الجهات والطوائف للحقيقة ولو نسبياً، بطريقة تذكر بالقول المعروف كاد المريب أن يقول خذوني ، وبذلك تكون جريمة المرفأ جريمة “جارية” ومستمرة، ويكون المرفأ في وضع من يتم تفجيره كل يوم، والضحايا يقتلون كل يوم وأهل الضحايا يتألمون كذلك كل يوم، وهو ما يستدعي منهم ومن كل لبناني حريص على مصلحة بلده ومستقبله أن يجعلوا من القضية “قضية جارية” بالمقابل ويرفضوا تحويلها إلى مجرد ذكرى سنوية قبل أن تشرق شمس الحقيقة على صعوبة هذه المهمة في ظل حكم هذه “العصابة” المتكافلة والمتضامنة فيما بينها فقط في كل ما يلحق الأذى بالناس والوطن، والتي تمعن في وضعهم بين مطرقة الموت جوعاً ، وسندان الموت فتنة طائفية ومذهبية، في كل مرة تشعر بإمكانية إلتقاء الناس حول هدف واحد يشكل خطرا على مصالحها المتشابكة التي هي في النهاية مصلحة واحدة تؤمنها ممارسات واحدة برغم إختلاف أهدافها السياسية .

السابق
رصاصة على شباك سيارته بعد تعرضه للضرب على يد «حزب الله».. الزميل شعبان لـ«جنوبية»: لن تثنيني عن نقل معاناة الناس
التالي
بعد عامين على انفجار المرفأ.. ماكرون يطالب بإنصاف الضحايا: لن ندع لبنان ينهار!