«زلزال» انسحاب الحريري يتدحْرج..وهل بدأ «طبْخ» التمديد للبرلمان؟

احتجب «لهيبُ» العناوين السياسية والملفات المالية – المعيشية أمام العاصفة القطبية التي اجتاحت لبنان و«فرشتْه» بالأبيض من «رأسه حتى أخمص قدميه»، في مشهدية نادرةٍ سرقت الضوءَ والوهج من سود الأيام التي تتقلّب «بلاد الأرز»… على جمْرها.

وجاء «شال الثلج» الذي التفّ حول لبنان من الجبال حتى فقش الموج، أشبه بـ«بساط ريح» حَمَلَ أبناء الوطن الجريح فوق «أفواه البراكين» و«بوابات جهنّم» التي يترنّح على فوهاتها، إلى لوحات ساحرة وإن مضرجة بمواجع شعبٍ يئنّ من البرد والجوع.

عاصفةٌ خلّابة ستحفر في الذاكرة اللبنانية المدجّجة منذ 2020 بأزمات تنهش بـ«مخالبها» شعباً مازال متروكاً يصارع أعتى انهيارٍ شامل، ومسؤولوه يعاندون التقاط «طوق النجاة» التي تشكّله المبادرة الكويتية – الخليجية – العربية – الدولية لعجْزٍ عن فكّ الحبْل الذي يشتدّ حول عنقِ بلدٍ اقتيد إلى عين الأعاصير الإقليمية التي بات في مهبّها.

«ياسمين»، وهو الاسم الحَركي «غير الرسمي»، الذي أُطلق على «أميرة الثلج»، كست المرتفعات ابتداءً من ارتفاع 500 متر ولامست الشاطئ الذي عانقه «الرمل الأبيض» في جبيل وعمشيت والتحفه الأوتوستراد الساحلي في اتجاه الشمال كما طريق المطار، في حَدَثٍ «استنفر» العدسات ومواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التي هرعت لالتقاط المشاهد الآسرة حتى قبل أن تلتقط العاصفة أنفاسها، متفقّدة في الوقت نفسه أحوال بلدات جبلية عزلتْها الثلوج وناسها الذين أثقلتهم الأزمات وأهوالها وأطلق العديد منهم نداءات استغاثة لتأمين مازوتٍ، إما مفقود وإما يفوق قدرتهم على دفع تكلفته «الحارقة».

الواقع السياسي في لبنان لا يشي بانفراجاتٍ يُعتدّ بها على صعيد إنهاء مأزق علاقات بيروت مع دول الخليج العربي

وفي موازاة تَتَبُّع مسار «الجنرال ثلج» و«اجتياحه» الذي يستمرّ حتى اليوم ، بدا أن الواقع السياسي في لبنان لا يشي بانفراجاتٍ يُعتدّ بها، على صعيد إنهاء مأزق علاقات بيروت مع دول الخليج العربي والذي صار له «ممر إجباري» هو المبادرة الكويتية التي اعتُبرت بمثابة «تدويل» للأزمة والحلّ في «بلاد الأرز» ومعها، والتي تشكّل ما يشبه «مخرج الطوارئ» لها من رزمة الأزمات التي تنهكها والتي يتشابك فيها المالي – الاقتصادي بالسياسي المتصل بانخراط «حزب الله» في صراعات المنطقة وتحوّله عنصر تهديد لأمن بلدان مجلس التعاون واستقرارها، وفق المواقف المعلَنة والمباشرة منها.

وفي حين كان الردّ اللبناني الذي سيحمله وزير الخارجية عبدالله بوحبيب الى الكويت التي يزورها اليوم على أن يشارك أيضاً في اجتماع وزراء الخارجية العرب التشاوري فيها، يجول بين المقرّات الرئاسية للتوافق النهائي عليه، ساد تَرَقّب ثقيل لِما سيستتبع عدم قدرة «بلاد الأرز» على تقديم التزاماتٍ مباشرة ببتّ مسألة سلاح «حزب الله» وفق مندرجات القرار 1559 خصوصاً، ولا فرْض انسحابه من ساحات المنطقة، وهل سيكون ما بعد الجواب بـ «تدوير الزوايا»، ارتكازاً على مضمون البيان الوزاري لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي وبعض نصوص اتفاق الطائف، كما قبْله على مستوى «منسوب» الاستياء الخليجي من لبنان الرسمي والتعبيرات عنه، خصوصاً في ظل الاقتناع بأنّ «فترة السماح» ومرحلة التسامح مع بيروت انتهتْ في ضوء المنعطف الكبير والخطير الذي يقف الاقليم على مشارفه.

