لبنان بين «راجح» الحصار.. و«أرجوحة» النفط!

ياسين شبلي
كان الأسبوع الماضي في لبنان أسبوع النفط والغاز بإمتياز، بحيث طغى هذا الواقع على "إنجاز" ولادة الحكومة بعد 13 شهر من التعطيل. كانت البداية، بدخول صهاريج حزب الله المحملة بالمازوت الإيراني إلى لبنان، لينتهي بالإعلان عن أن إسرائيل وقعت عقدا مع شركة هاليبرتون الأميركية، بهدف "تطوير الخدمات" داخل المنطقة البحرية، "المتنازع عليها" مع لبنان ، مرورا بوصول باخرة الفيول العراقي، المتعاقد عليه رسميا بين حكومتي لبنان والعراق.

جاءت هذه التطورات تكملة لما سبقها  في هذا الملف، منذ أن أعلن حزب الله عزمه إستقدام بواخر الوقود من إيران بحجة “الحصار” المضروب على لبنان، بغض النظر عن النتائج المترتبة على هكذا قرار، نتيجة خرق الحظر المفروض على صادرات النفط الإيرانية، وما تبعه من إعلان أميركي عن السماح بمرور الغاز المصري إلى لبنان، عبر الأراضي السورية، فضلا عن توقيع إتفاقية الفيول مع الجانب العراقي. 

اقرأ أيضاً: الحكومة.. ثقة «شعبوية» يتوجس منها الشعب!

المفارقة، أنه في حين دخل الفيول العراقي إلى لبنان بهدوء وبلا ضجيج، وهو الآتي من خلال إتفاق بين دولتين بطريقة طبيعية وشرعية، وبتسهيلات من دولة العراق الشقيق لمساعدة الشعب اللبناني على تخطي بعض أزماته، في مبادرة  تستدعي كل الشكر والتقدير للعراق حكومة وشعبا، وكذلك مرت الإجتماعات العربية في الأردن لمتابعة موضوع الغاز المصري إلى لبنان مرور الكرام. في هذا الوقت دخلت طوابير الصهاريج الإيرانية  من سوريا ب “طنة ورنة” وإحتفالات تخللها نثر الأرز – في هذه الظروف المعيشية الصعبة – وإطلاق نار وقذائف إحتفالا بما سمي “كسر الحصار”، وهو ما يؤشر بوضوح بأن هذا المازوت بشكل أو بآخر  هو “مازوت سياسي” أكثر منه محاولة للمساعدة بحل بعض أزمات الشعب اللبناني، كما هو حال الفيول العراقي، وهو أمر معروف في كثير من الأوساط وليس بسر على أية حال، بإستثناء طبعا بيئة حزب الله المؤدلجة والمبرمجة على  الإنتصارات، كل ما “دق الكوز بالجرة” كما يقولون.

في حين دخل الفيول العراقي إلى لبنان بهدوء وبلا ضجيج دخلت طوابير الصهاريج الإيرانية  من سوريا ب، “طنة ورنة” وإحتفالات

بدأت القصة بإشاعة جو من التضليل، بأن ما يجري في لبنان من إنهيار، إنما هو بفعل حصار أميركي، بعدما إنتهى مفعول حفلة التضليل الأولى، التي بدأت بإتهام ثورة 17 تشرين بإنها تمويل سفارات، وبأنها هي من يتسبب بقطع الطرقات ومعها أرزاق الناس، وذلك بعد أن نجحت السلطة بجعل الثورة تنكفئ، بفعل القمع الرسمي عبر المؤسسات الأمنية الشرعية، والميليشياوي عبر “فوج الموتسيكلات” وصرخات “شيعة شيعة شيعة”، فكان أن ظهر زيف هذا التضليل، بإستمرار الأزمات وتصاعدها، لتصل حد دخول البلد مرحلة الطوابير على محطات الوقود وأمام الأفران، ونقص في الدواء وغلاء في الأسعار، فكانت الحلول الترقيعية بداية في بيئة حزب الله عبر بطاقة “السجاد”، لتتمدد لاحقا وتُعَمَم رسميا تحت إسم البطاقة التمويلية على مستوى كل لبنان، والتي لم يبدأ العمل بها بعد، وربما لن يبدأ قبل الدخول في الزمن الإنتخابي.

