«الكازينو» أصدق إنباء من السياسة!

ياسين شبلي

لعل “أصدق” ما قامت به هذه الطبقة السياسية مؤخرا، ويؤشر لأدق وصف لواقع البلد حالياً أكثر من أي وقت مضى، هو هذا التحالف أو التوافق في إنتخابات موظفي وعمال كازينو لبنان، حيث كان التحالف بين الثنائي الشيعي ممثلا بحركة أمل – على إعتبار الكازينو “رجس من عمل الشيطان” بالنسبة لحزب الله – وبين تحالف ” الثلاثي ” المسيحي المكون من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وتيار المردة، بحيث جسَّد هذا التحالف أو لنقل التوافق في هذه الإنتخابات، صورة مصغرة عن كيفية إدارة البلد داخليا وخارجيا .

إقرأ أيضاً: القصة الكاملة لـ«المقاومات» اللبنانية على «مد الوطن».. إختلاف واتفاق ودماء!

داخليا من حيث إطباق أطراف تفاهم مار مخايل، وبالتالي قوى الثامن من آذار، على قرار البلد أقله منذ العام 2011 ، يوم الإنقلاب على حكومة سعد الحريري وما تلاه من تطورات، ساهمت بنقل السلطة من كفة التفاهم السني – الشيعي، الذي طبع الحياة السياسية منذ إتفاق الطائف برعاية سعودية – سورية واضحة، وعدم ممانعة إيرانية مُقَنّعة، بعد أن كانت قبل الحرب ومنذ إستقلال لبنان، في كفة التفاهم الماروني – السني ، نقلها إلى كفة التفاهم الشيعي – الماروني برعاية إيرانية – سورية هذه المرة، بحيث كان هذا التفاهم الجديد، بداية إخراج العامل العربي من المشهد السياسي، الذي كان يمثله عادة في لبنان المكون السني بصورة أساسية، مع بعض الأحزاب القومية واليسارية العلمانية، التي أما هُمِّشت في فترة الإحتلال السوري للبنان، وأما دُجِّنت بإسم المقاومة والممانعة. المثير في الأمر، أن إطباق هذا المحور على القرار اللبناني، لم يكن ليتم أو ينجح، بمعزل عن أحد أطراف، ما كان يسمى بقوى الرابع عشر من أذار، في كل مرحلة من المراحل، وحسب التطورات السياسية والظروف التي تتحكم بها.

جسَّد هذا التحالف في إنتخابات عمال الكازينو صورة مصغرة عن كيفية إدارة البلد داخليا وخارجيا


كانت البداية مع وليد جنبلاط في العام 2011، ولو عبر سلاح القمصان السود يومها، ومن ثم مع سعد الحريري إبتداء من العام 2014، تحت شعار ربط النزاع وملأ الفراغ الرئاسي في البلد، عبر طرح إسم سليمان فرنجية كحل وسط بين ميشال عون وسمير جعجع، الأمر الذي إستفز رئيس حزب القوات اللبنانية جعجع، وعلى طريقة “عليَّ وعلى أعدائي” قام بالتوقيع على إتفاق معراب، وزَكّى ميشال عون للرئاسة الأولى، وكان ما كان حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.

بعض الناس لا زالت تصدقهم وتتبعهم مقابل وظيفة متواضعة في هذا “الكازينو” كحارس أو نادل أو ربما “شبيح”

