مسرة لـ«جنوبية»: لا يجوز لـ«الدستوري» الامتناع عن القرار!

انطوان مسرة
لا يمكن إستثناء أي مؤسسة دستورية، من حالة التحلل التي تصيب مرافق الدولة، والاخطر أن هذا الامر بات واقعا مقبولا من الجميع، والدليل هو الكلام العلني والصريح عن صفقة سياسية كانت ستحكم قرار المجلس الدستوري اليوم، ليتبين لاحقا أن "اللاقرار" الذي صدر هو نتيجة تأثير السياسة على القضاء.

ليس من المبالغة القول أن “اللا قرار” الذي توصل إليه المجلس الدستوري، بشأن الطعن المقدم من كتلة لبنان القوي حول قانون الانتخاب، سيكون محطة أساسية في مسار التأزم السياسي والقضائي والاقتصادي، الحاصل في البلاد منذ أكثر من عامين. إذ أن “اللاقرار” الذي صدر سيسعّر العراك الحاصل بين القوى السياسية، وسيعطي دليلا آخر على أن القضاء اللبناني في أعلى مراتبه، أي المجلس الدستوري، يصيبه ما يصيبه من السلطة السياسية وتدخلاتها، حاله كحال كل المؤسسات الدستورية  التي تعمل في البلاد .

إذا “الدستوري” قال كلمته اليوم وإعترف رئيسه أن ما حصل هو “سقطة”، وبغض النظر عن اسماء القضاة الذين كان لهم الرأي المخالف عن زملائهم،  والمداولات التي جرت على مدى 7 جلسات، وتبعات هذا الامر على الأزمة الحكومية، ولاحقا المعيشية، التي ستشتد وطأتها على اللبنانيين، فما يجدر التوقف عنده هو الكلام العلني والمُباح الذي إستمر لمدة أسبوع بأن هناك “صفقة سياسية” بين قوى السلطة وتحديدا بين رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، ستؤدي إلى إصدار “الدستوري” القرار القضائي، بما ضيتناغم مع هذه الصفقة، مع ما يعني ذلك من ضرب لمفهوم التجرد والحيادية، الذي من المفروض أن يحكم أعلى سلطة قضائية في لبنان، وهذا ما يوافق عليه العضو السابق في المجلس الدستوري الدكتور أنطوان مسرة الذي يقول ل”جنوبية” :”ما يثير اليأس بعض الاقاويل التي تمّ تداولها، عن صفقة حصلت بين المجلس الدستوي وبعض الجهات السياسية، شخصيا لا أريد التعليق على صحة هذه الاقاويل، ولكن من الخطير جدا جدا في لبنان أن يتم التشكيك في مؤسسة قضائية عليا”، معتبرا أن “هذا يُبين مدى التدهور في ذهنيتنا اللبنانية، ولا يجوز أبدا التشكيك في أعلى هيئة دستورية في لبنان،  وهذا لا يحصل في أي بلد في العالم، ومجرد التشكيك، يؤشر إلى مدى تدهور الحالة القضائية في لبنان وفي إدراك الناس الجماعي”.

يضيف:” هذا تشكيك يتطلب جوابا واضحا من قبل الهيئات المعنية، وقد صدر بعض الاجوبة، علما أنه حصل تشكيك في القضاء في ما يتعلق بملف التحقيق  بمرفأ بيروت وهذا أمر سيء جدا”، ويلفت إلى أن “ما هو أسوأ أن بعض الناس يتقبلون هذا التشكيك وتحصل مبارزات قانونية، علما أن هذا التشكيك مرتبط  بالسلطات الشرعية في لبنان، وهنا من المسؤول عن حماية السلطات الشرعية في لبنان.. وهذا هو السؤال الكبير”.

لا يجوز أن تدخل السياسة في عمل “الدستوري” والذهنية اللبنانية تدل على درجة كبيرة من التبعية  

يشدد مسرة على أنه “لا يجوز أن تدخل السياسة في عمل المجلس، لأن أعضاء المجلس الدستوري هم أشخاص في قمة وظيفتهم المهنية، وتبوأوا مراكز عليا ومن المفروض أن يتمتعوا بإستقلالية كاملة، وأكثريتهم من القضاة والمحامين والاساتذة في الحقوق المخضرمين”، معتبرا أن “الوضع في لبنان والذهنية اللبنانية  تدل على أن هناك درجة كبيرة من التبعية والاستزلام والمحسوبية، وهذا ما أوصلنا اليوم على ما نحن عليه من الكارثة  وهذه الذهنية يجب معالجتها لعدم الاستتباع والزبائنية”.

ويشرح أنه “في آلية عمل المجلس الدستوري تفرض تأمين نصاب 8 أعضاء من أصل 10، ولا يؤخذ اي قرار بالاجماع، إلا بأكثرية 7 أعضاء، ويصبح نافذا أو يؤدي الإنقسام الى عدم إتخاذ قرار،١ وفي هذه الحالة يكون القانون ساري المفعول”، لافتا إلى أنه “أثناء عضويته في المجلس التي إستمرت 10 أعوام (2009-2019) كان يقترح في حال إستحالة إتخاذ القرار، بنشر وقائع الجلسة، وهذا جائز في الالية التي تحكم عمل المجلس، و لكن لم يحصل اي إجماع على إقتراحه”.

في حال إستحالة إتخاذ القرار لتُنشر وقائع الجلسة لإعلام الرأي العام

ويوضح أن “الحكمة من إقتراحه، هي تمكين الرأي العام من معرفة المداولات التي حصلت، و الاسباب القانونية مع الحفاظ على سرية الاسماء إذا أراد القضاة ذلك، ولكن هناك مبدأ عام في القانون وهو “عدم الامتناع عن الحكم”، وهذا يعني أنه لا يجوز لأي هيئة قضائية الامتناع عن الحكم، ولكن في حال  تعذر الحصول على أكثرية من الافضل نشر محضر بالوقائع التي جرت “.

ويشرح أن “اللاقرار هذه المرة في المجلس الدستوري هو بالفعل قرار! انه يضمن اجراء الانتخابات في موعدها! أان المهل الدستورية الزامية واسقاطية ومرتبطة بالشرعية والهدف من تقديم الطعن والمخاطر في قبوله هو تأجيل الانتخابات”، معتبرا أن “لاقرار المجلس الدستوري هو في الحالة الراهنة وعمليًا قرار مهم، لانه يضمن اجراء الانتخابات في مواعيدها بالرغم من شوائب عديدة في قانون الانتخابات وبالرغم من المصالح الفئوية في التأجيل”.

 ويختم:”كل أعمال المجلس الدستوري خلال السنوات السابقة (حين كنت عضوا) منشورة بأكثر من 12 مجلد وفيها أقصى درجة من الوضوح والشفافية والتوضيحات، ونشرنا مختلف قرارات المجلس الدستوري في 3 أجزاء كما كتبت مذكراتي حول تجربتي في المجلس”.

السابق
عداد الإصابات بكورونا يقترب من الألفين.. ماذا عن الوفيات؟
التالي
خيبة في الشارع العوني من «حزب الله».. وخليل ينعي اتفاق مارمخايل!