العراق.. أسئلة الفوضى والانتفاضة

مصطفى فحص

يصعب على الطبقة السياسية العراقية الإدراك بأن عقارب الساعة لاتعود إلى الوراء، وأنه من المستحيل العودة إلى ما قبل الأول من تشرين 2019، وبأن صفقة سياسية  تستنسخ تسوية 2018 ستواجه بتشرينية ثانية، خصوصا وأن احتمالات انتفاضة جديدة لم تعد فقط خلف الأبواب بل أن نتائج الانتخابات وكيفية تعاطي المهزومين معها ومحاولة اغتيال الكاظمي جعلت التشرينيين على أعتاب انتفاضة ثانية، أو بمعنى آخر أن ما يحدث منذ العاشر من أكتوبر فتح الأبواب كافة نحو الإنتفاضة.

اقرا ايضا: أزمة العلاقات اللبنانية ـ الخليجية تراوح مكانها

في الوقت المستقطع ما بين التسوية والانتفاضة، تراهن بعض القوى الخاسرة في الانتخابات على الفوضى، كورقة تهديد تستخدمها للضغط على جميع الأطراف الداخلية والخارجية المعنية بالحفاظ، ولو نسبيا، على الاستقرارين السياسي والأمني، باعتبار أن اللعب على حافة الهاوية قد يمكنها من استعادة حصتها في السلطة بعيدا عن نتائج الانتخابات، تحت ذريعة أنها “مزورة”.

الإصرار على موقف أن الانتخابات “مزورة”، يعني أن هذه القوى تريد الذهاب إلى تسوية بشروطها وهذا شبه مستحيل، خصوصا وأن محاولات الالتفاف على النتائج هو ليس لعبا على حافة الهاوية بل هو خطوة فعلية إلى الهاوية، لأن هذه القوى غير المتماسكة تتصرف أصلا مع هذه الأزمة من منطلقاتها الخاصة النفعية بالرغم من شكلها التنسيقي الذي يمكن أن يتفتت ويصبح عدة إطارات، إذا حصل أي طرف على ما يرضيه بعيدا عما يريد الإطار التنسيقي. وهذا يبرز في تغريدة السياسي العراقي المستقل عزت الشاهبندر بقوله “إذا لم يتماسك أطراف الإطار فسيُبتلعون ولا يبقى لأحد منهم أي اعتبار” .

فعليا، شروط الإطار التنسيقي للتسوية تهيئ لفوضى قد تنقلب في أي لحظة إلى فوضى مسلحة، بسبب مطالبها التعجيزية التي تستفز فيها الأطراف الأخرى، التي ترفض المس بنتائج الانتخابات أو الطعن بها. فهذه الأطراف كانت، من موقع المنتصر، مستعدة لتقديم تنازلات مدروسة من أجل تجنيب العراق الفوضى، لكن بعد محاولة اغتيال الكاظمي والتصعيد السياسي ورفع الخاسرين سقف مطالبهم، تراجعت فرص التسوية، وبات الطرف المنتصر أكثر تمسكا بموقعه وأشد تماسكا في موقفه.

بالنسبة للقوى المهزومة في الانتخابات، “إما أن نشارك باللعبة مناصفة وإما أن نقوم بتخريب الملعب”، مهما كانت النتائج مأساوية. فهي رفعت سقف التحدي إلى مستوى كسر العظم، بسبب اشتراطاتها التي تتمحور إما في إلغاء نتائج الانتخابات والدعوة إلى انتخابات جديدة، وإما الحصول على حصتها في السلطة بعيدا عن نتائج الانتخابات، تحديد الأسماء التي يمكن أن تتولى منصب رئيس الوزراء، واشتراط منع أن يكون الكاظمي أحد هذه الأسماء، ما أثار حفيظة الطرف الأقوى الذي يبدو أنه بات أقرب إلى المواجهة من التسوية.

عمليا، حالة الإنكار التي تمر بها القوى الخاسرة ستؤدي حتما إلى المواجهة. فالتسوية على نسق 2018 ستؤمن استقرارا محدودا لأن الرد عليها سيكون في تشرين جديدة، تكون ردة فعلها مرتبطة باسم رئيس الوزراء. فإذا تمكنت هذه القوى من فرض اسم من داخل صندوقها فستعجل بأمرين: الأول ردة فعل تشرينية سريعة أو انقسام داخل أركان التسوية والانسحاب منها. وإذا حدث وجرت التسوية باسم من خارج الصندوق، فإن أركان التسوية يحصلون على وقت إضافي قبل اندلاع مواجهة فيما بينهم أو انتفاضة جديدة أكثر عنفا.

في النهاية، وصلت الطبقة السياسية الشيعية في العراق إلى الحائط المسدود، وباتت تبحث عن حلول غير تقليدية، وحصرت نفسها بخيارات أحلاها مر. وبسبب تعنتها تأخذ العراق والعراقيين إلى اقتتال داخلي، داخل مكون واحد.

السابق
بعد استعراضات «التهويل».. الجميل يهاجم «حزب الله»: «حالة شاذّة» تقسيمية!
التالي
هذا ما جاء في مقدمات النشرات المسائية ليوم السبت 13/11/2021