حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: أميركا وإيران و«تركيا».. ثالثهما!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لا شك ان القيادة الايرانية، بمختلف مستوياتها، ترصد منذ اشهر، وبكثير من الحذر، الحراك السياسي والدبلوماسي الذي يقوده  الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، باتجاهات متعددة ومتشعبة ومتداخلة، وفي بعض الاحيان متناقضة، تلغي او تمسح السقف العالي من المواقف التي سبق ان اعتمدها، في مواقفه من بعض الدول، او في اللعب على التناقضات، او استغلال الاوضاع الحاكمة على الساحتين الاقليمية والدولية لتحسين شروطه، وفرض نفسه لاعبا او شريكا لا يمكن العبور عنه، او الغاء موقع ودوره، وتحجيم صحته في المعادلات الجديدة. 

اقرا ايضا: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: ايران لامريكا.. «أنا في انتظارك مليت»!

هذا الحراك التركي في الاقليم الممتد على مساحة منطقة غرب اسيا، وان تعامل معه طهران بكثير من الصمت، ومحاولة استيعابه وتفريغه من اهدافه، وتقليل من تداعياته السلبية على ملفاتها واوراقها في هذه المنطقة. الا انه بات يشكل مصدر قلق حقيقي، خاصة وانها حريصة على عدم الدخول مع انقره في صراع مباشر، قد يطيح بمعادلة التوزان القائمة بينهما وتداخل المصالح في مناطق النفوذ المشترك. 

طهران، تحرص على عدم توجه اصابع الاتهام لانقره بشكل مباشر، واتهامها بلعب دور مخرب على الساحة العراقية. وتحدث عن تفويض عربي، تحديدا من قبل السعودية والامارات العربية المتحدة، لادارة الملف العراقي والازمة السياسية من خلال الدور والتأثير الذي تمارسه على اقطاب التحالف الثلاثي “انقاذ وطن”، الذي يضم الحزب الديمقراطي الكردستاني عن المكون الكردي، وتحالف سيادة بقيادة مشتركة من رئيس البرلمان محمد الحلبوسي “تقدم” وزعيم ائتلاف “عزم” خميس الخنجر عن المكون السني، التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر عن المكون الشيعي.  

وفي السياق نفسه، فان طهران تعاملت وما زالت، مع العملية العسكرية التي تقوم بها انقره في شمال العراق، ضد جماعة حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه “ارهابيا”، بالمستوى نفسه من الحرص، ومحاولة احتواء تداعيات هذه العملية واهدافها. فانها تعتقد في المقابل، ان العملية العسكرية التركية تجري بغطاء من الزعيم الكردي مسعود البارزاني، الذي تتهمه طهران بالسكوت على هذه العملية، التي تهدف الى ازاحة احد العقبات الكردية، وتضمن له فرض معادلة جديدة في الجغرافيا السياسية للاقليم الكردي، والتوسع باتجاه بعض مناطق سهل نينوى ومحافظة الموصل. 

طهران تحرص على عدم توجه اصابع الاتهام لانقره بشكل مباشر واتهامها بلعب دور مخرب على الساحة العراقية

وعلى الرغم من اهمية الساحة العراقية في معادلات النفوذ الاقليمي للنظام الايراني، وما تشكله من مساحة اشتباك مع الادارة الامريكية وساحة تسويات في الوقت نفسه، الا ان اعلان الرئيس التركي اردوغان نيته القيام بعملية عسكرية في مناطق شمال سوريا، وانشاء منطقة عازلة تضم مدن منبج وعين عرب وتل ابيض السورية، وما يعنيه ذلك من العودة الى سياسة السعي لاقتلاع القوى الكردية المدعومة من واشنطن التي تسيطر على هذه المناطق، بتنسيق غير علني مع النظام السوري، حرك المخاوف الايرانية من التداعيات المحتملة لهذه العملية، وما قد تفرضه من معادلات جديدة، خاصة وان الازمة السورية، قد قطعت شوطا كبيرا باتجاه تثبيت النظام واعادة دمجه بالمجتمع العربي والدولي. 

