حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: «حزب الله» يكسب «الأكثرية» في إيران.. ويخسرها في لبنان!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

ما من شك بان الانتخابات البرلمانية اللبنانية، وعلى الرغم من خصوصيتها اللبنانية، وتحولها الى معركة تثبيت الاوزان السياسية والشعبية لكل طرف، الا انها شكلت محطة مهمة في سياق معركة اوزان من نوع اخر، للقوى الفاعلة والمؤثرة على الساحة الاقليمية، وتحديدا هنا، بين الفاعلين الاساسيين السعودي والايراني.

اقرا ايضا: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: ايران و«الشعب العميل»!

واذا ما كان حزب الله قد خاض هذه المعركة، بهدف اعادة تظهير قاعدته الشعبية وتمثيله الواسع، للجماعة التي يمسك بتمثيلها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، الى جانب حليفه حركة امل، فقد وضع استراتيجية واضحة لخوض هذه المعركة الانتخابية تتمثل، في التركيز اولا على عدم حصول اي خرق في المقاعد الشيعية في المناطق التي يتمثل فيها هذا الثنائي، واستخدام جزء من فائض الاصوات لتحسين شروط الشريك الاخر في الثنائي، في المناطق التي تشكل خطرا على ممثليه، من دون الالتزام بحلفاء هذا الشريك وعدم الاهتمام بمصير او مستقبل وجودهم في الندوة النيابية. باستثناء واضح في دائرة البقاع الشمالي، لخصوصية المعركة التي خاضوها لمنع خصمهم الرئيس قائد القوات اللبنانية سمير جعجع تحقيق خرق في هذه الدائرة. وفي المستوى الثاني، تحشيد قواعدهم الشعبية في المناطق، التي لا يمتلكون فيها تمثيلا مباشرا لصالح حلفائهم الاخرين في التيار الوطني الحر، لتعزيز اوراقه داخل المكون المسيحي وفي مواجهة جعجع، بالاضافة الى القوى المتحالفة معهم من المكون السني.

حزب الله وضع استراتيجية واضحة لخوض هذه المعركة الانتخابية تتمثل في التركيز اولا على عدم حصول اي خرق في المقاعد الشيعية في المناطق التي يتمثل فيها

هذه الاستراتيجية التي اعتمدها الحزب، وان ادت الى خسارته الاكثرية النيابية التي امتلكها في المجلس السابق، الا انها لم تفقده القدرة على التعطيل او التأثير على مسار القرارات السياسية، بالاستفادة من عدم امتلاك اي من الاطراف الاخرين للاغلبية، فضلا عن ان تصوراته للعمل البرلمانية المقبل، وفي ظل النتائج والتوزانات التي انتجتها هذه الانتخابات، تسمح بعقد تحالفات متحركة بين المختلفين او حتى المتناقضين، بناء او تبعا للموضوعات والقضايا المطروحة على الجدل او النقاش. 

هذه الاستراتيجية التي اعتمدها الحزب وان ادت الى خسارته الاكثرية النيابية التي امتلكها في المجلس السابق الا انها لم تفقده القدرة على التعطيل او التأثير على مسار القرارات السياسية

في المقابل، وعلى الرغم من اهمية الرسالة التي كرسها الحزب، كجزء اساس في الثنائي الشيعي، والتي ارادها خطابا موجها للقوى الاقليمية والدولية من ورائها، بامتلاكه الشرعية الشعبية والتمثيلية، وما اسهمت به من افشال كل سياسات الضغط والحصار التي تعرض لها، سياسيا واقتصاديا ونفسيا واجتماعيا. الا انها لم تكن بحجم التطلعات التي يرغب بها الحليف الاقليمي والعمق الاستراتيجي للحزب، اي النظام الايراني، الذي يسعى في هذه المرحلة الى تجميع اوراقه الاقليمية وترتيبها، قبل اقتراب موعد الاستحقاقات التفاوضية حول الملفات الاقليمية، التي تنتظر دورها بعد الانتهاء من التفاوض، حول الملف النووي واعادة احياء اتفاق فيينا، مع المجموعة الدولية والولايات المتحدة الامريكية. 

النظرة او الموقف الايراني من الانتخابات اللبنانية، لا يخرج عن سياق النظرة او الموقف، من جميع الملفات والساحات الاقليمية التي تمثل مناطق تأثيره، خاصة في معركة النفوذ التي يخوضها في مواجهة الدور والنفوذ السعودي. لا بل ان الساحة اللبنانية تحتل موقعا متقدما في هذه الاهتمامات، لخصوصيتها العالية في اطار ما تمثله من مركز متقدم في صراعه المزدوج مع الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل، واعتبار الساحة اللبنانية عقدة الحلول الاقليمية، بالاعتماد على الثقل العسكري الذي يمثله ويلعبه حزب الله في سياق تعزيز القدرة، والشروط التفاوضية لطهران وتكريس موقعها في المعادلات الاقليمية، وما يساهم به في وضعها على خارطة التأثير في المعادلات الدولية في منطقة غرب آسيا. 

