الحلف الإقليمي «مصلحة» إيرانية

الأسبوع الحالي مفصلي في الوضع الإقليمي. ستتحدّد فيه وجهة العلاقات العربية – الأميركية. هناك محاولة لاستعادة “ثقة” لم تكن ولم تعد موجودة بين الجانبين، لكن هناك أيضاً أمراً واقعاً في المنطقة (تهديد إيراني، “تطبيع” إسرائيلي، وانفلاش تركي) ولا بدّ من التعامل معه. وفيما يبدي السلوك التركي استعداداً لأن يكون مساعداً في الاستقرار الاقليمي، يبقى السلوكان الإيراني والإسرائيلي بعيدين عن ذلك، بل مناقضين له، فضلاً عن أنهما يتخادمان في إطار صراعهما على المنطقة العربية. وسواء أُعلنت أو لم تعلن، بنتيجة محادثات الرئيس الأميركي في جدّة، ولادة “حلف دفاعي إقليمي” فإن هذا الحلف بات تحصيل حاصل وضرورة “عربية” قبل أن يكون حاجة اميركية أو اسرائيلية، ومن الأَفضل أن تتبلور المصلحة العربية فيه أولاً قبل المصالح الأخرى.

اقرأ أيضاً: بايدن يكتب: لماذا أذهب إلى السعودية؟

أطهر الجدل على مشروع “الناتو العربي” أنه مجرّد عنوان لفكرة غير ناضجة وحتى غير قابلة للتطبيق، خصوصاً إذا كانت إسرائيل جزءاً منه. فمَن يؤيّدونه مِن العرب يريدونه لمواجهة التهديدات الإيرانية التي لم تؤكّدها طهران يومياً ولا تحاول نفيها أو تغطيتها أو إبطالها، أما مَن يعارضونه من العرب فإمّا أنهم ليسوا جاهزين بعد لقبول إسرائيل فيه (ما لم تُنجز “تسوية” مع الفلسطينيين)، أو لأنهم يتعايشون مع التنمّر الإيراني ويخشون أن يضاعف تغوّله واختراقاته، أو لأن لهم مصالح مع إيران، أو أخيراً لأنهم يعتقدون بل يتوهّمون أن في الإمكان تفكيك شبكة الميليشيات ذات الصواريخ والأسلحة الثقيلة بمجرّد “التفاهم” مع إيران.

أي حلف إقليمي كهذا، وفي هذه الظروف الدولية، سيكون اميركياً بطبيعة الحال، وستعتبره روسيا والصين مناوئاً لمخططاتهما ما يدفعهما الى زيادة احتضانهما لإيران التي أصبحت تشكّل معهما “ترويكا” متضامنة ومتكافلة على طريق تغيير النظام الدولي. يطمح العرب لمعادلة صعبة إن لم تكن مستحيلة: الحصول على التزامات دفاعية أميركية صلبة، وانفتاحات واسعة على الصين وروسيا. وفي الحالين يُراد ايجاد توازن مصالح متبادلة، وإذ بدا في حقبةٍ ما أن واشنطن “شريك” وحيد ودائم للعرب إلا أنها حصّلت مصالحها فيما كانت تدعم إسرائيل ضدّهم وتسعى الى استقطاب إيران على حسابهم، وعندما قررت التخلّي عن المنطقة كان على العرب أن يتوجّهوا نحو روسيا والصين بحثاً عن “بدائل” من أميركا، لكن “البدائل” اتّبعت النهج الأميركي نفسه إزاء العرب، أي: كفالة أمن إسرائيل وتحصين جرائمها، والاستثمار في عدوانية إيران.

تكتفي موسكو وبكين حالياً بمراقبة ما ستسفر عنه جولة جو بايدن في الشرق الأوسط، لكن موقفيهما لن يختلف كثيراً عن قول طهران إن الحلف الاقليمي “خطوة استفزازية”. في المرحلة المقبلة ستكون روسيا والصين أكثر وضوحاً في تشجيع إيران على البلطجة الإقليمية، سواء بدعم برامجها النووية والصاروخية والتوسّعية، أو حتى بالدفع نحو مواجهة عسكرية مع أميركا وإسرائيل فهذا يشكّل جانباً من معارك تغيير النظام الدولي. أما الانعكاسات المباشرة اقليمياً فستعزًز الحرص الروسي – الصيني على إبقاء سوريا والعراق ولبنان واليمن في “حلف الممانعة” الإيراني، وبالتالي فإن “الحلول السياسية” في تلك البلدان تكون لمصلحة إيران أو تبقى مجرّد أوهام يديرها مبعوثو الأمم المتحدة.

السابق
حربنا ضد المخدرات لن تتوقف
التالي
إرتفاعٌ في إصابات كورونا اليوم.. ماذا عن الوفيات؟