سعد الحريري.. «التعليق» ليس نهاية الطريق؟!

سعد الحريري

بعد حوالي الأسبوعين، على تعليق الرئيس سعد الحريري نشاطه السياسي ومعه تيار المستقبل، وما تركه هذا القرار من صدمة على الساحة السياسية اللبنانية، سواء بين مؤيديه أو خصومه، يبقى السؤال المطروح هو ماذا بعد، وما هي خارطة الطريق بعد التعليق، وما هي الخيارات المطروحة في ظل “التخلي” السعودي الواضح عنه، وما يحكى عن عدم رضى فرنسي عليه أيضا؟

اقرأ أيضاً: القصة الكاملة لـ«المقاومات» اللبنانية على «مد الوطن».. إختلاف واتفاق ودماء!


وكما على المستوى الوطني العام، كذلك الأمر على مستوى تيار المستقبل يطرح السؤال نفسه، خاصة وأن التيار يفترض بأنه الرافعة السياسية والشعبية، لمشروع رفيق الحريري القائم على منع تكرار الحرب الأهلية، وإعادة بناء دولة حديثة عبر تطبيق إتفاق الطائف، ومن ثم إطلاق عجلة التنمية بهدف تأمين حياة كريمة للبنانيين.

التيار يفترض بأنه الرافعة السياسية والشعبية لمشروع رفيق الحريري القائم على منع تكرار الحرب الأهلية


لا شك بأن سعد الحريري بهذا القرار، إنما كان يطوي مرحلة، من أصعب المراحل السياسية التي مرت على لبنان وأقساها دامت 17 عاما، مرحلة بدأت على دم والده الشهيد، وبدمعة على رجل إستثنائي بقامة رفيق الحريري، وإنتهت بدمعة على وطن أسمه لبنان، فشل الجميع في إخراجه من “البئر”، التي رُمي فيها في 14 شباط 2005، مرحلة كان فيها القليل القليل من الإنتصارات في بدايتها، والكثير الكثير من الأخطاء، التي كانت على شكل تسويات سياسية وتفاهمات وتنازلات، أدت – وبغض النظر عن النوايا التي قادت إليها، وهي نوايا طيبة بلا شك من جانب الحريري على الأقل، أدت إلى إنكسارات، أودت إلى ما وصلت إليه الأمور يوم 24 كانون الثاني الماضي.

لا شك بأن الحريري بهذا القرار،إنما كان يطوي مرحلة من أصعب المراحل السياسية التي مرت على لبنان وأقساها دامت 17 عاما


بداية نقول، بأن مصطلح تعليق العمل السياسي، هو مصطلح جديد على الحياة السياسية في لبنان، فهو أقل من إعتزال وأكثر من حرد – إذا صح التعبير – إلا إذا كان التعليق، هو بداية أو تمهيد للخروج النهائي من الحياة السياسية، أو مجرد صرخة إحتجاج بوجه الحلفاء والخصوم على حد سواء، لا تلبث أن ينتهي مفعولها، إذا ما تغيرت الظروف السياسية إقليميا وداخليا.

مصطلح تعليق العمل السياسي هو مصطلح جديد على الحياة السياسية في لبنان فهو أقل من إعتزال وأكثر من حرد


نعود للسؤال المطروح ماذا بعد؟ وما هي خيارات الحريري المستقبلية، خاصة في ظل “إصطناع التهيب” من غيابه عن الساحة، من قبل خصومه في محور 8 آذار والتيار الوطني الحر، بداعي ترك الساحة للتطرف، وهو كلام باطل يراد به باطل، وهو صبغ الطائفة السنية بصبغة التطرف من جهة، كما في ظل “التهافت”، كي لا نقول كلمة أخرى على محاولة وراثته وإستمالة جمهوره من جهة أخرى، سواء من داخل العائلة عن طريق الشقيق الأكبر بهاء، أو من داخل بيئته السنية، وما أكثر المتوثبين والمتنطحين، أو حتى من جانب الحلفاء السابقين في القوات اللبنانية، التي تحاول أن تطرح نفسها بديلا عنه في الداخل، ولدى الراعي الإقليمي السابق له، وهو بالطبع المملكة العربية السعودية، في مفارقة سياسية غريبة، إذ أن القوات هي من كان لها الدور الحاسم، في تزكية ميشال عون للرئاسة عبر إتفاق معراب، وهو الأمر الذي يؤخذ على سعد الحريري، وتسويته الرئاسية مع جبران باسيل، من قبل كل الأطراف الداخلية والخارجية، التي تناصبه الخصومة اليوم، بحجة تسليمه البلد لحزب الله وإيران.

