حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: فنون المقاطعة والوانها.. خلل المبادئ و المصالح

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

تدخل قوى ١٧ تشرين لجة الانتخابات النيابية، وهي تعاني عثرات وصعوبات، تمثلت في خلل منهجي ضرب اكثرية مجموعاتها وقواها.ومصدر الخلل الاول الذي طبع قوى الحراك وتسبب في تعدد لوائحها، هو عدم ادراك الفارق بين مستويات أربعة :

_ ١) المستوى الايديولوجي وهو لا يصح وضعه الا داخل الحزب العقائدي وليس خارج الحزب

_٢) المستوى السياسي الفكري : اي وضع برنامج حراك سياسي لقوى تلتقي على مشتركات سياسية مبدئية

_ ٣) مستوى مهمات المرحلة الراهنة ؛ التي من متطلباتها ايجاد اجندة مشتركة، لمطالب واهداف مرحلية يمكن المطالبة بها وتحقيقها، لإضعاف السلطة وتقوية جبهة الحلفاء، وتوسيع جبهة الاصدقاء وتفكيك جبهة الاعداء وتحييد بعض مكونات الخصم.

_٤)  المستوى الرابع هو التحالفات الانتخابية، وهي تحالفات تبغي خوض مواجهات منتجة، واقامة ائتلافات هدفها خوض معارك جدية، وتطوير الحضور على مستوى الناس، والخطاب السياسي العام، وتعديل التوازن السياسي العام.

الخلط بين هذه المستويات الاربعة ومعاملتها بنفس الاهمية وبنفس التعاطي، هو مقتل كل التنظيمات والمجموعات، التي واجهت تحدي صناعة بديل سياسي مقنع وناشط ورؤيوي، وتأخرت في ان تنتجه جاهزا لحظة الاستحقاق الانتخابي.

يضاف الى ذلك العجز عن الخروج من الاثر الثقافي والتاريخي لتجربة الحرب الاهلية اللبنانية، والقطع مع انقساماتها والتخلي عن سرديات ١٤ و٨ اذار المتقابلة والمتناحرة، بما في ذلك  التمييز بين المقاومة كوظيفة ومفهوم عام وهو امر وارد، وبين حزب الله وسلاحه كفصيل سياسي عسكري يشكل امتدادا، للعمليات الخارجية للحرس الثوري الايراني وهو امر مستنكر ومرفوض.

تم في أحيان كثيرة، الخلط بين العمل الثوري وتصعيد المواجهة مع السلطة في الساحات، وبين العمل الاغاثي والخيري لمساعدة ضحايا الكارثة

الاختلال الآخر هو عدم ترتيب توقيت الإجراءات والفعاليات والقضايا والملفات والحلول، فقد تم في أحيان كثيرة، الخلط بين العمل الثوري وتصعيد المواجهة مع السلطة في الساحات، وبين العمل الاغاثي والخيري لمساعدة ضحايا الكارثة، مع عمل الخبراء الذين يسدون النصح ويجترحون الحلول، ويقيمون ورش العمل لرسم خطط إعادة نهوض الاقتصاد والعودة الى التعافي المالي والنقدي. 

ولعل كل هذه الفعاليات هي ضرورية، لكن جدولتها وتيويم جداولها، كان أجدى بهدف تبويب الاولويات وتوجيه الضوء، حول ما هو راهن مستعجل، وموعده قبل اسقاط المنظومة، وما هو مأمول تنفيذه بعد انتصار الحراك واعادة تكوين السلطة. الخلل الثالث هو عدم الحسم في أن الاولوية الاساسية، هي الاشتباك في مواجهة السلطة،  وليس التنافس التحشيدي والتنظيمي بين المجموعات، من اجل تصدر المعارضة وقيادتها.

شكلت مجموعة “ممفد” الظاهرة الاكثر تعبيرا عن ميل خطير، لنقل الصراع الى قلب الحراك على قيادته، بدل ان يكون اشتباكا مع السلطة

وقد تفاوتت حدة هذه المسألة وتغيرت مساحة انتشارها وتمددها، فيما شكلت مجموعة “ممفد” الظاهرة الاكثر تعبيرا عن ميل خطير، لنقل الصراع الى قلب الحراك على قيادته، بدل ان يكون اشتباكا مع السلطة لإسقاطها واعادة تكوينها.مع احترامي لبعض الانقياء في جماعة / م. م. ف. د./ فقد ظهر انهم يريدون ان يصبحوا مرشحين وليس نواب، والمرشحون يصبحوا اعضاء حكميون في قيادة المجلس الوطني للمعارضة، عيونهم ونياتهم أن يسيطروا على مقاعد قيادة المعارضة، وليس السيطرة على عدد من مقاعد السلطة التشريعية، وبناء لهذا يتضح ان الهدف ليس اضعاف المنظومة والسلطة، بل أن هدفهم السيطرة على قيادة المعارضة.