الموقف الايراني من الانتخابات اللبنانية لا يخرج عن سياق النظرة او الموقفمن جميع الملفات والساحات الاقليمية التي تمثل مناطق تأثيره خاصة في معركة النفوذ التي يخوضها في مواجهة الدور والنفوذ السعودي

من هنا، يمكن فهم التقويم الايراني لنتائج الانتخابات اللبنانية، والتي اصيبت الى حد ما، بنوع من الخيبة، لعدم قدرة الحزب وحلفائه في الاحتفاظ بالغالبية البرلمانية، ان لم يكن زيادتها. الا انها من ناحية اخرى، رأت في هذه النتائج انتصارا من نوع اخر، يتمثل في قدرة حزب الله ومعه قوى المحور على الحاق هزيمة بما اسمته “مشروع العودة السعودية الى الساحة اللبنانية”، من بوابة ضرب الغطاء المسيحي الذي يشكل الغطاء لنشاط حزب الله على الساحة اللبنانية، معتبرة ان فشل المعركة التي خاضها قائد القوات اللبنانية في اسقاط شعبية التيار الوطني الحر، وفشله في استقطاب الناخب السني والقواعد الشعبية لتيار المستقبل ورئيس الوزراء السابق سعد الحريري، يشكل انتصارا استراتيجيا، اعاد فرض معادلة قديمة – جديدة على الساحة اللبنانية، قادرة على افشال المخطط الامريكي والاسرائيلي، بمحاصرة المقاومة وسحب تمثيلها الشعبي والغطاء الوطني الذي تتمتع به. 

يمكن فهم التقويم الايراني لنتائج الانتخابات اللبنانية، والتي اصيبت الى حد ما، بنوع من الخيبة، لعدم قدرة الحزب وحلفائه في الاحتفاظ بالغالبية البرلمانية ان لم يكن زيادتها

هذا المستوى من الانجاز الذي حققه حزب الله، في سياق المعادلات الايرانية الاقليمية، سيشكل ورقة رابحة نسبيا لطهران في المرحلة المقبلة، التي ستشهد حراكا كبيرا وواسعا لترتيب الملفات، خاصة في ظل جدية الحديث عن عودة الاطراف الدولية الى طاولة التفاوض في فيينا حول الملف النووي، وما يتسرب من معلومات عن سحب ايران ورقة العقوبات المفروضة على مؤسسة حرس الثورة، مقابل الحصول على قرار امريكي باعادة وصلها بنظام التحويل المالي الدولي “سويفت”، كجزء اساس من اليات رفع العقوبات الاقتصادية ضدها، على ان تكون الامور مفتوحة في المستقبل لاعادة التفاوض حول المسائل العالقة مع واشنطن، وتحديدا حرس الثورة، وما يمثله في جناحه الخارجي المتمثل في قوة القدس من ذراع اقليمية تتولى مهمة التعامل مع الملفات في الساحات الاقليمية. 

في ظل الاجواء الايجابية عن امكانية تطوير الحوار القائم بين طهران والرياض في المرحلة المقبلة فان ما تحقق على الساحة اللبنانية ساعد في قطع الطريق على المفاوض السعودي

وفي هذا السياق، وفي ظل الاجواء الايجابية عن امكانية تطوير الحوار القائم بين طهران والرياض في المرحلة المقبلة، فان ما تحقق على الساحة اللبنانية، ساعد في قطع الطريق على المفاوض السعودي، في تسجيل تفوق على المفاوض الايراني، في حال واستطاعت القوى المدعومة من الرياض من تسجيل انتصار برلماني على الساحة اللبنانية. اذ تعتبر طهران ان حصول مثل هذا الخرق، سيفتح الطريق امام رفع الرياض لسقف شروطها على طهران، وبالتالي فرض معادلة توزان جديدة لا تقف عند الساحة اللبنانية، بل ستحمل مزيدا من التعقيد على الساحة العراقية المأزومة، بالاضافة الى تأثيرتها على مسار التهدئة ومؤشرات التفاهم في الازمة اليمنية، وما يمكن ان يحمله ذلك من تأثيرات على معادلات الساحة السورية التي بدأت تميل لصالح طهران بعد الانسحاب الروسي من الجنوب السوري وتركه مفتوحا لعودة قوى المحور الايراني، وما يعنيه ذلك من تغييرا في استراتيجية التعامل الروسي مع هذه الساحة، والرسائل التي وجهها في لجوئه لاستخدام منظومة S300 في التصدي للغارات الاسرائيلية. 

السابق
كارلوس غصن مجدداً امام القضاء اللبناني.. هل تتم ملاحقته بملفات مالية بناء على طلب الفرنسيين؟
التالي
بعدسة «جنوبية»: جلسة اخيرة للحكومة.. واعتصام لمتعاقدي اللبنانية على طريق القصر الجمهوري