خارجيا، أوصلت تصرفات وممارسات هذه الطبقة السياسية، إلى تكريس صورة البلد، الذي هو منذ إستقلاله تقريبا، ولو نسبياً، أشبه بكازينو تجري على أرضه عمليات مقامرة، بأموال وأرواح ومصالح الشعب اللبناني، لصالح أطراف خارجية تجني المكاسب الكبرى إقليميا ودوليا ، مقابل “كوميسيون” ،أي عمولة، تحصل عليها أطراف هذه السلطة، كل بحسب حجمه ودوره في عملية المقامرة، وهذه العمولة، تكون تارة على شكل سلاح يرضي غرور ” البيئة “، وتفوقها النوعي ويزيد من فائض قوتها، أمام خصومها في الداخل وأعدائها في الخارج، وتارة أموال طازجة ترضي أطماع بيئة أخرى، ويوزع جزء يسير منها على المناصرين، على شكل كرتونة إعاشة لكسب ودهم، ودعمهم في الإنتخابات وغيرها من الإستحقاقات ، أو على شكل مازوت سياسي “نظيف”، يستخدم لتدفئة بعض الموالين المحظيين في ليالي الشتاء الباردة، ويرفع من معنوياتهم، بعد أن تحول المازوت الى “سلاح إستراتيجي”، ودخل حلبة التحدي بالحديث عن كسر الحصار، الممتد من إيران إلى لبنان، الذي “كَبُر” وإزدادت مساحته، لتشمل البواخر الآتية من إيران، إلى الموانئ السورية تحت سمع وبصر “الإمبريالية الأميركية وصنيعتها إسرائيل”، بعد أن دُمِّر مرفأ بيروت على يد “مجهول”، ودمرت معه أية إمكانية للحكم في لبنان، إذ أنه ومنذ الإنفجار، ولبنان بدون حكومة فعلياً، ويسير بتصريف الأعمال، بعد إستقالة حكومة حسان دياب، ومحاولات تشكيل حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري، أهدرت سنة من عمر لبنان واللبنانيين، بسبب المراهنات على طاولة الكازينو، تارة على المقامر الفرنسي وأخرى على الإيراني، وثالثة على السعودي الذي يبدو أنه أُحرِج فأُخرج من الصالة، بعد أن فقد أو تخلى هو عن “أوراقه”، ولم يعد لديه ما يخسره على هذه الطاولة، إلى حكومة نجيب ميقاتي التي ولدت على عجل، في لحظة “هدنة” سريعة بين اللاعبين لم تدم طويلا، فكانت ولادتها غير صحية ما أدخلها “غرفة الإنعاش”، قبل أن تصبح قادرة على السير، على خلفية القضية نفسها، ألا وهي قضية المرفأ والتحقيقات الجارية بشأنها، والتداعيات التي خلفتها، أهمها أحداث الطيونة التي زادت الطين بلة، لتتوالى الأزمات من قضية وزير الإعلام السابق جورج قرداحي إلى قضية قانون الإنتخاب والطعن به، إلى قضية التعيينات اليوم، ومحاولة “قبع” حاكم البنك المركزي رياض سلامة، التي يقوم بها ويقايض عليها وقانون الإنتخاب، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مقابل “قبع”، أو ربما إيجاد تسوية لقضية القاضي طارق البيطار، الأمر الذي يؤكد عقم المراهنة على هذه الطبقة السياسية، التي إعتادت المقامرة واللعب بمصير البلد والناس في بحثها عن زيادة عمولتها من المناصب والمراكز، غير آبهة بما يعانيه المواطن في حياته اليومية من مصاعب، ما يدعو إلى التساؤل عن معنى هذه المعارك الإفتراضية، بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، التي يخوضها الجانبان بشراسة، وعن سبب الأحداث في الطيونة وتفسيرها بين القوات اللبنانية والثنائي الشيعي، وهي التي أسالت الدماء وكادت أن تعود بالبلد إلى عشية 13 نيسان 1975، وعن لزوم هذا الإشتباك السياسي الدائم بين التيار الوطني الحر وتيار المردة، ما معنى كل هذه الممارسات إذا عادت هذه الأطراف وتحالفت مع بعضها البعض في إنتخابات كازينو لبنان وغيرها من الإستحقاقات، أين المنطق في كل ما يحدث، أين المبادئ والقيم والتنافس الحزبي الشفاف والشريف من كل ما يحدث؟ إنها لعبة المقامرة يا سادة فوق الطاولة، ولغة المصالح المشتركة والمحاصصة، وتناتش كعكة السلطة من “تحت الطاولة” كوكلاء في الداخل، عن مجموعة مصالح و “وكالات” أجنبية في الخارج، تتصالح فيتصالحون، وتتضارب فيتضاربون، بقوت الشعب ومصالحه تحت شعارات طائفية ومذهبية كديدنهم في شد العصب، والمصيبة الأكبر، بأن بعض الناس لا زالت تصدقهم وتتبعهم مقابل وظيفة متواضعة في هذا “الكازينو” كحارس أو نادل أو ربما “شبيح” ، دون أن يعي هؤلاء، بأن المقامرة على الطاولة في الكازينو، الذي يحمون رواده من اللاعبين ويقدمون لهم الخدمات، إنما تتم على حساب حاضرهم ومستقبل أبنائهم وحقهم في وطن حقيقي، وطبيعي كغيره من الأوطان لا أكثر، وليس كازينو للمقامرة كما يراه بعض هؤلاء” المقامرين” بمصير البلد، كل حسب أهوائه السياسية وإرتباطاته الخارجية، أو فندقا للمسامرة كما يراه البعض الآخر، من “المتاجرين” بمصير الناس، أو خندقا للمقاولة والإيجار كما يراه البعض الثالث، من “المرتزقة القتلة” الذين يسوقون أحلامنا إلى حتفها.

