لبنان في محيط هائج وعيْنه على المحيطين الهادئ والهندي!

نجيب ميقاتي

بين المحيطيْن الهندي والهادئ، والبحر الأحمر، والبحر الأبيض (المتوسط) ترتسم لوحةُ متحوّلاتٍ متعدّدة البُعد تُرْخي بظلالها على انطلاقة الحكومة اللبنانية الجديدة التي يُنتظر أن تنال ثقةَ البرلمان غداً لتنطلق محاولةُ وقْفِ مسارِ الارتطام المميت لـ «التاتيتنيك»، وسط خشيةٍ من ملامح سياسة «طمْر الرأس في المياه» التي تعتمدها السلطاتُ في بيروت بإزاء «تسونامي الانهيار» الذي أوشك أن يجرف البلاد بمَن فيها عشية الإفراج عن تشكيلة الـ 24 وزيراً في 10 الجاري.

ولأن لبنان موصولٌ عبر «الأوعية المتصلة» بكل «صفائح» المنطقة بامتداداتها الدولية، لم تَبْدُ أزمة الغواصات بين باريس وكل من أركان تحالف «اوكوس» بعيدة في ارتداداتها عن المحيط الجيو – سياسي الذي تطبع تموجاتُه الواقعَ اللبناني.

وفيما كان العالم مُنْهَمِكاً بقياس مَعاني قيام جبهة شراكة أمنية بين الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا في منطقة المحيطيْن الهندي والهادئ بوصفها تحولاً هو الأكبر في بنيان التحالفات الدولية والأبرز منذ انتهاء الحرب الباردة، فإن هذا التطور الـ (ما فوق عادي) الذي بدتْ معه فرنسا في مرمى «النيران الصديقة» و«الأضرار الجانبية» لاستراتيجية واشنطن الخارجية التي تركّز على ردع واحتواء الصعود الصيني سرعان ما أثار في بيروت علامات استفهام كبرى بإزاء تداعيات بدء إدارة الرئيس جو بايدن ترجمة معاودة رسْم أولوياتها وهل سيكون ذلك على حساب «الأولوية الإيرانية» لشركائها وحلفائها في الشرق الأوسط وكيفية إدارتها مجمل هذه الخيوط التي تشكّل شبكة مصالح حيوية وإن وفق جدول أهمية متفاوت.

وإذ كانت دوائر متابعة تدعو إلى ترقُّب الارتدادات الديبلوماسية المتدحرجة لـ «حرب النفوذ» في المحيطين الهندي والهادئ والخشية من أن تُطْلِق «سباق تسلُّح» على وقع تفاقم «المواجهة الباردة» بين التنين الصيني والنسر الأميركي، وسط توقعات بأن تحضر هذه الأزمة المتعددة الجانب والتي تطل على اتفاقات وشراكات مع الاتحاد الاوروبي وداخل حلف «الناتو» في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ابتداء من الثلاثاء، فإن لبنان الذي سيغيب عن هذه الاجتماعات بعدما اختار المشاركة عبر تقنية الفيديو بكلمة للرئيس ميشال عون بحجة التقشف في ظل الانهيار المالي بدا مهتماً بـ «حلف اوكوس» من زاوية ما سيتركه من تأثيراتٍ على رقعة الشطرنج الأقرب التي يتحرك عليها واقعه البالغ التعقيد.

شبكة «حزب الله» المالية والنزاع البحري مع إسرائيل يدهمان حكومة ميقاتي

وفي هذا السياق ترى الدوائر المتابعة أن اندفاعة واشنطن على «ضفة المحيطيْن» تطرح أسئلة حول إذا كانت إدارة بايدن ستترك فراغاً في المنطقة «الملتهبة» في ساحات عدة وما حدوده ومَن سيملأه، وهو ما يعني لبنان الذي يتلمّس طريق الخروج من الحفرة المالية عبر حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي يعتقد كثيرون أنها وُلدت في لحظة انعدام وزن اقليمي – دولي سبقت المنعطف الاستثنائي الذي قادته واشنطن في صراعها مع الصين.

إقرأ أيضاً: بعدسة «جنوبية»: فوضى«السرفيس» والتسعير.. «بدنا نعيش»!

