حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: عراضة جوية كتعمية للمهانة

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

حدَّثني رجلٌ أفاكٌ شكاك، له تجربةٌ واسعةٌ في علاقات الدول وأصولِ العلاقات بينها، والتسويات التي تعقدها الحكومات والصفقات التي تُبرِمُها، فأفادني أنَّ محادثات فيينا، قد وصلت الى نقطة حاسمة، وأنَّها قطعت شوطاً يُمهِّد الى الوصول الى خط النهاية.

وتتطلبُ المرحلةُ الراهنة، قراراتٍ حاسمة وتنازلاتٍ أساسية، وأنَّه في هذه المرحلة، لا بد من إحاطتها بسلسلة من خطوات التبريد والتهدئة، وتبادل اشارات النوايا الحسنة، والمبادرات الايجابية…من أجل ذلك وبناء عليه، فقد لَجَأت الولايات المتحدة الأميركية الى قرارِ رفع العقوبات عن الدول والشركات التي لا تلتزم بالعقوبات الأميركية على طهران وقد تخرقها حاضرا ومستقبلا، مما يتيح لهذه الأطراف ان تبدأ بتعامل تمهيدي  مع ايران، ويمكنها من تبادل منافع وسلع معها لم يكن متاحا سابقا.

ولكن ذلك لا يعني ان تمويل شراء او بيع منتوجات ايرانية استراتيجية، ومن ضمن فكفكة أجواء التوتر حول المفاوضات، أجبر الحوثيين في اليمن، على الانكفاء من حول مأرب، وحقق التحالف بقيادة السعودية وبمشاركة فاعلة من ألوية العمالقة اليمنية، المدعومة من دولة الامارات العربية المتحدة، حققت الالوية هذه، مكاسب عسكرية واسعة في مناطق شبوة وساحل البحر الاحمر.

ايران أعطت ضمانة لأميركا بحل النزاع اللبناني الاسرائيلي حول الاحواض الغازية والبترولية حوض قانا للبنان بمعظمهو حوض كاريش كاملا لعدونا الاسرائيلي!

اما حصة اسرائيل من ترييح الأجواء وتبادل حركات الانفراج، فهو انجاز ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، وتمكين اسرائيل من بدء الحفر في حوض كاريش في أول الربيع المقبل، وهذا ما حاول تطبيقه الموفد الاميركي، آموس هوكستاين، فكيف تم ذلك.

ويقول محدثي الشكاك الافاك، أنَّ ايران أعطت ضمانة لأميركا بحل النزاع اللبناني الاسرائيلي حول الاحواض الغازية والبترولية، حوض قانا للبنان بمعظمه، و حوض كاريش كاملا لعدونا الاسرائيلي، والخطوة الأولى في توقيع ايران على هذا الاتفاق واطلاق علانيته، كان اعلان السيد حسن نصرالله ان حزب الله يقف وراء الدولة في مسألة الترسيم، كان نصرالله يخبر الخارج اللبناني والاطراف الدولية ان ما ستعلنه الدولة اللبنانية يحوز على قبوله ورضاه،  وعلى الرغم من أنَّ الدولة في لحظة اعلان نصرالله وقوفه ورائها، كانت ترسل الى الأمم المتحدة كتابا ترد فيه، على مذكرة اسرائيلية رفضت الشروع بأعمال تنقيب في البلوك رقم ٩ في الجانب اللبناني.

وقد حذر الكتاب اللبناني اسرائيل من التنقيب والحفر في المناطق المتنازع عليها، اي حذر من البدء من طرف واحد باستغلال حوض كاريش، كان ظاهر موقف نصرالله يشي  بانه يحذر اسرائيل من استغلال حوض كاريش بمعزل عن ترسيم متوازن ومقبول من قبل لبنان وحكومته، لكن تصريح نصرالله كان حقيقة تفويضا علنيا مطلوبا منه، ضمن الصفقة الايرانية الاميركية، تفويضا للجنرال عون بالتنازل عن الخط ٢٩ والاكتفاء بخط ال ٢٣ كخط للتفاوض نظريا، مع التمهيد  لإقرار خط جديد متعرج يتلوى صعودا ونزولا حول الخط المستقيم ٢٣ وهو كنه التفاهم الاميركي الايراني على ترسيم حدود لبنان البحرية. 

تصريح نصرالله كان حقيقة تفويضا علنيا مطلوبا منه ضمن الصفقة الايرانية الاميركي لعون بالتنازل عن الخط ٢٩ والاكتفاء بخط ال ٢٣ كخط للتفاوض نظريا

ومما يعزز كلام الرجل الشكاك الافاك، هو طريقة اعلان تصريح رئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون، وأختيار جريدة الاخبار اللبنانية التابعة لحزب الله، وانتقاء الصحفي نقولا ناصيف العامل منذ تاريخ بعيد، في اجواء اعلام الممانعة والكاتب لنظرياتها، لإيداعه صك التنازل عن الخط ٢٩…مع هذا الاعلان الذي ارتقى الى مرتبة جريمة الخيانة الوطنية كما وصفها، رئيس مجلس شورى الدولة السابق القاضي شكري صادر، ساد صمت عميم، طال كل اصوات التخوين التي تنطلق تارة في كل مناسبة و تارة دون مناسبة… فلا صراخ يصدر استنكارا للتفريط بالحدود، ولا استرجاع  لخطابات الدفاع عن مزارع شبعا، بل صمت طال ألسنة دأبت على المزايدات، وكأن على رؤوسهم الطير!!

