اللبنانيون «يتأرجحون» مع الدولار.. إذا إنخفض مصيبة وإذا ارتفع المصيبة أعظم!

الدولار الليرة اللبنانية
إنحدر دولار السوق السوداء نزولا خلال أسبوع، من دون أي أسباب منطقية، بل سياسية ونفسية، ومن الممكن أن يُعاود الارتفاع، لأن أسباب تحليقه خلال السنتين الماضيتين لم تنتف بعد، ولم يتم حل أيا من المشاكل الاقتصادية التي يتخبط اللبنانيون بوحولها. ربما يكون إنخفاض الدولار بهذه السرعة أشبه بإسفنجة، يريد المضاربون من خلالها إمتصاص الدولارات الموجودة في المنازل، وعليه، على اللبنانيين الحذر والانتظار كي لا يكونوا لقمة سائغة لهم مرة أخرى.

منذ أن لاحت بوادر تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي منذ أيام، بدأ الدولار في السوق الموازي(السوداء) بالإنخفاض إلى أن لامس اليوم 13000 ألف ليرة، ما يعني أنه هبط في ظرف أسبوع ما يقارب 20 بالمئة لأسباب سياسية ونفسية بحتة، ويهدف من يقف وراءها، إلى إستجرار قسم من الدولارات الموجودة في خزائن المواطنين (المصرف المركزي يقدرها ب9 مليار دولار) إلى السوق اللبناني، يُضاف إليها رغبة المضاربين والتجار في تحقيق المزيد من الارباح السهلة والسريعة، تماما كما فعلوا حين إستغلوا قلق الناس على مستقبلهم، في ظل إستفحال الازمة السياسية والاقتصادية فرفعوا سعر الدولار إلى ما يزيد عن 20000 ليرة للدولار الواحد .

اقرأ أيضاً: «حزب الله» يشهر «خراطيمه» الإيرانية.. «يحكم ولا يملك»!

إذا يغيب اي منطق علمي أو إقتصادي، أو خطوات إصلاحية جدية حصلت، أدت إلى إنخفاض سعر الدولار اليوم، بل هي عوامل نفسية لدى قسم من المواطنين، تزامنت مع وصول أموال السحوبات الخاصة للبنان من صندوق النقد الدولي إلى مصرف لبنان والتي تقدر بمليار و135 مليون دولار( ما يعني إنتعاش إحتياطي العملات الصعبة في المركزي خلال الشهور القادمة)، بالاضافة إلى أخبار عبر وسائل الاعلام، بأن المجتمع الدولي لن يترك لبنان، يعاني المزيد من الانهيار وهذا ما دفع بالمواطنين إلى الاعتقاد أن هذه الاخبار، ستُترجم عبر مزيد من الدعم بالعملة الخضراء. 

لامس الدولار السوق (السوداء) اليوم 13000 ألف ليرة ما يعني أنه هبط في ظرف أسبوع ما يقارب 20 بالمئة

لكن مقابل هذا الارتياح “النفسي” السائد، هناك إستحقاقات داهمة، من شأنها أن تؤثر  في سعر الصرف في الاسابيع المقبلة، وتحديدا في أواخر شهر أيلول الحالي، أبرزها إستحقاق إلغاء دعم المشتقات النفطية نهائياً ما يفرض على مستوردي تلك المشتقات، توفير دولارات بقيمة تراوح بين 1.5 مليار وملياري دولار على الاقل سنوياً، من أسواق القطع والاحتياطات، فهل سيشارك مصرف لبنان في تأمين هذه الدولارات؟ الجواب غير واضح، ما يعني أن سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار، سيكون محاصرا بين شح الدولار من جهة، وبين ضرورة الاستيراد من جهة أخرى، ولا ضمانات إلى الان بأن هذا الاستحقاق، لن يؤثر على سعر الصرف وفقا لمنطق  العرض والطلب.

يُقدر المصرف المركزي الدولارات الموجودة في المنازل ب9 مليار دولار.. والمضاربون يريدون إعادتها إلى الاسواق لإمتصاصها

من العوامل الاخرى التي تدفع إلى الاعتقاد، أن هذا الهبوط في سعر الدولار مقابل الليرة ليس منطقيا (بالرغم من ترحيب الجميع به)، هو عدم التوصل حتى الآن، إلى إتفاق داخلي حول توزيع الخسائر، التي أدت مُني بها لبنان والتي تقدّر بمئة مليار دولار، بالاضافة إلى عدم الاتفاق على هيكلة القطاع المصرفي، وكيفية إستعمال أصول ومؤسسات الدولة (الذهب والاراضي ومؤسسات) في معالجة الازمة، بالاضافة إلى عدم إقرار قانون الكابيتال كونترول، أو توقيع إتفاق مع صندوق النقد الدولي حول الاصلاحات المطلوبة، كي يبدأ المجتمع الدولي بضخ العملة الخضراء في المصرف المركزي.