وإذ كان التغاضي الأميركي عن الخطوة الكاسرة للتوازنات والعقوبات التي يشكلها إدخال مشتقات نفطية إيرانية إلى «حزب الله» عبر سورية (استمر دخول الصهاريج المحمّلة بشحنات من أول باخرة مازوت) اعتُبر أقوى إشارة إلى تعاطي واشنطن مع الواقع اللبناني وموازين القوى فيه وفق ديبلوماسية مرنة ومتعددة السقف يحكمها عنوان عدم ترْك بلاد الأرز فريسة الفوضى الشاملة، فإن تحديات كبرى ترتسم تباعاً حيال مدى قدرة حكومة ميقاتي على التقاط الفرصة الخارجية بإصلاحاتٍ تشكل «العين» التي ينظر من خلالها الاتحاد الاوروبي للوضع في لبنان وأفق إنقاذه، في موازاة «عين» عربية وخليجية خصوصاً لم تنفك تقاربه إلا من زواية مدى تخَفُّفه من ثقل «حزب الله» في التحكم بمفاصل القرار، وهو ما لم يُعطِ شكل الحكومة الوليدة أي إشارة في اتجاه إمكان «تغيير حرف فيه».

وفي حين اعتبرت أوساط سياسية أن كلام ميقاتي عبر شبكة «سي أن أن» رداً على سؤال حول إدخال النفط الإيراني «أنا حزين على انتهاك سيادة لبنان، ولكن ليس لدي خوف من عقوبات علينا لأن العملية تمت بمعزل عن الحكومة» يؤكد المؤكد للخارج بأن الدولةَ اللبنانيةَ «صُوَرية» و«فاقدة للسيطرة» على قرارها، دعت إلى رصْد معاني اللقاء الثلاثي الرفيع السعودي – القطري – الإماراتي في البحر الأحمر والذي يتعيّن قراءته من زاوية أن الخليج «جسم واحد»، وهذا ما ستكون له إسقاطات، كانت معروفة أصلاً، على أي مقاربةٍ للوضع في «بلاد الأرز» في ضوء رهان ميقاتي على أن يكون «النأي بالنفس» الرسمي عن «التمدد» الإيراني في الواقع اللبناني (عبر سفن الوقود) كافياً لفتْح أبواب الخليج التي يحاول طرْقها معتقداً أن بالإمكان أن يأتي الجواب من أحدها بمعزل عن الآخر.

وفي هذا الإطار، وبعدما كان ميقاتي بدا أكثر من مرة وكأنه يسعى لـ «إغراقٍ مبكّر» للكويت في مسارِ دعم منفرد للبنان من بوابة قطاع الكهرباء، شكّل الكشف عن شبكة مالية تغسل عشرات ملايين من الدولارات لـ «حزب الله» في عدادها كويتيون (ومقرها لبنان والكويت) وفرضت الخزانة الأميركية عقوبات عليهم ما يشبه «الصفعة» للحكومة اللبنانية الجديدة التي ستجد نفسها مجدداً أمام عنوان «اختراق» دول خليجية في نشاطات أمنية أو مالية يصعب أن تمرّ من دون ارتدادات ديبلوماسية – سياسية.

وإذ كان لبنان يتخبّط في بدايات مشوار فرْملة الانهيار الشامل، دهمتْه خطوة اسرائيلية في «البحر المتنازع» عليه، مع إعلان شركة «هاليبرتون» الأميركية فوزها بعقد لتنفيذ حملة حفر من ثلاث إلى خمس آبار لمصلحة شركة Energean (في حقل كاريش وأخواته)، في تطور أحيا ملف ترسيم الحدود البحرية بين بيروت وتل أبيب والذي كان وقع أسير مزايداتٍ سياسية لبنانية أفضت إلى تعليق المفاوضات التي تتم برعاية أميركية ومن الأمم المتحدة، في ظل عدم توافق لبناني على خط الترسيم الذي جرى تمديده من 23 إلى 29 ولكن من دون إقران ذلك باكتمال توقيع تعديل المرسوم 6433 وإيداعه الأمم المتحدة لتوسيع الرقعة المتنازع عليها من نحو 860 كيلومتراً مربعاً إلى 2290 بما يعني شطر حقل كاريش إلى شطرين بحيث يصبح شمال كاريش في المنطقة الاقتصاديّة اللبنانيّة الخالصة.

 إسرائيل تقدّمت على لبنان في «سباق التنقيب» وبري وميقاتي يتحركان

وتعليقاً على «التقارير الواردة حول فوز هاليبرتون بعقد للتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وفلسطين المحتلة»، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري، وزارة الخارجية اللبنانية الى «تحرك عاجل وفوري باتجاه مجلس الأمن والمجتمع الدولي للتحقق من احتمال حصول اعتداء إسرائيلي جديد على السيادة والحقوق اللبنانية»، مؤكداً أن «قيام الكيان الإسرائيلي بإجراء تلزيمات وإبرام لعقود تنقيب في البحر لشركة هاليبرتون أو سواها من الشركات في المنطقة المتنازع عليها في البحر يمثل نقضاً لا بل نسفاً لاتفاق الاطار الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة».

