علي شمعوني.. آخر وجه بحار جنوبي فينيقي يغيب!

علي شمعوني بحار

وجهُ بحّارٍ قديم يغيب ، بعد أن امتلك البحر وأمواجه وسفنه، وما فيه من حب وعجب وعجائب وأساطير. لؤلؤة القاع والأعماق، البحّار اللبناني الجنوبي علي شمعوني، ابن مدينة صور، واجه صخب البحر وأمواجه العاتية. عرف البحر وحفظ عواصفه وحكاياته القديمة، وعلى مدى ثمانين عاماً، مخر بحر العالم في مركبه، فارق الحياة يوم الإثنين الفائت عن عمر ناهز التسعين عام، تاركاً إرثه البحري الكبير في أرض روحه وقلبه ووطنه ،ارثا ملأ مكانه وزمانه.

اقرأ أيضاً: صباح فخري.. صوت لا يغادر الحياة!


آخر البحّارة الصوريين في القرن الـعشرين. آخر بحّارٍ من جيل لبناني- فينيقي بعد أن أمضى أغلب عمره في خوض غمار البحار ، بمركب شراعي تجاري أو مع باخرة شحن للنقل البحري، كما أمضى أكثر من عشرين سنة مرشداً لإرساء السفن في مرفأ مدينته صور.
عباس شمعوني الابن الاكبر للبحار الراحل، يقول: “في عام 1938 عاش والدي حياة مضاعفة وغريبة، حافلة بالمغامرات ، فقد تولّد لديه عشقاً غريباً لخوض عباب البحر، فمنذ طفولته، وكان عمره لم يتجاوز السنوات العشر ، أخذته رياح القدر، على مركب شراعي لنقل البضائع ما بين ميناء صور،١١ ومينائي دمياط وبورسعيد في مصر وإلى فلسطين وقبرص وتركيا، ناقلاً هذا المركب محاصيل قرى “جبل عامل” من التين المجفف والخرنوب والزعتر، والآتي من موانئ مصر محملاً إلى صور: الرز والسكر والحصر والزجاج، والمواد الأولية للتنجيد وسواها من الحاجات”.

أما علي عباس شمعوني حفيد الراحل والمُهاجر في افريقيا، فيقول ل “جنوبية”، “جدّي هو آخر البحارين الصوريين، جال العالم في البحر والبحار والمحيطات الضاربة، عمل حتى عام 2014، ومع هذا كان يومياً يتوجه إلى ميناء صور، وكان يحب رؤية الصياديين والبحر. كما رُزق جدي بـثمانية أولاد 4 شبان و4 فتيات، ولديه عدد كبير من الأحفاد”.


أضاف : “عاش جدي الرحلات البحرية بكل تفاصيلها، وأزماتها وأيامها الصعبة والتي كانت تنظّم سنوياً ما بين( أبريل ونوفمبر)، أما بقيّة أشهر السنة فكان يعمل يومياً دون توقف ب”صيد السمك” سارحاً مع “فلوكة” والده، لم يستكن يوماً، بل اندمج حباً بعالم البحار الواسع حتى أصبح البحر عالمه الخاص الساحر”.
في عام 1953 نال الراحل وسام الاستحقاق اللبناني من قبل رئيس الجمهورية اللبنانية كميل شمعون نظراً لكفاءته وجدارته وجرأته، في إنقاذ 8 بحارة مصريين كانوا على متن مركب مصري محملاً 300 طن ملح، متجهاً من دمياط إلى بيروت وفاجأتهم عاصفة بحرية.
وفي عام 1967 وبسبب “حرب النكسة” توقفت الملاحة البحرية، وتوقف عمل المركب مما اضطر شمعوني للسفر والهجرة والعمل في مهنته كبحّار رئيسي، في بواخر شحن يونانية تتنقل بين مرافئ بلاد البحر المتوسط ومرافئ فرنسا وإنجلترا وغيرها”.
في عام 1975 قام بإحضار “بابور” اسمه حسناء من ميناء بيروت، لأجل نقل البضائع من وإلى صور ـ مصر، وهكذا عادت رحلاته البحرية، بعدها عمل واشتغل كمرشد متمرّس، في كيفية إرساء السفن والبواخر قرب سنسول الميناء”.
رحل الشمعوني بعد أن أتمّ عقده التاسع، ودُفن في مدينته صور، بالقرب من البحر الذي كانهُ.

السابق
المستشفيات تدق ناقوس الخطر.. كارثة صحية في غضون ايام!
التالي
مذكرة من خمس رؤساء الى غوتيريش.. ماذا جاء فيها؟