القادري ينعي «رفيقه» علي يوسف.. الثائر والمثقف والعروبي

نعي وفاة

نعى قاسم القادري صديقه ورفيقه الاستاذ علي يوسف (حمدان) ابن بلدة حانين الجنوبية، ومن “أبرز الوجوه في مجموعة نضالية صادقة الإنتماء ، زاخرة بالبذل والعطاء ، تربت على قيم التضحية والوفاء ، وانتسبت الى الأمة العربية الغراء ورسالتها الخالدة السمحاء ، وحملت شعاراتها الكبيرة العصماء ، وحلمت بتحرير فلسطين من العصابات الصهيونية السوداء ،هي منظمة حزب البعث العربي الاشتراكي ، احدى اعمدة حركة التحرر العربي الهادفة الى التحرر من الوصاية والتبعية والثائرة على التجزئة والطامحة الى تحقيق الوحدة والحرية والاشتراكية”، على حد تعبير القادري.

اضاف: “كان الرفيق علي في قلب هذه الحركة ، يستنهض الشباب في الجنوب ، وينشر الوعي في صفوف الناشئة ، مناهضا لسلطة المخابرات ونظام الاستئثار الطائفي ، منخرطا في حركة الفلاحين ضد الاقطاع في حانين والقنطرة وعكار ، وفي نضال المعلمين والطلاب لتطوير الوضع التربوي ، وعاملاً مع مزارعي التبغ في حركتهم ضد مستغلي اتعابهم وسارقي حقوقهم ، ومناضلاً مع الفلسطينين من اجل تحرير ارضهم واستعادة حقوقهم”.

وتابع: “كثيراً ما كان هدفاً للمخابرات التي كانت تتصدى لتلك التحركات ، حيث تعرض للتهديد والملاحقة والاعتقال والنقل التأديبي ، للتضييق على حركته وشل نشاطه…..إستشهاد رفيقيه واصف شرارة وأمين سعد ، زاده إصراراً على متابعة النضال ومضاعفة الجهود مع رفاقه في بنت جبيل وعيناتا وعين ابل وشقرا والمجدل والبازورية….ومختلف مدن وقرى. وبلدات بيروت وصيدا والنبطية وصور وبعلبك وطرابلس”.

وقال: “شكلت هزيمة ٦٧ المرة صدمة للرفيق علي كغيره من المناضلين والحركات والاحزاب العاملة في اطار حركة التحرر العربي ، حيث بدأ مع رفاقه يسلط الضوء على الأسباب العميقة لهذه الهزيمة ، مسقطاً المراهنة على الأنظمة في انجاز الوحدة والتحرير ، ومندفعاً باتجاه على الجماهير من خلال تنظيمها وتدريبها وتوحيدها وزجها في مواجهة طويلة الأمد مع الصهيونية والامبريالية ..
وجاءت الصدمة الثانية المتمثلة بسقوط منطق الحزب المفترض ان يكون قائداً للسلطة ، أمام منطق النظام الذي حول الحزب الى مجموعة مروجة ومدافعة عنه وعن رموزه وقادته .. كان علي يوسف من ابرز المناهضين لحكم العسكر والمخابرات ، ورفض مع رفاقه ان يكون تابعاً ومروجاً له ، واستمر مع رفاقه بالعمل بشكل مستقل في إطار الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية ، وكان يعبر عن افكاره وتوجهاته عبر جريدة الراية وعلى صفحات نشرة الوحدة ومجلة الوحدة وغيرها من الصحف والمجلات”.

اضاف: “مع بداية السبعينات وبعد الهزائم التي منيت بها الحركات القومية ، جنح الرفيق علي ورفاقه باتجاه تبني الماركسية اللينينية باعتبارها العقيدة العلمية ، عقيدة العمال والفلاحين والفقراء ، وتطعموا بافكارها الثورية الأممية والوانها الحمراء ، وكان الرفيق علي ممن تولوا تثقيف الأعضاء بهذه العقيدة ، والتعريف بها وشرح اهدافها وغاياتها …ومع بداية الثمانينات وسقوط الاتحاد السوفيتي ، ونتيجة النشاط الثقافي والعقائدي الذي كان يميز علي ورفاقه ،بدأت إعادة الاعتبار للعقيدة الاسلامية ، عقيدة الأمة وثقافتها وحضارتها وتاريخها ، العقيدة التي يمكن ان ان تشكل رافعة هذه الأمة في حركتها ، وازدادت القناعة باستحالة تقدمها الا من خلال هذا الإرث التاريخي…
كان علي يوسف في خضم هذه الانعطافات والتحولات ، منفتحاً على كل المتغيرات ، متقبلاً لكل الاطروحات والمقولات التي يشتم من خلالها علاجاً لأزماتنا او مخرجاً لمحنتنا، كما انه لم يكن سهلاً او منقاداً ومنجرفاً خلف الشعارات والمقولات الرائجة والجوفاء . كان يتمتع ببصيرة مشحونة بالذكاء ، وبأناة تتميز بالصبر والتفكير المعمق ، يدقق ويبحث ويتعرف قبل ان ينوي ويعتزم ويتصرف . كان ميلنا الى الثقافة وحب المعرفة يقربنا من بعضنا البعض ، تعرفت علو الاستاذ المناضل ، والمثقف الملتزم العامل، منذ اوائل الستينات ووجدت في شخصيته المفكر العافل ، والمؤمن الهاديء ، غالبا ما يبدأ كلامه ببيت من الشعر الحكمي، ليلخص فكرة ، او ليكون عبرة ، يمتاز بنظافة الكف ، وسلامة السلوك ، ووضوح الفكر ، واستقامة الأخلاق ، وهذا ما بوأه لأن يكون قدوة للعديد من المناضلين ، ونموذجاً للكثير من الثائرين”.

وتابع: “يرحل علي يوسف ، ولبنان غارق في أزماته ، والأمة العربية مفككة ومنقسمة ، وحركة النضال الوطني والقومي والاجتماعي متراجعة ومتهاوية ، والرفاق من حوله منهم من مضى بصمت وحزن ، ومنهم من ينتظر الرحيل..
يرحل علي يوسف وترحل معه كل الأحلام الكبيرة ، والاهداف العظيمة ، فلا وحدة وطنية ، ولا وحدة عربية. ،ولا وحدة اسلامية ، وقضية فلسطين لم تعد قضية العرب الأولى ، والتطبيع مع العدو لم يعد مستهجناً ومستنكراً عند الغالبية من انظمتنا وشعوبنا ، والانجازات الكبيرة والانتصارات العظيمة التي حققتها حركة المقاومة الاسلامية ، التي كنت تواليها وتدعمها وتباركها ، تتهددها اخطار صعود العصبيات المذهبية والطائفية والقطرية والاقليمية ، نتيجة الازمة الثقافية التي تعيشها امتنا ، والمتمثلة بالجمود والركود والتكرار والاجترار ، والعودة الى الماضي باساطيره وخرافاته ، بانقساماته وعصبياته وفتنه وامراضه”.

وختم: “حلمنا يا رفيق علي بثورة ثقافية متحررة وموحدة محورها الانسان في إطار عربي اسلامي انساني ، لم يزل حلماً بعيد المنال … نم قرير العين لروحك الطاهرة الف سلام”.

الراحل علي يوسف
السابق
طبارة لـ«جنوبية»: الرد اللبناني «أقصى الممكن» في ظل ضغوط «حزب الله»
التالي
ثبات بعداد وفيات كورونا في لبنان.. والإصابات بالآلاف!