في ممرات المستشفى

غسان صليبي

أسير يوميا
في هذه الفترة
في ممرات المستشفى
المحاذية لغرف المرضى.

كل الوجوه
تغطيها الكمامات،
فيما كانت الكمامات في السابق
تغطي فقط وجوه الأطباء والممرضين.

جميل أن يتراءى لك
في لحظة ما
أن كل انسان
هو في آن واحد
مريض وزائر
ممرض وطبيب.

لا طبقية في الممرات،
فأنت لا تستطيع التمييز
بين أهالي مرضى الدرجة الأولى
وأهالي مرضى الدرجة الثانية،
ويبدو أن المرض
يساوي بين سلوكيات البشر.

نظرات الوجوه تتشابه،
القلق هو الغالب
لكنه لا يبخل عليك بإبتسامة
ولو خفرة،
وتعاطفٌ في العيون
تشعر به
كلما التقيت بأحدهم.

الانتظار سيد الموقف
في المستشفى كما في كل لبنان،
لكنه انتظار أقسى،
أكثر رهبة
وإلحاحا.

تكتشف فعلا
ان الحركة هي البركة،
فالمرضى يتمشون
في الممرات
كعلامة تعافي
وكفعل مقاومة.

يمشي المريض
وإلى جانبه أحد أفراد عائلته،
وتشهد الأجيال تترافق،
وغالبا الشبان يرافقون المرضى الأكبر سنا
بعد أن رافق الأخيرون الشبان
حتى كبروا.

تصادف أحيانا أطباء ومساعديهم
يتنقلون بين غرف المرضى،
لكن الممرات هي الطريق الخاص
للممرضين والممرضات،
الذين لا يتوقفون
عن السير في الممرات
كما يسير الدم في الشرايين،
ويستطلعون أحوال المرضى
ويزودونهم بالرعاية والامل بالشفاء.

على باب الممرات
حارس
يحرص على تأمين
شروط السلامة للجميع،
من خلال الكشف على الPCR
أو منع دخول أكثر من شخص
إلى غرفة المريض.

تخرج من الممرات
لفنجان قهوة
في الشارع القريب
حيث الحياة تبدو طبيعية،
وحيث لا يظهر
على المواطن المريض
انه مريض
ولا يستطيع بسبب التكاليف،
الدخول إلى المستشفى
التي تبعد خطوات.

تفكّر بالمرض
وبالحياة وركاكتها
بعشوائيتها وقساوتها،
وتتأمل خيرا رغم ذلك،
وتطمئن عندما ترى
صيدلية قريبة
قد تزودك بالدواء
إذا انقطع في المستشفى،
لكنك تعود وتضطرب
عندما تلاحظ أنه إلى جانب الصيدلية
محل لبيع التوابيت،
فتلعن منطق البيع والشراء
والرأسمالية،
التي لا تراعي
المشاعر الإنسانية.

ترجع إلى الممرات
ولا تنسى أن تجلب معك
فنجان قهوة للحارس
الذي لا يُسمح له بمغادرة مكانه.

البشر يتغيرون
في ممرات المستشفى،
وكأنها ممرات
لإنسانية ارقى.

السابق
أفضل العادات الصحية لتطويل وتقوية الأظافر!
التالي
ترقب لبناني لزيارة بايدن الشرق اوسطية..وصراع ميقاتي-باسيل لتعبئة الوقت الضائع!