المطلوب تصويت عقابي للمنظومة، وتصويت نافع ومجدي للوائح المعارضة

عشية الاستحقاق النيابي، يتبدى راهنا اعلاء الاهم على المهم، والمهم اليوم، عدم تشتيت الاصوات، فالمطلوب تصويت عقابي للمنظومة، وتصويت نافع ومجدي للوائح المعارضة التي تقترب من نيل الحاصل او لديها حاصل مُؤَمَّن.أمران تلجأ اليهما ابواق المنظومة واعلاميوها، اقناع الناس بان ليس لديهم اي قدرة او امكانية للتغيير، ولذلك الافضل استرضاء الزعيم بدل نبذه.الأمر الثاني ان الزعيم مازال قويا كفاية ليستمر، وبالتالي فان التصويت العقابي سيطلق غضبه للانتقام بدل ان ينال العقاب.المقاطعة في احسن تفاسيرها تسليم للممانعة بمقاعد ليست لها، وفي انحس تجلياتها، استجابة لنزق نرجسي لا ترى من السياسة الا صورة الزعيم وهالته المتورمة.

ودعوات المقاطعة تنطلق من خلفيات متعددة، كالقول مثلا ان المقاطعة لن تنجح في منع سيطرة حزب الله على قرار لبنان، لأنه مسلح ولان بضعة مقاعد نيابية، ليست كافية لتعديل سلوك حزب الله ومنع سيطرته على لبنان، هؤلاء  لا يميزون بين قوة حزب الله بين ٢٠٠٥ _ ٢٠٠٩ من جهة، وقوته  بين سنة ٢٠١١ _ ٢٠١٩، من جهة اخرى، من يدقق في الفارق الجوهري سيكتشف ان الاكثرية النيابية عنصر اساسي في موازين القوة.كما تنطلق بعض دعوات المقاطعة من احتجاج، قد يكون مشروعا على قانون الانتخاب والذي تم تفصيله، لكي يأتي متوافقا مع مصالح تيار عون وحزب القوات، ويتيح لحزب الله ان يمكن حلفاءه في الطوائف الاخرى، من الوصول الى الندوة النيابية، وهو أمر يُصيبُ بشكل كبير تيار المستقبل، هذا صحيح، لكن من قَبِلَ هذا القانون، الم يكن الرئيس الحريري؟ الم يرفض الحريري اعتماد صوتين تفضيلين بدل صوت واحد؟، مما يعوض على تيار المستقبل بين ٦ الى ٧ مقاعد مكتسبة، وهل من المنطقي أن يقاطع طرف سياسي انتخابات، احتجاجا على قانون قدمته حكومته، ووافقت كتلته النيابية عليه ونال رضاه.؟! 

الخلفية الثالثة للدعوة للمقاطعة، فهي ان المشاركة ستمكن من تشريع تفوق حزب الله وهيمنته دوليا وعربيا

أما الخلفية الثالثة للدعوة للمقاطعة، فهي ان المشاركة ستمكن من تشريع تفوق حزب الله وهيمنته دوليا وعربيا، الفرضية هذه تنتظر ان يهب المجتمع الدولي، نتيجة مقاطعة واسعة للانتخابات الى محاصرة السلطة الفاسدة، التي يقودها حزب الله، والى اللجوء الى اجراءات عقابية، واجتراح مؤتمرات دولية لرفع هيمنة حزب الله، ومنعه من السيطرة على لبنان؟!حسنا، اية قراءة للوضع الاقليمي والدولي، تشير الى ان حدوث امر كهذا هو اضغاث احلام وتهيؤات إيهاميه، لا يتابع اصحابها، لا مجريات التفاوض بين السعودية وايران في العراق ومسقط، ولا الترتيبات المرافقة لمفاوضات فيينا، ولا يدركون تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية وتفجر مراحلها.

ولعل أطرف دعوات المقاطعة، هي تلك التي تقوم بها القوات اللبنانية، في دائرة الجنوب الثالثة، فالقوات التي تخوض المعارك الانتخابية في كل الدوائر الانتخابية وتدعو جمهور المستقبل، للمشاركة الكثيفة في كل الدوائر، تتبنى موقف المقاطعة في مواجهة اكثر الدوائر ثقلا للثنائية المذهبية الشيعية، وهي بعد ان جعلت مواجهة حزب الله عنوان معركتها الاساسية في كل دوائر لبنان، تخرج الى المقاطعة في اكبر دائرة انتخابية ل حزب الله وتمتنع عن مواجهته في عقر داره.وان كانت المقاطعة لا فائدة ترجى منها، لا ماضيا ولا حاضرا، فان تنويعات خلفياتها،  تظهرها مزركشة حتى بتنا نشهد كل “فنون المقاطعة والوانها”.

السابق
السوق السوداء تفتتح على ارتفاع.. كم يسجل سعر صرف الدولار؟
التالي
خاص «جنوبية»: بالوقائع والأرقام.. هكذا تواجه «الداخلية والخارجية» باكورة الإستحقاق الإنتخابي!