خشية من أن ينسحب أيّ تمديد لمجلس النواب على الانتخابات الرئاسية وهو ما يشي بأن البلاد تقف أمام مرحلة داخلية وخارجية بالغة الدقة

وفيما كان لبنان يَمْضي في مطاردة شحنات «الكبتاغون»، حيث تم أمس الاول ضبط نحو 12 طنّاً من المخدّرات في مرفأ بيروت مموّهة في صناديق من مسحوق الشراب (عصير) كانت متّجهة إلى السودان كمحطة أولى، وذلك من ضمن رسائل طمأنة تحاول بيروت توجيهها إلى الدول العربية والخليجية حيال جديتها في متابعة الملف الذي يُشكّل أحد عناصر الشكوى من انفلات الواقع الأمني في «بلاد الأرز» وتحويلها منصة لاستهدافها بالمخدرات (الى جانب «العدوان اللفظي والفعلي عليها»)، فإن ارتدادات زلزال إعلان الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري تعليق عمله في الحياة السياسية بدأت تُنْذِر بأن تتحوّل «كرة ثلج» قد يصعب ضبْط مساراتها أولاً في ضوء المعاني العميقة لهذه الخطوة «الجِراحية» وأبعادها السياسية والوطنية، وثانياً نظراً لتعدُّد أبواب «استثمارها» والنفاذ منها نحو «بنك أهداف» بأبعاد متداخلة.

ولعلّ أكثر تعبير عن هذا الواقع، الأجواء التي سادت بيروت عن بدء تَكَوُّن مناخٍ يدفع نحو تأجيل الانتخابات النيابية المقرَّرة في 15 مايو المقبل، وأن «تكوين الملف» لهذا الخيار انطلق، ارتكازاً على الطابع الدراماتيكي لانسحاب الحريري من اللعبة السياسية بما لذلك من تداعياتٍ رُبطت بمجمل وضعية المكوّن السني ودوره في التوازن الوطني لاسيما أن زعيم «المستقبل» يبقى الزعيم الأول في طائفته وأن انكفاءه وحزبه يمكن أن يُشكّل «عيْباً ميثاقياً».

إقرأ أيضاً: الورقة العربية.. السلطة «ترد» عن «حزب الله»!

وما عزّز هذا الاتجاه الذي ينطوي على تمديد للبرلمان، من خلف كل التحذيرات العربية والدولية بـ«اللعب» بالاستحقاق النيابي، الأجواء عن اتجاه أطراف أخرى من باب «التضامن» مع خطوة الحريري لتعليق مشاركتها كذلك في الانتخابات (مثل الحزب التقدمي الاشتراكي)، التي يخشاها أصلاً أطراف كثيرون باعتبار أنه ستخاض فيها أيضاً رئاسية 2022 وأن أكثر من فريق يدخلها بندوبِ خسائر المرحلة الماضية شعبياً وتحديداً منذ انتفاضة 17 أكتوبر 2019، لاسيما «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون)، وسط خشية من أن ينسحب أيّ تمديد لمجلس النواب على الانتخابات الرئاسية، وهو ما يشي بأن البلاد تقف أمام مرحلة داخلية وخارجية بالغة الدقة يُخشى أن يكون كل شيء فيها… مباحاً.

السابق
أجانب لبنان..«صامدون» في بلد الشقاء!
التالي
دار الفتوى تستعيد المبادرة السنية وحث على الانتخابات..وبهاء الحريري «يتسلل» خلف ارث والده!