واعتبر أن «تلكؤ ومماطلة تحالف شركات توتال نوفاتك وإيني في المباشرة بعمليات التنقيب والتي كان من المفترض البدء بها قبل عدة شهور في البلوك رقم 9 من الجانب اللبناني للحدود البحرية يطرح علامات تساؤلات كبرى»، مؤكداً أن «تمادي الكيان الإسرائيلي في عدوانيته هذه يمثل تهديداً للامن والسلام الدوليين».

بدوره طلب ميقاتي من وزير الخارجية عبدالله بوحبيب «إجراء الاتصالات اللازمة مع الجهات الدولية المعنية لمنع اسرائيل من مباشرة أعمال التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة البحرية المتنازع عليها، بعدما أبرمت عقود تنقيب مع إحدى الشركات وتستعد لبدء التنقيب».

وأكد ميقاتي أن «لا تهاون في هذا الموضوع ولا تنازل عن الحقوق اللبنانية، وعلى الأمم المتحدة القيام بدورها في ردع اسرائيل وإجبارها على وقف انتهاكاتها المتكررة للحقوق اللبنانية وسيادة لبنان».

وفي موازاة ذلك، وعشية جلسة الثقة المضمونة بالحكومة الجديدة في البرلمان غداً، تتجه الأنظار لما ستشهده جلسة الاستجواب للرئيس السابق للحكومة حسان دياب التي حددها المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار غداً وأصدر تمهيداً لها مذكرة إحضار بحق دياب الذي كان تخلّف عن حضور جلسة سابقة كمدعى عليه متذرعاً بأن ملاحقته هي من صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

وبرز أمس حضور دورية من جهاز أمن الدولة الى منزل دياب في تلة الخياط لتنفيذ مذكرة الإحضار، وقد جرى إبلاغهم أنه موجود خارج البلاد، علماً أنه كان أعلن غداة ولادة حكومة ميقاتي أنه توجه إلى الولايات المتحدة في زيارة عائلية تستمر 4 أسابيع.

وإذ أشارت تقارير إلى أن المديرية العامة لأمن الدولة راسلت النيابة العامة التمييزية بأن دياب في الخارج، تشي مذكرة الإحضار التي يسود ترقُّب لِما إذا كان القاضي البيطار سيطوّرها لمذكرة توقيف غيابية، بالمزيد من التفاعلات السياسية وسط معاودة دار الفتوى، بعد رؤساء الحكومة السابقين قبل أسابيع قليلة، رسْم خط أحمر حول رئاسة الوزراء، وهو ما عبّر عنه أمس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى مكرراً المطالبة «بأن يلجأ لبنان الى التحقيق الدولي»، وداعياً «لرفع كل الحصانات دون استثناء من خلال إصدار قانون جديد في مجلس النواب، ولمنع إدخال هذا الملف في الاستنساب والانتقام السياسي تأكيداً لِما طالب به مفتي الجمهورية».

«الشرعي الأعلى»: أي ملاحقة انتقائية لرؤساء أو وزراء تجعل المحاكمة بقضية المرفأ استهدافاً وانتقاماً

واعتبر «أن أي ملاحقة انتقائية لرؤساء أو وزراء وغيرهم تجعل عملية هذه المحاكمة في حال خلل جوهري وتصبح عملاً من أعمال الاستهداف والانتقام، وتَجاهُل للآليات الدستورية والقانونية، وهذه الآليات ينبغي أن تكون من خلال المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء المنصوص عليه في الدستور اللبناني، كي لا يتم التعارض مع مضمون الأنظمة والقوانين التي أقرها البرلمان والمتضمنة للأسس التي بموجبها يُحاكم الرؤساء والوزراء في حال مخالفاتهم أو التهاون في مهماتهم وبذلك تُحفظ مقومات بناء الدولة ونتجنب الاستنسابيات في القضايا العامة، وبهذا تسلك العدالة طريقها الصحيح».

أمنياً، أعلن وزير الداخلية بسام مولوي، العثور على شاحنة محملة بـ20 طناً من مادة نيترات الأمونيوم، وأكد ان قوات الأمن تدخلت لإبعادها عن المكان، لافتا إلى أنه لن يكشف عن تفاصيل التحقيق أو أسماء الموقوفين.

واطلع المولوي على المضبوطات بعدما نقلت الشاحنة من بعلبك إلى «منطقة آمنة» في سهل بدنايل، شرق لبنان.

السابق
التحقيق في انفجار المرفأ يهدد بتفجير الوضع السياسي بلبنان
التالي
رشاش بلجيكي متطور و«روبوت قاتل»..هكذا إغتالت إسرائيل العالم النووي الإيراني فخري زادة!