المدرسة الناصرية والمدرسة الإيرانية: من دويِّ الهزيمة إلى دويِّ العزلة

ميليشات الحشد تابعة لايران

حمّلتْ أجيالٌ عربيةٌ السياسةَ الناصريةَ والرئيسَ جمال عبد الناصر ما يكفي (ولا يكفي) من مسؤولية التراجع بل الانهيار الذي أصاب الموقع العربي في الصراع مع إسرائيل لاسيما بعد العام 1967، فلماذا، والأمور تُقاس طبعاً بنتائجها، لماذا لا نحمِّل إيران، التي انتقلت إليها قيادة وادعاء قيادة الصراع ضد إسرائيل، حصيلةَ التراجعات الاستراتيجية التي تصيب العرب والمسلمين والفلسطينيين من جراء الوضع الراهن وبعد 40 عاما؟
بهذا المعنى تتحمّل القيادة الإيرانية مسؤوليات في ثلاث دوائر:
الدائرة الفلسطينية
الدائرة الإسرائيلية
الدائرة العربية

اقرأ أيضاً: طموحات إيرانية على مشارف الخط 23

المسألة الجوهرية بين هذه الدوائر الثلاث هي المسألة العربية. فلم تترك السياسة الإيرانية فرصة لتعزيز المخاوف العربية منها إلا ولجأت إليها بشكل منهجي ومتصاعد يتجاوز التهديدات إلى الوقائع. من العراق إلى لبنان إلى سوريا إلى اليمن رعت إيران بل أنشأت ميليشيات هي جيوش فرعية داخل الكيانات الأربعة حتى نجحت في استدراج السعودية إلى الحرب الضارية في اليمن. وكانت الولايات المتحدة الأميركية في وضع استثماري للمخاوف العربية بشكل شامل ليس فقط في صفقات الأسلحة مع دول الخليج بل أيضا في تعزيز القواعد العسكرية فيما إسرائيل كانت تعمل في الخفاء واليوم علنا على احتضان هذه المخاوف في اتجاه دؤوب لتحويلها إلى علاقات تكاد تصبح علاقات حماية ناهيك عن التطبيع الذي نقل المنطقة بكاملها إلى مرحلة تبدو لا عودة عنها.

يتقن الدهاء الإيراني خلق أمر واقع يجبر الخصم أو العدو على اتخاذ مبادرات تظهر وكأنها نتيجة عمل عسكري مسؤول عنه الطرف الخصم لإيران. في الحقيقة الحرب التي “شنها” صدام حسين على إيران هي نموذج اللا خيار سوى الحرب الذي يضع فيه الدهاء الإيراني من يعتبره عدوه. كذلك بعد حوالي ثلاثة عقود ونصف العقد وضع القيادة السعودية الجديدة أمام لاخيار سوى الحرب.
كانت الغنائم الأميركية ولاحقا الإسرائيلية بلا حدود في العقود الأربعة التي مضت على نجاح الثورة الإيرانية في إسقاط نظام الشاه. وهي الثورة التي بدت حدثا هائلا غيّر المنطقة.
أي تقييم لهذا الماضي – الحاضر لا يذهب في هذا الاتجاه سيكون في الاتجاه الخطأ لرؤية مسار تاريخنا.

وفي مرحلة تبدو فيها إسرائيل وهي تتهيّأ في الشرق الأوسط لتعبئة فراغ جزئي من جراء تغيير الأولويات الأميركية في العالم ومنها منطقتنا (البعض يسمّيه انسحابا أميركيًا ؟) السؤال هو هل لدى الاستراتيجيين الإيرانيين أولوية غير أولوية اللااستقرار؟
ليس الجواب أن هناك أولوية إيرانية غير إيرانية، فهذا النفي طبيعي، ولكن هل هناك إمكانية لتغيير في الاستراتيجية الإيرانية يشمل العالم العربي والنظر إليه كمنطقة استقرار؟
ماذا تريد إيران لدعم استقرار المنطقة وهل هي مستعدة للتخلي عن سياسة اللعب البنيوي بتركيبات دول المشرق العربي الأربع عبر التخلي عن بناء علاقات عسكرية بالجماعات الشيعية داخلها لصالح استقرار يغلّب العلاقات الاقتصادية التجارية والاستثمارية والثقافية والسياحية كأي دولة طبيعية في العالم؟

لا تبدو النخبة الإيرانية الحاكمة حاليا مستعدة أو قادرة على إحداث هذا التغيير، من استراتيجية اللااستقرار إلى الاستقرار، والمثير أن هذا التوجه حظي ضمنا بتشجيع أميركي لوضع معظم العالم العربي في أحضان واشنطن ومصالحها. ولا يزال الدور الإيراني فاعلا بل أساسياً في هذا الاتجاه.
لا تزال هزيمة 1967 تلقي بظلالها على الوعي الشقي العربي، وحتى إنجاز حرب تشرين الذي كسر التفوق المطلق الإسرائيلي دون أن يضمن الانتصار العربي، لا زال غير قادر على “تحرير” التقييم الثقافي العربي من عقدة وتبعات هزيمة 1967.
ومع أن كاريزما شخص عبدالناصر لا تزال فاعلة لأسباب عديدة فإن المثقفين العرب لم يقبلوا المضمون الديكتاتوري لنظام 1952- 1970 . وهم اليوم تزداد مسافاتهم النقدية للتكوين الأصولي لنظام رجال الدين الإيرانيين فكيف يمكن أن يقبلوا، أي الوعي السياسي والثقافي النقدي العربي، للاستبداد الإيراني؟

السابق
انخفاض بأسعار المحروقات.. كيف اصبحت؟
التالي
بالفيديو والصور: «سلام يا مهدي» يغزو عقول الأطفال «الشيعة».. طقوس ولائية تقدّس الخامنئي!