طهران تعاملت وما زالت مع العملية العسكرية التي تقوم بها انقره في شمال العراق بالمستوى نفسه من الحرص ومحاولة احتواء تداعيات هذه العملية

واذا ما كانت طهران قد تفهمت الانفتاح التركي على الدول العربية، الرياض وابوظبي، وتخلي اردوغان عن كل المواقف السلبية ذات السقف العالي التي اعتمدها ضد هاتين العاصمتين في السنوات الاخيرة، وتفهمت حاجة اردوغان لترميم علاقته مع الكيان الصهيوني، ووضعتها في اطار مساعيه لمواجهة الازمة الاقتصادية التي ضربت الاقتصاد التركي، وادت الى انهيار العملية الوطنية، بالاضافة الى مساعيه الدائمة ليكون مؤثرا في معادلات الطاقة وخطوط نقل الغاز من مصادره في البحر الابيض المتوسط، وتحديدا الغاز الاسرائيلي، باتجاه اوروبا. الا انها استنفرت، وبشكل لا يدع مجالا للشك بحراجة ودقة موقفها، بعد اعلان اردوغان عن العملية العسكرية في شمال سوريا. 

فالاعلان التركي عن هذه العملية، جاء بعد الاستعراض الذي قامت به طهران باستقبال الرئيس السوري بشار الاسد، واللقاء الذي جمعه مع المرشد الاعلى والحديث عن عودة الدور والنفوذ الايراني الى سابق عهده، مستفيدا من الحاجة الروسية لتخفيف وجودها على هذه الساحة، ونقل جزء من قواتها وزجها في معركة اوكرانيا، مع الاحتفاظ بقواعدها الاستراتيجية على الساحل السوري وحميمي،. ما سمح لطهران باستعادة ما سبق ان فقدته لصالح النفوذ الروسي. 

وفي ظل تراجع الاهتمام الروسي بازمة مفاوضات فيينا، واعادة احياء الاتفاق النووي والغاء العقوبات الاقتصادية الامريكية ضد ايران، لصالح الاهتمام والتركيز على ازماتها وسعيها لكسر حلقة العزلة، التي تسعى واشنطن لفرضها على موسكو واقتصادها ومصادر تمويلها، جاء القرار التركي، الذي قرأته طهران وكأنه نوع من التنسيق، او فاتورة تقدمها موسكو مقابل موقف انقره من الازمة الاوكرانية، والفيتو الذي عطل جهود واشنطن لتوسيع حلف النيتو باتجاه فنلندا والسويد. 

هذ الموقف الايراني التقى مع القلق الكبير الذي عبر عنه المتحدث باسم الخارجية الامريكية نيد برايس وموقف واشنطن من اي عملية عسكرية تركية في المنطقة

طهران مع تأكيد تفهمها لمصادر القلق التركية، اعتبرت العملية التركية المحتملة داخل الاراضي السورية، وما تقوم بها في العراق، يتناقض مع سيادة هذين البلدين ووحدة اراضيهما، وتعقد الاوضاع وترفع من حدة التوتر، ودعت تركيا للعودة الى الحوار والالتزام بما تم الاتفاق عليه في مسار استانه، باحترام السيادة السورية ووحدة اراضيها والابتعاد عن الحلول العسكرية التي تعقد اوضاع المنطقة. 

هذ الموقف الايراني، التقى مع القلق الكبير، الذي عبر عنه المتحدث باسم الخارجية الامريكية نيد برايس، وموقف واشنطن من اي عملية عسكرية تركية في المنطقة، لما تسببه من رفع مستوى عدم الاستقرار، وما تشكله من تهديد لامن القوات الامريكية والجهود الدولية للقضاء على داعش، ودعوة انقرة للالتزام بالبيان المشترك الذي وقعت عليه سنة 2019 حول انشطتها العسكرية في سوريا. 

طهران التي تلمح الى صمت روسي عن التحرك التركي في سوريا، وما يشكله من تهديد لمخططاتها ونفوذها وامكانية زعزعة مسار اعادة فرض سيطرة النظام على جميع الاراضي السورية، لا يبتعد عن القلق الامريكي الذي يرى في تحرك انقره وعملية الابتزاز التي تمارسها، خدمة لموسكو، يعرقل جهود محاصرتها وحشد الجهود الدولية ضد الحرب التي تقوم بها في اوكرانيا. 

السابق
ارتفاع جديد بسعر قارورة الغاز.. كم اصبحت؟
التالي
شهيد للجيش في مداهمات الشروانة.. وفرار المطلوب الخطير «أبو سلّة»!