حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: الفيل في مخزن الخزف!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

في الايام الأخيرة من حربِ تموز سنة ٢٠٠٦ صدرَ عن مجلس الأمن الدولي، القرار ١٧٠١ وقد تضمن تأكيداً للقرارات الدولية السابقة، التي صدرت عنه بخصوص لبنان، كما ورد في فقرته الثامنة ما يلي:يوجه ( مجلس الأمن)  نداءً إلى إسرائيل ولبنان، ليدعما وقفاً دائماً لإطلاق النار، وحلاً طويل الأمد يستند إلى المبادئ والعناصر التالية:

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: لا زعماء.. بل مدراء!

– احترامٌ صارمٌ من الجانبين للخط الأزرق

– اتخاذُ إجراءاتٍ أمنيةٍ، تمنعُ استئنافَ العمليات الحربية، وخصوصاً إقامةَ منطقة بين الخط الأزرق والليطاني خالية من أي مسلحين أو ممتلكات أو أسلحة، غير تلك التي تنشرها في المنطقة، الحكومة اللبنانية وقوة الطوارئ الدولية المسموح بها طبقاً للفقرة 11

-تطبيقٌ كاملٌ لبنود اتفاق الطائف والقرارين 1559 (2004) و1680 (2006)، اللذين يطالبان بنَزعِ أسلحةِ كل المجموعات المسلحة في لبنان، لتصبحَ الدولةُ اللبنانية وحدَها وطبقاً لقرار الحكومة اللبنانية في 27 تموز/يوليو 2006، تملكُ أسلحةً وتمارسُ سلطتَها في لبنان.

القوات الدولية طبقا للنص أعلاه، مهمتُها تنفيذُ القرار ١٧٠١، ومراقبةُ كل ممارسةٍ أو إجراءٍ يَنتهكُ أيَّ بندٍ من بنودِه، بما في ذلك انشاءُ منطقةٍ خاليةٍ من السلاحِ جنوبَ نهرِ الليطاني، هذا عملُها وحزبُ الله وافق على القرار ١٧٠١ المتضمن هذا النص، وشاركَ في كلِّ حكومات الوحدة الوطنية، التي تضمنت بياناتُها الوزارية، التزاماً دائماً ومتكرراً، باحترام القرار ١٧٠١ والالتزام بكافة مندرجاته، لذلك فإنَّ ما جرى في بلدة شقرا الجنوبية، حيث تم التصدي للقوات الدولية ومهاجمتها، كان فعلاً مبرمجاً ومخططاً له، وهو ليس من فِعْلِ الأهالي، بل من تنظيم حزبي، ادار على السواء عمليات التعدي وعمليات تهدئة الموقف ومنع ايذاء جنود الFINUL.

اهالي الجنوب لا يحملون أيَّ عداء للقوات الدولية، لا في التفاصيل ولا بالموقف الاجمالي

هذا ليس جمهورا تتحملُ مسؤولياتِ أعمالِه الطائفة الشيعية، أو أهالي شقرا، او سكان الجنوب، هذا عملٌ قامَ به جهاز تنظيمي في حزب الله على الارجح. هذه الشطارة او المناورات لا تمر على أحد، لا على قوات الأمم المتحدة، وقيادة وحداتها العسكرية، ولا على مخابرات الجيش في الجنوب، أو على قيادة الجيش العليا على وجه العموم، ولذلك فان أقل المطلوب اليوم، أنْ يُسَطِّر المدعي العام العسكري في الجنوب، مذكرةً لإجراءِ تحقيقٍ في هذه الحادثة، ولمعرفة من دبرها وخطط لها، ومن قام بالاعتداء على آليات القوات الدولية وعناصرها، وليُنَفَّذَ القانونُ اللبناني بحقه، وسنرى انهم لم يكونوا “الأهالي” ولا سكان شقرا المواطنين، لان اهالي الجنوب لا يحملون أيَّ عداء للقوات الدولية، لا في التفاصيل ولا بالموقف الاجمالي.

على العكس تماما فقد بنت هذه القوات، طوال سنين تواجدها على أرض الجنوب العزيز، علاقات ود وتعاون مع عموم السكان، وساهمت من خلال برامجها ومشاريعها، بخدمات واسعة في مجالات الصحة والارشاد الزراعي والبيطري، والتعاون مع بلديات القرى، اضافة لتحريك عجلة الاقتصاد الريفي والتنمية المستدامة.

لا يقتصر امر زعزعة الهدوء في الجنوب، على حوادث الضغط والتحرش بدوريات اليونيفيل، تحت يافطة الاهالي، بل يضاف الى ذلك ما ظهر من مؤشرات خطيرة، بعد حادثة تفجير مخزنِ عتادٍ عسكري في ملجأ مسجد في مخيم البرج الشمالي الفلسطيني، والذي أدَّى، بحسب ما ورد في بعض أجهزة الإعلام،  الى مقتل أحدِ خبراء الصواريخِ في حركة حماس الاسلامية. ويتبدَّى الخطرُ جلياً في ضوء حقيقة معروفة، بأنَّ حماس لا تمارسُ أيِّ نشاطٍ عسكري قتالي، خارج أرض فلسطين، وهو أمرٌ التزمت الحركة فيه منذ تأسيسها، حيث امتنعتْ حماس خارج تدابيرَ حراسةٍ محدودة وفردية لقياداتها، من إنشاء اي قوات عسكرية خارج فلسطين، وامتنعت عن ممارسة اي هجومات عسكرية، عابرة للحدود العربية باتجاه الداخل الفلسطيني. لذلك يصبح السؤال ملحا وحرجا! 