يضيفُ الرجلُ الشَكّاكُ الأفاكُ، أنَّ جبران باسيل شعر وعلم أنَّ صفقةً كهذه، تتم من فوق رأسِه، وان دورَ الجنرال عون فيها، لا يتعدَّى إذاعةَ موقفٍ لبناني يلتزم إعلانَ لبنانَ قبولَهُ بما قررته إيرانُ وأميركا، فتوهَّمَ أنَّ لهُ الحقَّ بأن يسعى الى مكسب او دور، في هذا البازار الدولي والاقليمي فماذا فعل؟

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: لنتصارح تحت قرص الشمس

نشر موقع “عربي بوست” خبرا يُفيدُ أنّ الوزير جبران باسيل نجح في عقد لقاء مع الموفد الاميركي آموس هوكسمان في برلين، طارحا عليه ربط السير في الاتفاق وانجاز الترسيم مقابل اسقاط العقوبات الاميركية عليه.

ويقول الرجل الشكاك الافاك ان الرد الاميركي على باسيل، كان الاشارةِ له، بسلوك طريق القضاء الاميركي، الذي على باسيل ان يرفع لديه دعوى قضائية ويثبت فيها بطلان الأسباب والأدلة التي اعتمدتها وزارة الخزانة الاميركية، لفرض عقوبات عليه، طبقا لقانون ماغنسكي الذي اقره الكونغرس الاميركي بغرفتيه. 

لكن باسيل لم يبد أية رغبة باللجوء الى القضاء الاميركي، متذرعا بأنَّ التقاضي في الولايات المتحدة الاميركية، مساراته طويلة بالزمن والوقت، وكلفته المالية عالية الأرقام وباهظة الثمن.

 ما رواه الرجل الشكاك الافاك، عن سعي باسيل ليكون جزءا من صفقة ايرانية اسرائيلية برعاية أميركية، وتتضمن رفع العقوبات الاميركية عن باسيل، ويجري من خلالها التخلي عن حقوق لبنان ومياهه وثرواته الطبيعية في الغاز والنفط.

وهذا ما أكَّده النائب السابق لمساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط، ديفيد شينكر، في مقابلة اجراها معه موقع ici Beyrouth  بتاريخ ١٦ /٢/ ٢٠٢٢ حين قال شنكر بشأن ترسيم الحدود البحرية: يكشف عن رغبة بعض أقطاب الحكومة اللبنانية في إبرام صفقة تتعلق بترسيم الحدود البحرية ترتبط بإلغاء العقوبات المفروضة على جبران باسيل؟! ما تشي به القراءات والتحليلات والاحداث، أنَّ ترتيباتٍ يجري تنفيذها، من فوق رؤوس اللبنانيين ومن وراء ظهورهم، اما المسيرات والطائرات التي تملأ الأجواء وتخطف الأبصار وترهب القلوب، فليست الا عراضة تستعمل كتعمية لمهانة التفريط!

سعي باسيل ليكون جزءا من صفقة ايرانية اسرائيلية برعاية أميركية وتتضمن رفع العقوبات الاميركية عن باسيل مقابل التنازلات النفطية


يحتاج اي لبناني صاحب عقل، الى معجزة او تنويم بسحر اسود، ليصدق مشهدا يجري عرضه وتبريره. المشهد ان السيد نصرالله وحزبه الذي مارس طويلا سياسة فرط الدولة اللبنانية، وانتهاك الدستور، وعطل اعمال مجالس النواب، ومنع تشكيل الحكومات على مدى سنوات، وقام بالتحكم بحركة المعابر الحدودية خلافا لصلاحيات سلطات لبنان واجهزته، وبالسيطرة على الرسوم الجمركية، واستهدف استقلالية القضاء اللبناني وعرقل التحقيقات في جرائم موصوفة، ووجه اصابع التشكيك للجيش اللبناني وللاجهزة الامنية، كما انتهك القانون الدولي وسيادة الدول العربية، ومارس التدخل الخارجي العسكري والسياسي في شؤونها، هذا الحزب يقف اليوم منضبطا طائعا خلف الجنرال ميشال عون وهو يتخلى عن الخط ٢٩…وليس سرا أن طاعة حزب الله  لم تكن يوما لحكومة لبنان ولا لرئيس جمهوريته، بل للولي الفقيه في طهران، وبذلك تتضح الهويات الحقيقية لاطراف الصفقة التي اهدرت حقوق لبنان، وجمعت مكاسبها في طهران.

السابق
«الأخبار» تُعيد «تمثيل» إغتيال لقمان..بـ«حبر» بارد!
التالي
سامي كلارك..رحيل صوت لبناني عالمي نابض بإيقاع الحياة