الفارق الوحيد ربما بينه وبين القوات هو أنه كان في الصدارة بإعتباره رئيس الحكومة بينما القوات هي جزء منهاوبالتالي قد تكون مسؤوليتها أقل من وجهة نظر هؤلاء الخصوم


الفارق الوحيد ربما بينه وبين القوات، هو أنه كان في الصدارة بإعتباره رئيس الحكومة، بينما القوات هي جزء منها، وبالتالي قد تكون مسؤوليتها أقل، من وجهة نظر هؤلاء الخصوم، الذين يصطفون بأغلبيتهم اليوم مع القوات اللبنانية في تمييز سياسي مريب، ولكن السؤال هو، هل كان الأمر ليتغير مثلا لو أن القوات، هي التي كانت في موقع الصدارة في الحكومة؟ هذا هو السؤال الذي لا يجيب عليه أحد، في حمأة التنافس الإنتخابي والمزايدات السياسية والوطنية.
الواقع بأن الخيارات أمام سعد الحريري، على المستوى الوطني العام في الداخل اللبناني، محدودة إن لم تكن معدومة، نسبة لما طرحه من أسباب لتعليق نشاطه ونشاط تياره السياسي، التي إختصرها بثلاثة: تمكن النفوذ الإيراني من مفاصل الدولة اللبنانية، والتخبط الدولي إزاء هذا الواقع، والإنقسام الوطني اللبناني، وإستعار الجو الطائفي بسبب هذا النفوذ.

الخيارات مسدودة ليس فقط أمام سعد الحريري في الحقيقة بل أمام جميع الأفرقاء الذين يتلهون الآن بمسرحية الإنتخابات


فهذه الأسباب المتصلة ببعضها في الحقيقة، لن تتغير أو تتبدل بين ليلة وضحاها أو بسحر ساحر ، فالنفوذ الإيراني المدجج بالسلاح والتحالفات السياسية، لن ينتهي أو تخف وطأته على البلد، سوى بالخروج من حالة التخبط الدولي تجاهه، وإتخاذ القرار بوضع حد له أولاً، وثانياً بالتوافق الوطني حوله، والإتفاق حول سبل مواجهته، بعيداً عن السعار الطائفي والتسبب بحرب أهلية جديدة، لا تبقي ولا تذر، كما حصل ويحصل في دول المنطقة، حيث لإيران نفوذ فيها، وكما يهدد بها البعض للترهيب ربما في جانب، ويبدي البعض في الجانب الآخر، إستعداده ربما أيضاً للسير بها – ولو مرغما – سعياً وراء ما يعتبره خلاص للبلد من هذا السلاح . وهذان أمران – القرار الدولي والإتفاق الداخلي – ليسا في متناول اليد، أقله في المدى المتوسط، خاصة في ظل إنشغال العالم بمفاوضات فيينا، مع الطرف المعني بالموضوع وهو إيران، وكذلك بالأزمة المستجدة في أوروبا والعالم، التي تهدد بوضعه على فوهة بركان، قد يتسبب بحرب عالمية ثالثة في حال أي خطأ غير محسوب، ألا وهي الأزمة الأوكرانية مع روسيا.


من هنا نرى، بأن الأفق الداخلي هو مسدود، خاصة في ظل كل هذه الأزمات التي يعاني منها البلد، وبالتالي فالخيارات مسدودة ليس فقط أمام سعد الحريري في الحقيقة، بل أمام جميع الأفرقاء، الذين يتلهون الآن بمسرحية الإنتخابات النيابية، في محاولة لتقطيع الوقت، حتى تقضي التطورات الإقليمية أو الدولية.. أمراً كان مفعولا.
من هنا يمكن القول، بأن هذا التعليق اليوم لعمله السياسي وتياره، في ظل هذه الظروف، ليس نهاية العالم أو التيار أو سعد الحريري، كما حاول البعض من الخصوم وحتى المناصرين الإيحاء، ففي السياسة اللبنانية هناك دائما فرصة للعودة، إذا ما أحسن المرء قراءة ومتابعة التطورات والتفاعل معها، والمثابرة على تحقيق الهدف والتماسك التنظيمي، ووجود خصوم الرئيس الحريري اليوم من القوات اللبنانية إلى التيار الوطني الحر في الحياة السياسية، بعد إقصائهما في التسعينيات، هو أكبر دليل على ما نقول، بل يمكن القول أنه في ظل الظروف الحالية من الإنسداد، ربما يشكل هذا التعليق فرصة للتأمل والمراجعة ونقد الذات، والتفكير بإعادة الروح إلى مشروع رفيق الحريري، عبر البحث عن مكامن الخلل، في حركة التيار السياسية على مدى السنين الماضية، والتي أوصلت بالنهاية إلى قرار التعليق مؤخرا، سواء كان ذلك بسبب طغيان شخص سعد الحريري على التيار والتفرد بالقيادة، أو بسبب ضعف في كوادر وشخصيات التيار، سواء الحزبية منها أو الوزارية والنيابية، والتي يجب الإعتراف بأنها، وبإستثناءات قليلة لم تكن على مستوى الأحداث التي عصفت بلبنان والصراع السياسي الداخلي.