مع فشل الحلول الترقيعية تلك كان لا بد من “شماعة” جديدة تعلق عليها كل هذه الإخفاقات وأي شماعة أفضل من شماعة أميركا

مع فشل الحلول الترقيعية تلك كان لا بد من “شماعة” جديدة، تعلق عليها كل هذه الإخفاقات خاصة مع تعطيل تشكيل الحكومة، وأي شماعة أفضل من شماعة أميركا، وأي سبب أفضل من إختراع “وهم” جديد بإسم الحصار، يدغدغ أحاسيس العزيمة والتحدي لدى جمهور “المقاومة” المستدامة، الذي لا يكلف نفسه عناء السؤال أو الإستفسار عن أي حصار يتكلمون، في حين أن البواخر المحملة بالوقود راسية في البحر قبالة الشاطئ اللبناني، بإنتظار فتح الإعتمادات الأمر الذي ينسف “خبرية” الحصار من أساسها، هي التي تذكرنا بخبرية “راجح” في عمل الرحابنة، وعن أي حصار يتكلمون وبنوك العالم أجمع، لا تزال تتعاون مع النظام المصرفي اللبناني دون أية عوائق، وكذلك شركات تحويل الأموال، والأمثلة كثيرة.

بدأ تعميم الحديث عن “الحصار” عبر الأبواق المعروفة، المنتشرة على شاشات التلفزة اللبنانية تمهيدا لظهور “المنقذ”، وإعلانه بأن حزب الله سيأتي بالوقود من إيران – المحاصرة – ليفك الحصار – كذا – عن لبنان وشعبه، “وخلي حدا يقلنا لأ”، وهاجت البيئة وماجت وإشتد العصب، وكان العاشر من محرم – يا للمصادفة – لإعلان إنطلاق أولى البواخر من إيران، مع تحذير من التعرض لها بإعتبارها أرضا لبنانية، ل “تنفجر” الجماهير عزة وكرامة وتحدٍ، وليرتفع فائض العنفوان دون أن يسأل أحد نفسه، لماذا الآن بعد أن أفلس لبنان، ما أضطر حاكم البنك المركزي اللبناني رياض سلامة إلى وقف الدعم عن المحروقات، وكيف سيتم توزيعها في لبنان، وهل هي هبة مثلا، كما كان أغلب الظن، وبأنها ستكون تقدمة من “شعب الثورة في إيران لشعب المقاومة في لبنان”، كما يروج عادة، ليتبين لاحقا بأنها مجرد صفقة تجارية، كغيرها من البواخر الراسية مقابل الشاطئ اللبناني، قام بها بعض التجار الشيعة هذه المرة كما أعلنت إيران، وبأنها سترسو في ميناء بانياس السوري، لتنقل براً عبر صهاريج إلى داخل الأراضي اللبنانية، وهو ما حصل لاحقاً دون أي إعتبار للحكومة اللبنانية، ولتعلن بعدها محطات الأمانة التابعة لحزب الله، بيع الصفيحة بأقل من السعر الرسمي الذي أعلنته وزارة الطاقة اللبنانية، بعد رفع الدعم عن المحروقات ب 40 ألف ليرة لبنانية، فقط مع بعض الإستثناءات والمكرمات لبعض المؤسسات، لزوم الإستثمار السياسي على طريقة “الزكاة” ربما، وهي التي دخلت الأراضي اللبنانية دون دفع أي قرش كضريبة للجمارك،  لترسو الأمور على أن الأمر كله لا يعدو كونه “تنفيسة”، وبأن الحصار الوحيد الذي “كُسر” جزئياً، إنما هو الحصار على صادرات إيران من النفط ب”قبة باط” أميركية على ما يبدو، تزامنت مع إعلان أميركا موافقتها أيضاَ على إستيراد الغاز المصري وجره إلى لبنان عبر سوريا، الأمر الذي فُسر بأنه لتسهيل مهمة الوسيط الفرنسي مع إيران، بغية تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، بعد أن وصلت الأمور إلى طريق مسدود، ووجدت الأطراف جميعها نفسها بحاجة لفترة إلتقاط أنفاس، وترتيب أوراق للمرحلة المقبلة، خاصة بعد التطورات في أفغانستان، وهذا ما أكده بعض نواب حزب الله بقولهم، بأن البواخر لم تأتِ للبنان فقط بالوقود بل بالحكومة أيضاً، وهكذا دخلت البواخر في سجل “الإنتصارات”، التي لا تأتي للأسف كما يبدو، إلا على حساب الدولة اللبنانية وسمعتها، فخرق الحصار على إيران جاء هذه المرة أيضاً، عبر تكريس كسر هيبة وسيادة الدولة اللبنانية، في “معركة دونكيشوتية” لا لزوم لها، قائمة على ” خبرية – وهم ” تسمى الحصار أطلقناها وصدقناها، وهي تذكرنا بذلك الإطفائي الذي يشعل الحرائق، ليعود ويهرع لإطفاءها وسط تهليل وتصفيق الجماهير، في الوقت الذي يسعى – وهو هنا حزب الله – إلى تثبيت وتوسيع دائرة “دولته” الموازية.

