محمد علي مقلد: العلامة الأمين..القاضي والمناضل والمتجدد

محمد علي مقلد

قلت في رثائه أنه متعدد في واحد، مفرد بصيغة الجمع. شاعر وقاض ومرجع ديني وفقيه ومناضل ضد الصهيونية، وضد التعصب الطائفي، وضد الجمود العقائدي، وضد الفساد المالي والسياسي، وضد فساد المؤسسات الدينية والحزبية.

حين غاب مع قرينه وشريكه في التجديد الديني السيد هاني فحص، شعرنا بفداحة النقصان على المنابر، وفي ساحات النضال. كانا يمثلان الصوت المختلف، صوت الآخرين الذين لم ينحنوا أمام القهر الديني والسياسي. في عمر الخمسين حملوه على الاكتاف في مقدمة التظاهرة ضد الهجوم الأميركي على الخليج.

حين غاب العلامة الأمين مع قرينه وشريكه في التجديد الديني السيد هاني فحص، شعرنا بفداحة النقصان على المنابر

دعوته مرتين، الأولى إلى قاعة التدريس أمام طلابي في الجامعة اللبنانية، الذين كنت أحاضر فيهم عن حضارة البلدان العربية، وعن الإصلاح في عصر النهضة، ليتحدث إليهم عن التجديد الديني، وبالتحديد عن جمال الدين الأفغاني.

حصل ذلك، رداً على ما ورد في نقاش رسالة في إحدى جامعات الخليج، أدانت هذا الإصلاحي الكبير لأنه “سافر إلى أوروبا وعاشر نساءها ولأنه كان يدخن السيكارة”، بحسب ما ورد في التسجيلات الصوتية لجلسة المناقشة تلك.
أشاد السيد محمد حسن الأمين بالدور الرائد للأفغاني في مجال الإصلاح الديني والسياسي، ورثى لحالة المستوى الأكاديمي في جامعات الجمود العقائدي.

دعوته في الثانية، إلى قاعة المحاضرات ليتحدث أمام الطلاب والأساتذة في الجامعة اللبنانية، عن القيم الحضارية وحرب الخليج. بعد عام زرته في بيته في صيدا. سألته عن عتب شديد ظاهر في طريقة استقباله لي، وكان السبب “آفة الأخبار رواتها”. حين صارحته القول بأني لم أكن راضياً على المقاربة الحضارية لحرب الخليج، لم يتردد في الاعتراف، بأنه كان عليه أن يحذر من الإشادة بأنظمة الاستبداد، التي تموه قمعها لشعوبها، باسم النضال ضد الإمبريالية والصهيونية. مشاركة النظام السوري، نظام الوصاية على لبنان، في الحرب على العراق، كانت تقدم الدليل تلو الدليل، على أن المشترك بين النظامين التوأمين، هي قهر الشعوب لا القتال ضد الصهيونية. بعد عام آخر زرته لأنال بركته قبل الترشح للانتخابات النيابية، فقدم لي معيناً من التشجيع ما زلت أغرف منه حتى اليوم، لأشارك المرشحين إلى الانتخابات في وجه محدلة الفساد والإفساد.

مرات كثيرة دعيت إلى محاضراته. بعد أن استمعت إليه في إحداها، وكانت عن التجديد في الفكر الإسلامي أبديت إعجابي، وتمنيت عليه أن يكون ما قاله بمثابة مقدمة لكتاب، عزمت على إصداره بعنوان أحزاب الله.

في القاعة ذاتها استمعت فيما بعد إلى محاضرة عن الموضوع ذاته تحدث فيها الشيخ علي حب الله، وأبديت إعجاباً مماثلاً. الشيخ علي، هو من تكرم بكتابة المقدمة، بعد أن عرقلت الحالة الصحية للسيد محمد حسن الأمين، مسار نشاطه المتدفق وغزارة عطاءاته.

بين رجل الدين والدولة الحديثة في بلادنا مفقود الود، إذ كانت الحركات الإسلامية قد قدمت صورة غير بهية عن إدارتها للشأن العام

بين رجل الدين والدولة الحديثة في بلادنا مفقود الود، إذ كانت الحركات الإسلامية قد قدمت صورة غير بهية عن إدارتها للشأن العام، في إطار مؤسسات المجتمع المدني، وقدم المعمّمون صورة رديئة عن العاطلين عن العمل، الساجنين عقول الأفراد، في أقفاص من الجهل والثقافة الأسطورية، المتسكعين على أبواب المتمولين، أو على أبواب المحاكم الشرعية، أو أبواب المقابر يعيشون على الخمس من أموال “الله والنبي” أو على التشبيح.

السيد محمد حسن الأمين قدم نموذجاً مغايراً. قضى حياته في العمل قاضياً يكسب رزقه من عرق جبينه، ومناضلاً ضد العقول الدينية المتحجرة، متحمساً لقيام دولة بلا دين، بحسب تعبير الشيخ محمد مهدي شمس الدين، أي دولة مدنية يحتكم فيها المواطنون إلى القانون لا إلى الفتاوى، ولا يستسقون المطر ولا يهل عليهم هلال العيد من عيون بشرية، بل من عيون المراصد الفلكية ومن عقول العلماء.

*الدكتور محمد علي مقلد*

السابق
رسالة من لقمان (16): لماذا اختزالي بـ«معارض للثنائي»؟!
التالي
هلع على متن طائرة «الميدل ايست».. رحلة رعب من بيروت الى مصر!