هل هذا هو قرار ايراني جديد يفتح الباب  لإمكانية فتح جبهة الجنوب اللبنانية للمواجهة العسكرية مع اسرائيل؟

ما هو مبرر تخزين صواريخ في مخيم البرج الشمالي، وما هو مبرر التدريب عليها؟ وبأية ظروف انفجرت وتسببت بمقتل خبير في إطلاقها وتخزينها؟!فهل نستهل مرحلة يصبح فيها ممكنا ومتاحا لحركة حماس، ممارسةُ قصف صاروخي على اسرائيل انطلاقا من جنوب لبنان؟ وما هي علاقة ايران بذلك؟ وهل هذا هو قرار ايراني جديد؟! يفتح الباب  لإمكانية فتح جبهة الجنوب اللبنانية للمواجهة العسكرية مع اسرائيل، بسلاح ايراني تحمله وتطلقه سواعد فلسطينية!

ما يجعل هذا الامر محتملا، هو أنَّ  الطائفة الشيعية قد تعبت من انخراطها في أجندة الولي الفقيه، واصبح انضواء حزب الله في استراتيجية ايران، وفي لعبة تعزيز اوراق تفاوضها وتوسيع نفوذها، يثير تبرما ورفضا داخل لبنان، وفي صفوف ابناء الطائفة الشيعية ذاتها، ولعل قيادة فيلق القدس ادركت ان نتائج دفع حزب الله، الى التلويح بإمكانية جر لبنان الى حرب جديدة خدمة لايران في مفاوضات فيينا، قد تكون مفاعيلها السياسية خسارة صافية للحزب وحلفائه، ولكل من  يتولى او يبرر اشعالها، لذلك فان ادخال المخيمات الفلسطينية كبديل احتياطي،  يلعب ما يفترض ان يقوم  حزب الله ذاته به، هو حاجة ايرانية بامتياز.

سئمنا العنتريات والتقلب والمناورات السمجة والمكشوفة

وبالعودة الى القرار الدولي ١٧٠١،  كاطار مناسب ومجد تعمل من خلاله القوات الدولية في جنوب لبنان،  على حفظ الأمن والاستقرار على جانبي الحدود، وهو استقرار يحفظ مصالح أهل الجنوب، ومصالح شعب لبنان ودولته الوطنية، وعلى الرغم من كل ذلك  لا بد من القول؛ اذا كان حزب الله لا يريد ال 1701، وهو يضمن أمن الجنوب ضد اسرائيل بعد انسحاب القوات الدولية،  فليعلن ذلك، وليردع اسرائيل دون قوات دولية ويؤمن سلامة اهالي الجنوب، لأننا سئمنا العنتريات والتقلب والمناورات السمجة والمكشوفة…

فالتذرع الساذج الذي يحتقر ذكاء كل الناس، بأن أفراد القوات الدولية يقومون بتصوير مواقع لصالح اسرائيل ويتهمهم بالتجسس، هو أمر مضحك، فالجواسيس الذين أعلن عن اكتشافهم في كنف حزب الله وصفوفه، أكثر من أن تحصى أعدادهم، ودول العالم التي لديها قوات عاملة في جنوب لبنان، إضافة لاسرائيل تملكُ أقمارا اصطناعية بمقدورها من خلالها، تصوير علبة السردين في دكانة بقالة في بلدة شقرا !!!

حزب الله في لبنان “اشبه ب فيل داخل مخزن خزف” كل ما تحرك يتسبب في دمار يحل

المحزن أن حزب الله يعلم كل ذلك، ولكنه يتجاهله ويسخر من سامعيه ومتابعيه، ويدفع باتجاه احراج القوات الدولية، كرد على زيارة أمين عام الأمم المتحدة الى لبنان، واستنكارا لتصريحاته، واعتباره ان حزب الله في لبنان “اشبه ب فيل داخل مخزن خزف”، كل ما تحرك يتسبب في دمار يحل.

ما هو أدهى من هذ الواقع، ان مخزن الخزف هذا الذي ضاق بحركة الفيل الأول وتحطم مرارا، يواجه رغبة ” أصحاب الفيلة” لإدخال فيل إضافي آخر…

السابق
«الثنائي» يَفتعل مناسبات لشد عصب الجنوبيين..و«صرخة جوع» لعائلات عسكر البقاع!
التالي
بعد رواتب الدولار.. هل فرض وزير التربية على الأساتذة الحضور إلى عملهم؟