الحصار الوحيد الذي “كُسر” جزئياً إنما هو الحصار على صادرات إيران من النفط ب”قبة باط” أميركية على ما يبدو

فبعد مؤسساته العسكرية والأمنية التي لا يختلف إثنان، على أنها تُطبِق على القرار في لبنان بدرجة كبيرة، وبعد مؤسسته المالية الموازية للبنك المركزي وهي مؤسسة القرض الحسن، ها هو يدخل سوق المحروقات من بابه الواسع  بحجة تأمين حاجات الشعب اللبناني، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع بأن المشكلة في مكان آخر.في هذه الأثناء يخوض عدونا معنا معركة حقيقية، يقودها بكل خبث وصمت دون إدعاء بطولات، بل على العكس، يخوضها وهو يظهر نفسه للرأي العام في موقع المعتدى عليه. 

في الوقت الذي كنا نحتفل فيه بوصول الصهاريج الإيرانية كان هو يوقع عقد مع إحدى أكبر الشركات الأميركية في منطقة مفروض أنها متنازع عليها مع لبنان

ففي الوقت الذي كنا نحتفل فيه بوصول صهاريج المازوت الإيراني، بإطلاق الرصاص والقذائف والأرز، كان هو يوقع عقد تطوير خدمات مع إحدى أكبر الشركات الأميركية في منطقة  مفروض أنها متنازع عليها مع لبنان، وبسببها تعثرت مفاوضات الترسيم منذ أربعة أشهر، في الوقت الذي تتعامل فيه السلطات اللبنانية مع الموضوع، بطريقة غير مفهومة عبر عدم توقيع المرسوم 6433، وتقديم الإحداثيات للأمم المتحدة بشكل ينذر بخلق “مزارع شبعا” أخرى في البحر، هذه المرة بعد البر، وهو ما ليس في صالح لبنان على المدى الطويل، كما هو الحال على الحدود مع سوريا، التي كان من المفروض البدء بترسيمها بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، ولكن التلهي بالخلافات والمحاصصة في مراكز الدولة، جعلت المنظومة الحاكمة تهمل كل ما يعنى بسيادة الدولة وحدودها، الأمر الذي سهل على حزب الله تثبيت مشروعه والسير به قدماً، حتى بتنا جزءا لا يتجزأ من صراع إقليمي، ندفع نحن فيه الأثمان الباهظة نيابة عن غيرنا، مقابل شعارات وبطولات لا تسمن ولا تغني من جوع، وهو وضع بات من الصعب الخروج منه، دون خسائر كبيرة قد تمس الكيان نفسه، بحيث سيبقى مصير لبنان وشعبه معلقا على صليب المصالح والمساومات الإقليمية إلى أجل غير مسمى، وسيظهر لنا في كل فترة وعند كل منعطف “راجح” جديد، نعد له ما أستطعنا من معارك “دونكيشوتية” ننتصر في نهاية كل منها إفتراضياً، بينما يحقق العدو فيها تقدماً على أرض الواقع في السياسة والأمن والإقتصاد، كما حصل مؤخرا بإفتتاحه ميناء جديد للحاويات في حيفا، بينما نحن لا زلنا نختلف على جنس “الشياطين”، الذين تسببوا بكارثة مرفأ بيروت منذ عام، دون حتى الحديث عن إعادة تأهيله فضلا عن وضع الخطط، لذلك وهو الأمر الذي يحتاج لسنوات عدة يكون فيها “إللي ضرب ضرب وإللي هرب هرب” كما يقول المثل العامي، وبعد كل هذا يأتونك بحكومة “مسخ” يسمونها حكومة “معا للإنقاذ”، لا تعدو كونها فيلم قصير لتمرير الوقت، بإنتظار أكثر من “راجح” سيطل علينا، تمهيدا للإنتخابات، إن لم يحصل ما يؤجلها أو يلغيها.. وإنا منتظرون!             

السابق
زلزال تهديد «حزب الله» للبيطار لم يصل لوزير الداخلية.. المولوي: «لا علم لي»!
التالي
بالصور: للمرة الثانية مدينة صور تنجو من مأساة!