على شركات المستوردة للنفط توفير دولارات بقيمة تراوح بين 1.5 مليار وملياري دولار سنوياً من أسواق القطع

إذا أسعار الصرف المتعددة للدولار في السوق اللبنانية، والتي توالدت من رحم إنهيار، متَعمّد وشامل وعميق على كل الصعد، لم تنته فصولها على ما يبدو حتى الآن. وما يجري هو حالة من الارتباك المنفلت وبالقطعة، وفي جو عام ضبابي لم تظهر ملامحه بعد، لأن  أي عملية إنقاذ أو تعافي للاقتصاد الوطني، يجب أن ترتكز على خطة اقتصادية شاملة وجدية وذات معنى، قابلة للتنفيذ في إطار زمني معقول، ويكون توحيد سعر الصرف أحد ركائزها الاساسية، وإلا فإن فوضى أسعار سوق الصرف باقية وإن بنسب مختلفة، وستبقى السوق السوداء تدير منفردة سياسة البلد النقدية. أما المستفيدون من هذه الأسعار، فهم السوق السوداء التي لها أصحابها وأربابها، ولديها مصالحها داخل البلد وخارجه، وأسعار الدعم تستفيد منها مجموعة المهربين وموفري السلع والمنتجات التي يطالها الدعم، إذ أن إلغاءها سيؤثر على الاستهلاك، نظراً إلى تراجع قدرة الأجور الشرائية والتضخم، ما سينعكس سلباً على أرقام المبيعات الإجمالية وجدلاً على الأرباح.

ما يجعل إنخفاض الدولار غير منطقي هو عدم التوصل إلى إتفاق حول توزيع الخسائر والتي تقدّر ب100 مليار دولار

نسيب غبريل
نسيب غبريل

يوافق الخبير الاقتصادي ورئيس مركز الابحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل على هذا التوصيف، لما يحصل في سعر صرف الدولار مقابل الليرة، و يقول ل”جنوبية” أنه “حين قفز سعر الدولار في السوق الموازية (السوداء) إلى ما فوق العشرين ألف ليرة للدولار الواحد، كان السعر غير حقيقي بالرغم من تعدد الازمات الموجودة في لبنان”، لافتا إلى أنه “كان إمتدادا لأمد الازمة إلى نحو سنتين، من دون إتخاذ أي إجراء إصلاحي – جدي، ونتيجة تأخر تشكيل الحكومة نحو 13 شهرا، وهذا ما فتح بالمجال أمام المضاربين، للتحكم بالسوق السوداء، ونحن نعرف أنه غير رسمي وغير شفاف ولا يخضع للرقابة”.

غبريل لـ”جنوبية”: توحيد أسعار الصرف يلغي السوق الموازي الاقتصاد من العمل بشكل طبيعي 

يضيف:”تراجع الدولار اليوم وهو أمر جيد ، ولكن الافضل هو توحيد أسعار صرف الدولار في السوق اللبناني، من أجل إلغاء السوق الموازي، ولكي يتمكن الاقتصاد اللبناني من العمل بشكل صحي و طبيعي، والجميع يعلم أن تعدد سعر الصرف يؤثر و يربك الحركة الاقتصادية”.

يشرح غبريل أن”توحيد سعر صرف الدولار في لبنان، يتم حين تقدم الحكومة ممثلة بوزارة المالية،  بوضع آلية لتوحيد أسعار الصرف، ويتم مناقشتها خلال المحادثات التي ستحصل بين لبنان وصندوق النقد الدولي، ويترافق ذلك مع نقاش مشروع الانقاذ المتكامل، الذي يجب أن تضعه الحكومة وتناقشه مع صندوق النقد”، لافتا إلى أنه “عند توقيع الاتفاق التمويلي- الاصلاحي مع الصندوق، يكون من ضمنه الإتفاق على تاريخ محدد لتوحيد أسعار الصرف، وتطبيق الخطوات الاصلاحية المتفق عليها بين الجانبين، وبعد ان يبدأ صندوق النقد بتحرير أموال متفق عليها ، ويتمكن مصرف لبنان من تكوين إحتياطاته من العملات الاجنبية، عندها يتم وضع تاريخ لتوحيد أسعار الصرف، بناء على العرض والطلب، ويتم تحرير سعر صرف الليرة وتدخل مصرف لبنان يكون فقط للجم التقلبات الحادة “.

لويس حبيقة
الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة

لا يخفي الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة ارتياحه من إنخفاض سعر الدولار في السوق الموازية، لكنه يؤكد في الوقت عينه ل”جنوبية” أن “إنخفاضه لا يطمئن، لأنه نتيجة عوامل نفسية وسياسية وليس لاسباب إقتصادية أو نتيجة إصلاحات حصلت”.

ويسأل “هل سيستمر الانخفاض؟ الجواب مرهون بما سيحصل على الصعيد السياسي، وأعتقد أن أي تعثر سياسي سيؤدي إلى إرتفاع سعر الدولار بسرعة أيضا”، ناصحا “اللبنانيين بعدم بيع الدولارات التي يملكونها إلا لأسباب ملحة، لأنه ليس هناك أسس إقتصادية واضحة لهذا الانخفاض، بالاضافة إلى أن لبنان بلد مستورد و يمكن إن إستعمال الدولار في البضائع التي نستوردها”. 

حبيقة لـ”جنوبية”: إنخفاض الدولار لا يطمئن لأنه نتيجة عوامل نفسية وسياسية  

في المقابل يرى حبيقة أن “رفع الدعم عن المحروقات، قد لا يؤدي بالضرورة  إلى رفع سعر الدولار في السوق السوداء، لأن العرض للبيع كبير، كما يمكن لمصرف لبنان أن يتدخل لتأمين الدولارات المطلوبة”.

ويختم:”يمكن أن تزيد الاموال بالعملة الصعبة، التي تدخل إلى لبنان عن طريق أموال الدعم التي ستصله، مما يحل مشكلة توفير العملات الصعبة للأسواق”.

السابق
اعلامية الجديد ممنوعة من دخول قصر بعبدا.. والقناة: ليال سعد أو لا أحد!
التالي
ابو شقرا لـ«جنوبية»: تبلغنا بتسلم المازوت من المصافي غداً على سعر دولار السوق