«أمم للتوثيق والأبحاث» تُجهّز لـ«ذاكرة مدينة من ورق» لألفرد طرزي في هنغارها

ذاكرة مدينة من ورق

تفتتح أمم للتوثيق و الأبحاث   في العاشر من شهر حزيران في الهنغار   تجهيز   ” ذاكرة مدينة من ورق ”   للفنان ألفرد طرزي  في تاريخ  يتوافق مع 9 حزيران  اليوم العالمي للأرشيف التي تحتفي به أمم  كل سنة .

التجهيز  و كما  يشي عنوانه، هو بمثابة إعادة تشكيل لمدينة متخيلة و يستند على  تاريخ فن  صناعة الصورة  و على نحو خاصّ  فن الكاريكاتور في لبنان . المدينة  التي يستنبطها طرزي في إعادة سرديّته لهذا التاريخ  هي حاضرة و هشّة في آن  معا على نحو لا ينفصل فعليّا عن حاضر  بيروت اليوم .

و يستعيد  طرزي في هذا التجهيز  الذي هو نتاج تعاون مشترك ما بينه و بين أمم للتوثيق و الأبحاث و هو بحسب تعبيره الخاصّ أشبه بتكملة  للنقاش المستفيض  حول التاريخ مع  الراحل  لقمان سليم ، جمعا هائلاً  من أرشيف  المجلات و الصحف التي كانت تصدر في لبنان منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى ثمانينياته  و التي  يتخطى عددها المئة.

حيث يعيد  تشكيل مواد الأرشيف تبعًا لرؤيته الخاصة ضمن بناء هندسي يعيد  فيه  تأويل العناصر المختلفة  لهذه  الذاكرة البصرية .

الأرشيف الضخم الذي يستند عليه هذا التجهيز  و الذي يعود إلى مصادر مختلفة منها أمم للتوثيق و الأبحاث و منها مجموعة الفنان الخاصّة و مصادر أخرى ، استغرق  جمعه و توثيقه سنوات عدّة  و يضمُّ مجموعات نادرة من أرشيف  أبرز المطبوعات،  نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر :  ” الصيّاد “،  “الدبّور”،  “الهدف” ،  ” ألف ليلة و ليلة ” ، ” المجالس المصوّرة “،  ” الجمهور الجديد ” و ” الشبكة ” .

حيز كبير للكارياتور

و يحتل فنّ صناعة الصورة و  الكاريكاتور خاصة  و تطوره عبر السنوات مساحة مهمة في تشكيل هذا المعرض مبرزاً أعمال الرسامين الذين اشتهروا  في حينه كبيار صادق  و ستافرو  جبرا و محمود كحيل  . في بناء مدينته المتخيلة ، يتبع الفنان ألفرد طرزي  خط التسلسل الزمني ، منذ ثلاثينات القرن الماضي  إلى ثمانيناته، فتتوزع  المواد المعروضة، ما بين  أغلفة المجلات و رسوم الكاريكاتور التي أعاد طرزي إحيائها على طريقته، و غيرها من مواد  الأرشيف النادرة  التي تمّ  إنقاذها  ، مع العلم أن  الجزء الأكبر من الأرشيف المكتبي  لهذه المجلات و الصحف و جراء ظروف مختلفة قد  دمر أو فُقد بالكامل .

إقرأ ايضاً: من مزارع شبعا الى كاريش..نصرالله يفتح بازار التفاوض بين واشنطن وطهران!

و إن كان تجهيز ” ذاكرة مدينة من ورق ”  غنيٌّ بجانبه التوثيقي ، غير أنه يتجاوز التوثيق للعمل الفني الفريد في مقاربته و  الذي يتخذ من الذاكرة منطلقًا للتصوّر و إعادة تشكيل الرؤيا  و قراءة التاريخ من زوايا مختلفة تبرز أوجه الإلتباس  ما بين الصورة و الحقيقة ،  فعبر  مختارات المواد المعروضة و  آليّة هندستها البصرية ، ينسج الفنان سرديته الخاصة، مبرزا ما هو لافتٌ من التفاصيل  التي تشكّل  التاريخ البصري لهذه المنشورات  و تاريخ صناعة الصورة و صلته بتاريخ لبنان عامة .

ففي استعادته لذلك التاريخ  البصري مقترنا باللغوي منه يصور طرزي  العنف الدائم الذي يلاحق المدينة منذها. فإن كانت الطباعة برزت  في حينه كوسيلة ثورية للحداثة ففي العود على تاريخها ما قد   يمكّننا من  استيعاب   مفهوم الحداثة في حينه و كيفما تشكّل و تحوّل عبر الزمن.  و قد يكون أكثر ما يشغل ألفرد  طرزي في استعادته لهذا التاريخ  ثيمتان  أو ظاهرتان  أساسيّتان :  المرأة و تكريس صورتها  مجازيا كمعيار  لقياس  مستوى  الحريات و كل ما يرتبط بالحياة الجنسية  مرورًا بمختلف الأوجه و الأساليب الفنية و اللغوية التي كان لها الدور في تكريس  هذه الصورة و كيف كان يجري  استغلال  هذه الصورة  أيضا  بهدف الترويج التجاري .

من الجهة الأخرى ينصب أيضًا اهتمام طرزي  على مسألة العنف الثوري متمثلاً  بالنزاعات المسلّحة  و اسلوب تناولها و  تصويرها   و ذلك عبر حقبات مختلفة  من تاريخ لبنان و كيفما يتلاقى ذلك مع لغة الصحافة و الإعلام اليوم  . و برغم قلة القرابة المباشرة  ما بين هاتين الظاهرتين  إلا أنهما تتلاقيان  في حجم التجاوزات المختلفة  التي ترسم معالم مشهد لبنان الحديث.

من خلال  إعادة تشكيل هذه الذاكرة الورقية للمدينة ضمن هذا  البناء المدني الفني  المتخيّل الذي يسيّره عامل الزمن  و التحولات التي طرأت وأدت إلى تغير توجهات هذه الصحف أو  إغلاقها حتى  انقراضها  ، يضعنا طرزي في مواجهة تساؤلات مختلفة . فهو  من خلال ذاكرة المدينة التي يعيد تجميعها ووصل أشلائها  ، يلقي الضوء على تاريخ المطبوعات في لبنان بخاصة تاريخ  صناعة الصورة و فن الكاريكاتور  لكن ذلك التاريخ أيضا  يحثّنا على ضرورة التمعّن في أحداث الماضي و الحاضر و آلية تكرار المقاربات و اللغة  ذاتها في مواجهات أزمات البلد ، كالفساد و العنف و غيرها من المسائل  مبرزا هشاشة العلاقة ما بين المدينة و ذاكرتها التي  أيضا تتخذ صفة الورقيّة  .  

الإفتتاح : السادسة من مساء الجمعة 10 حزيران 2022 . من الإثنين إلى السبت  بين 11 قبل الظهر و السابعة مساءً لغاية 20 تموز ، الهنغار – أمم ( حارة حريك )

بدعم من الصندوق العربي للثقافة و الفنون  ( آفاق )  و المورد الثقافي

السابق
من مزارع شبعا الى كاريش..نصرالله يفتح بازار التفاوض بين واشنطن وطهران!
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الجمعة في 10 حزيران 2022