إعادة الروح إلى مشروع رفيق الحريري السياسي إنما يكون عبر إعادة بناء تيار المستقبل، على الأسس الوطنية العابرة للطوائف والمذاهب


إن إعادة الروح إلى مشروع رفيق الحريري السياسي، إنما يكون عبر إعادة بناء تيار المستقبل، على الأسس الوطنية العابرة للطوائف والمذاهب، التي يحملها فكر رفيق الحريري أولاً، والتي إفتقدها التيار في السنوات الأخيرة، للأسف، بحيث بات جزءا من “السيستم” اللبناني الذي صنفه ممثلاً للسنة وحسب، وكذلك عبر محاولة إستعادة كل الشخصيات والقوى، التي ناضلت وضحت في المرحلة الماضية، من ذوي الإرادات الطيبة، كما قال الرئيس الحريري في بيان عزوفه، والتي إبتعدت في الفترة الماضية لسبب أو لآخر، بعيدا عن الشخصيات الإنتهازية، التي كشفتها الأيام والأحداث والمِحَن والمطبات التي إعترت المسيرة. المطلوب اليوم هو العودة إلى الجذور، ونفض الغبار الذي تراكم على مدى السنوات الماضية، جراء تسارع الأحداث، والتي كانت بلا شك من أصعب السنوات وأقساها.
إن هذه الخطوات لكي تتم، هي بحاجة أولاً، إلى قناعة وإرادة الرئيس الحريري نفسه، في المراجعة الذاتية والإصلاح، وصولاً إلى التغيير ، كما أنها تعتمد على قابلية المستقبل كتنظيم وقيادات وكوادر، كذلك للمراجعة والنقد الذاتي عبر دراسة المرحلة السابقة بسلبياتها وإيجابياتها، وكذلك تقتضي البدء من القاعدة، وذلك بالعودة إلى الناس والإستماع إليها، هذه الناس التي لم تقصر، وقدمت الكثير من الدعم في كل مراحل الصراع السياسي في البلد، طيلة ال 17 عاما الماضية.

هذه الخطوات لكي تتم هي بحاجة أولاً إلى قناعة وإرادة الرئيس الحريري نفسه في المراجعة الذاتية والإصلاح وصولاً إلى التغيير


بهذه المراجعة وبهذه الروحية، يمكن إعادة الإنطلاق عبر وضع مشروع وبرنامج عمل وطني، يقوم على التمسك بالدستور وإحترام بنوده، والتوقف عن التعامل معه كوجهة نظر، ووقف التسويات والتنازلات المجانية التي تتم على حسابه، فالتنازل والتسويات يمكن أن تكون في الأمور السياسية اليومية، أو على مشاريع قوانين تتم معالجتها تحت سقف الدستور والقانون، كما أنها لا يمكن ولا يجب أن تكون، على حساب سيادة الدولة ووحدة أراضيها وقرارها في الحرب والسلم. كفى محاباة ومسايرة وتسويات ظرفية، يدفع الوطن والمواطن ثمنها غالياً، وتحقيق هذه الأمور ليس بالأمر السهل، في الظروف التي وصل إليها البلد، ولكنها بالمقابل ليست مستحيلة، إذا ما كان هناك صبر ومثابرة على النضال السلمي والشعبي، عبر توعية الناس التي قامت بدورها على أحسن وجه يوم 14 آذار 2005 مثلاً، ونجحت عبر التخطيط السلمي والسليم، وعبر حسن إدارة التحرك، في تحقيق الخروج السوري يومها، الذي كان أشبه بمعجزة يمكن أن تتكرر، إذا ما تهيأت لها الظروف الداخلية والخارجية الملائمة، وهنا يجب إعادة وصل ما إنقطع مع الدول العربية، من دون الدخول في محاور متقابلة، بل عبر الحياد الإيجابي، ليكون لبنان صلة وصل بين الجميع، ويلعب دوره كبلد عربي فاعل في محيطه، عبر الإلتزام بالقرارات العربية والدولية ذات الصلة، حتى تلك القرارات الإشكالية يمكن أن نجد لها حلاً عبر الجدية في الطرح وليس عبر سياسة “الشطارة”، التي باتت مكشوفة ومبتذلة، ولن تأتي إلا بالوبال على البلد.

هل يفعلها الرئيس الحريري وينفض عنه وعن تياره كل تراكمات المرحلة الماضية ويبدأ من جديد


فهل يفعلها الرئيس الحريري، وينفض عنه وعن تياره كل تراكمات المرحلة الماضية، ويبدأ من جديد، كما توحي بذلك قصة النسر التي نشرها على حسابه على مواقع التواصل، وهل التيار كتنظيم لديه القابلية والجهوزية لمواكبة هذا الأمر، وهل سيكون جمهوره متجاوبا معه كما العادة، أم أن التحديات والغياب عن مواقع السلطة التنفيذية والتشريعية، وفي ظل التنافس السياسي الحاد على الساحة السنية خاصة، خصوصا مع دخول بهاء الحريري بقوة على خط المنافسة وحلم الوراثة، ستفت من عضد هذا الجمهور ؟
أسئلة قد يطول الوقت أو يقصر، حتى تبدأ الأجوبة عليها بالتبلور، فهل تكون ذكرى 14 شباط مؤشرا على ما قد تؤول إليه الأمور. إن غدا لناظره قريب.


السابق
دعوة لـ«المظلومين عند كل استحقاق».. اعتصام للعسكريين المتقاعدين غدا!
التالي
مع بدء المشاورات مع صندوق النقد الدولي: هل الخصخصة هي الحل الأمثل؟