محمد علي الحاج العاملي: العلامة الأمين حافظ التراث وداعية التجديد

الشيخ محمد علي الحاج العاملي

إذا أردت أن أختصر الكلام حول العلامة الحجة السيد محمد حسن الأمين، يمكنني استعارة قول أحد الصحافيين الكبار الذي وصفه بأنّه: “آخر العلماء الموسوعيين لدى الشيعة في لبنان” نعم هو كذلك، وهذه المقولة لا مبالغة فيها، فقد تنوّعت اهتمامات الراحل العلميّة، سواء على الصعيد الديني، أو الفلسفي، أو الأدبي.. ناهيك عن تقلّده منصب القضاء الشرعي، ودوره السياسي والاجتماعي والثقافي في عدد من الساحات الإسلامية والعربية.

أكثر ما ميّز الراحل هو النزاهة والمناقبية والسلوك الأخلاقي الرفيع، المقترن بالجرأة وصلابة الشخصيّة؛ ذلك أنه كان يتمسّك بهذه الصفات نتيجة شعوره بعبء تركة السلف، كونه ملقى على عاتقه مسؤولية حفظ تراث وإرث علماء جبل عامل على امتداد قرون عديدة.

هذه المسؤولية الأخلاقية كانت تزداد كلما كان يرحل عالم من ذلك الصنف

هذه المسؤولية الأخلاقية كانت تزداد كلما كان يرحل عالم من ذلك الصنف، الذي كان عليه السلف من علماء جبل عامل.. حتى وصل الراحل لمرحلة كان هو المؤتمن الأوّل على ذلك الإرث، وبقي كذلك حتى عروج روحه الطاهرة.

وأمّا إذا أردت أن أستحضر الهموم الأساسية التي كانت تستحكم على فكر وعقل ووجدان العلامة الأمين (قدس سره) فإنني أوجز الكلام بذكر أبرز هذه الاهتمامات:

أولاً: حرصه على الحوزة العلمية، وعلى أرث السلف، ذلك في الوقت الذي كان فيه الراحل من أشد الداعين للتجديد الديني، مع ذلك كان من اللافت الحيّز الكبير الذي يوليه للحوزة العلمية.

ثانياً: علاقته العاطفيّة تجاه جبل عامل، بالرغم من فكره الأممي، وبالرغم من تجاوزه لكل الحدود الجغرافية.. لكنه كان متعلقاً بشكل كبير بجبل عامل، وكان له مكانة خاصة في وجدانه.

ثالثاً: حنينه لمدينة النجف الأشرف، ولعلمائها وتراثها.. وقد كان شديد التعلّق بالنجف، حتى تخالها جزءًا منه.

رابعاً: اهتمامه بالطاقات الشابة الواعدة، وتشجيعه للابداع والعطاء العلمي، حيث كان الراحل يعمل على تحفيز الطاقات على الإبداع والابتكار.

خامساً: الجرأة والشجاعة هي من السمات التي اتصف بها الراحل؛ الذي كان جريئاً في قول كلمة الحق، وعدم خوفه من أي تنظيم أو دولة، أو أي صاحب نفوذ.

سادساً: تشديده على إيجاد التنوع في الطائفة الشيعية، فقد كان همّه أن لا تحصل مُصادَرَة للشيعة، بل كان يعتبر أن التنوّع هو جوهر ومبرر جود الشيعة.

سابعاً: انفتاحه على مختلف الأديان والأفكار الدينية، والسعي لتوطيد العلاقات الاسلامية – الاسلامية بين السنة والشيعة.

ثامناً: تفاعله مع العلمانيين، واليساريين، ومع مختلف التيارات الفكرية، وقد انفتح مبكراً على التيارات التي كان لديها موقفاً سلبياً من الدين.

ويبقى أنني وإن كنتُ لا أود أن أتحدث عن علاقتي الشخصية معه، لكنني أشير لأمر واحد أنه كان يحملني الكثير من المسؤوليات الأخلاقية – التي لا أحب أن أسترسل بها في هذا المقام – لكن مختصر ايحاءاته لي: “الاستقامة”، وما زلتُ أستشعر أن روحه تخاطبني يومياً للمحافظة على هذه الاستقامة، وعلى نهج السلف الصالح..

كان وجود السيد محمد حسن الأمين علامةً فارقةً في الجسم العلمائي الشيعي اللبناني

أخيراً: كان وجود السيد محمد حسن الأمين – مع ثلّة قليلة لا تتجاوز عدد أصابع اليدين – علامةً فارقةً في الجسم العلمائي الشيعي اللبناني.. هؤلاء العلماء وإن كانوا قلّة بالعدد لكنهم الأكثر مناقبيةً ووعياً.

ورغم مرور عام على رحيله (قدس سره) لكنّه لم يغب عنا، كنا نراه عند كل تحدٍ، كما نفتقده عند الملمات، وسنذكره في المحطات الكبرى.

السابق
بالفيديو: عراك وتضارب في مطعم في جونية.. والسبب؟
التالي
ائتلاف ١٧ تشرين يُطلِق «نحن التغيير».. من صيدا-جزين