في حضرة الشيخ النابغة العلايلي..والغائب المظلوم لقمان!

العلامة عبد الله العلايلي

ربع قرن بالتمام والكمال مضى على رحيل الشيخ عبدالله العلايلي (1914-1996) عمر هائل مضى، وما زال الشيخ ماثلا في عيني ، يلاحق بصيرتي كما لو أنه هنا، في دائرة ظلي وأيامي. قرن مضى ولم يزل حضور الشيخ الجليل وازناً في اللغة والثقافة العربية. ويشار بالبنان إلى عمق بيانه، وأفق انفتاحه وأهمية دوره، وسعة معرفته.

لا أنسى ولا يمكنني أن أنسى زياراتي العديدة له في منزله في حيّ البطريركية في بيروت سنة 1993 وقبلها. وفي كل لقاء معه لم أصدق أنني كنت في حضرة النابغة الأسطورة.

أذكره وأتخيل الزمن الذي التقيته به في جلسات كثيرة، متربّعاً أمام طاولته الصغيرة. كـأنّه ناسك الكهف في صومعة وسط المدينة.

ولا أنسى إحدى لقاءاتي معه ، برفقة الغائب المظلوم لقمان سليم وشقيقته رشا الأمير. التقينا به في صباح بيروتي شتوي بارد، وكان المطر حينها فاعلا فعله ، ودخلنا الى الشيخ الجليل وكان دافئا أمام طاولته، وعصاه الطويلة بيده ، وجدران الكتب من حوله تزنر وقته.وأذكر جيدا وأتذكر جوابه الخلاق عندما سألته رشا عني وقالت له هل تعرف اسماعيل فقيه، الشاعر البرتقالي الذي يجالسك الآن؟

قرن مضى ولم يزل حضور الشيخ الجليل العلايلي وازناً في اللغة والثقافة العربية

لم يتردد الشيخ الكريم بالجواب الصارم،”نعم أعرفه وأعرف مدى علاقته بالفكر والشعر، ولكنني لست من محبذي الشعر الحديث..” ونظر اليّ نظرة اعتذار ومحبة. ضحك حينها لقمان وقال بصوته المنغم، اسماعيل “غُرّ من أغرار الشعر الحديث”. ثم تحلقنا حوله وبدأنا حوارنا الذي امتد لساعتين وبزخم عامر، وأجوبة الشيخ على أسئلتنا “كرجة مي”.

إقرأ ايضاً: بعد «الإنزال» بالوقود..«المعامل الإيرانية» تكهْرب بيروت!

كان إماماً في محرابه ، زارع الورد في حديقة لا تفنى. والكتب مزدانة له وهو يزينها بعينيه وعصاه. ورأيت في داخله جذوة مشتعلة تجري وتبحث وتسبق وتضيء الجهات. رأيته قنديلاً ونوراً لا ينضب.

ومرة قصدته لحوار خاص لجريدة النهار بعد أن كلّفني الشاعر شوقي أبي شقرا بإجراء حوار معه للصفحة الثقافية التي كنت أكتب فيها. ويومها، بعدما انجزت حواري معه ، شعرت بأنني حققت نصرا ظافرا في الحياة.

1995 بدأت صحته تتدهور وأحياناً يصعب عليه النطق. وكان لا يفوته أبداً إذا لم تسعف الذاكرة أن يشير إلى الكتاب المرصوف على هذا الرف أو ذاك وإلى الفصل وأحياناً الصفحة. ورغم مرضه وتعبه الجسدي كان يصر على متابعة اللغة والفكر، ولم يبخل بأجوبته الباذخة مستهدفاً المعنى المرتجى:

“مقوم اللغة أساساً في وجودها، أن تفكر، وكونك تفكر فأنت لغوي. إن إمكان التفكير يستند إلى اللغة التي تستخدم في إبراز عناصر الفكر، ففرض إنسان بدون لغة معناه فرض إنسان بلا تفكير”.

السابق
كباش «حزب الله» والمحقق العدلي تابع..البيطار يُوقف علي حسن خليل غيابياً ويُعلّق تحقيقاته موقتاً!
التالي
Judge Bitar Issues a Warrant for Ali Hassan Khalil as Right Before his investigation is Once Again Temporarily Suspended !