كشفت تحالفات الكازينو مرة أخرى زيف هذه الطبقة السياسية ومَكّرَها وهذا ليس بجديد بالطبع


لقد كشفت تحالفات الكازينو مرة أخرى، زيف هذه الطبقة السياسية ومَكّرَها، وهذا ليس بجديد بالطبع، لكن الوقاحة هذه المرة بلغت مستوى عالٍ، من الإستهانة بعقول الناس والإستهتار بهم، في الوقت الذي يعطلون مجلس الوزراء ويمنعونه من الإنعقاد، وفي الوقت الذي يستمر فيه تدهور قيمة الليرة، بحيث وصل سعر صرف الدولار إلى عتبة 30 ألف ليرة لبنانية، وفي الوقت الذي لم تجف بعد دماء الناس، التي أريقت على الإسفلت في الطيونة، نراهم يتحالفون ويشربون نخب فوزهم في نقابة المحررين، ونقابة موظفي وعمال الكازينو، وقبلها نقابة المحامين، في مؤشر على ما ينتظر البلد والناس، من تحالفات تحت الطاولة وفوقها في الإنتخابات النيابية المقبلة، وما الغبار الذي يثيرونه حول قانون الإنتخاب وتاريخ الإستحقاق، سوى ذر للرماد في العيون للتعمية على تحاصصهم ، وهي أساليب خبرناها سابقاً، وهي جزء من عدة الشغل أو بالأحرى “عدة النصب” الإنتخابية المعتادة، فحذارِ الركون إلى وعودهم أو تصديق إدعاءاتهم، فما هم سوى مافيا متعددة الوجوه والرؤوس، مصلحتهم واحدة وهدفهم واحد، بعضهم يرفد بعض بالمواقف عالية السقف، وبعضهم يغذي البعض الآخر بممارسات على الأرض، إنهم يرضعون من نفس الثدي، ثدي الفساد والإرتهان للخارج بمحاوره المتعددة.

سنبقى مجرد أوراق و”فِيَش” على طاولة قمار في كازينو كان من قبل على شكل وطن أسمه لبنان


هذا الواقع الصعب لن يتغير إن لم يكن الشعب لهم بالمرصاد، عبر وحدته الوطنية، ووحدة أهدافه النابعة من وحدة معاناته كما يفترض، وذلك عبر نزع هالة القداسة والزعامة عنهم بداية، ومن ثم نزع الشرعية الشعبية عنهم وعن أزلامهم في الإنتخابات المقبلة، ولو بالحد الأدنى، ومنحها لمن يستحقها من بعض الأوادم والمخلصين، من أصحاب المشاريع الوطنية الواضحة والصريحة، بغض النظر عن طائفتهم ومذهبهم الديني أو السياسي، ولو على سبيل التجربة والتغيير، فلم يعد لدينا ما نخسره. بغير ذلك لن يقوم للوطن قائمة، ولن نستعيده من براثن هذه العصابة، وسنبقى مجرد أوراق و”فِيَش” على طاولة قمار في كازينو، كان من قبل على شكل وطن أسمه لبنان.

السابق
وكيل زعيتر وحسن خليل «يرابط» امام مكتب البيطار.. ما السبب؟
التالي
تمديد التعبئة العامة لغاية هذا التاريخ!