حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: طريق «النووي» لن تمر بسوريا وأفغانستان!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لم تقتصر مهمة الطائرات الباكستانية المسيرة، على تقديم الدعم الجوي لعناصر حركة طالبان، في معركة السيطرة على وادي بنجشير وتوجيه ضربة موجعة لـ”المقاومة”، التي بدأ بتجميع صفوفها احمد مسعود، نجل القائد التاريخي الذي قاوم سيطرة طالبان منذ البدايات، ثم قتلته قبل يومين من “غزوة نيويورك” عام 2001، واعلنت سيطرتها ثانية على معقله في وادي بنجشير في الذكرى السنوية العشرين لمقتله.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: إيران بين الفراغ الأميركي والدرس الأفغاني!

المسيرات الباكستانية حملت رسالة واضحة بان اسلام اباد، ستكون اللاعب الابرز الى جانب طالبان الافغانية، وانها الجهة التي باستطاعتها التأثير بمستقبل المنطقة، ورسم خارطة ودوائر نفوذ كل الدول المعنية بالازمة الافغانية، والساعية للعب دور في منطقة آسيا الوسطى، والمشاركة في خطوط التجارة والطاقة والموارد الطبيعية، التي تشكل افغانستان العقدة الاهم في انتاجها وخطوط مواصلاتها. 

الا ان اهم ما حملته هذه المسيرات، تلك الرسالة التي بدأت العاصمة الايرانية بفك شيفرتها وقراءة مضمونها، وما فيها من معادلات جديدة، من المفترض ان تعيد تشكيل منطقة غرب آسيا بالكامل، من الشرق الاوسط وصولا الى اسيا الوسطى، خاصة في الساحات او المناطق، التي تشكل مسرح نفوذ لايران، بحيث تساهم في نقل مراكز الاهتمام الايراني من ساحة الى اخرى، وما يتطلبه ذلك من تقلص نفوذ او وجود مباشر او غير مباشر في هذه الساحات. 

المسيرات الباكستانية حملت رسالة واضحة بان اسلام اباد ستكون اللاعب الابرز الى جانب طالبان الافغانية

وعلى الرغم من نفي اسلام اباد لاي دور لها في معركة بنجشير، الا ان طهران تلتقي مع ما كشفته قيادة الامريكية الوسطى، وتؤكد مشاركة المسيرات الباكستانية، في دعم الاندفاعة الانتحارية لقوات طالبان، لفرض السيطرة على اخر المعاقل الافغانية الخارجة عن سلطة الامارة الاسلامية في وادي بنجشير، بالتزامن مع اعلان الحركة في كابل عن تشكيلة الحكومة المؤقتة او الانتقالية، من دون اي مشاركة للقوى والاطراف السياسية الاخرى، اسقط الرهانات الايرانية وما تحدثت عنه طهران من تفاهمات، حول مرحلة انتقالية بمشاركة الجميع، كانت تعول من خلالها على كسب المزيد من الوقت لبناء سياستها اتجاه المستجد او المتغير الافغاني. 

التطورات العسكرية والسياسية في افغانستان التي قامت بها طالبان، زعزعت المعادلات الايرانية المرحلية، الساعية لاستيعاب تداعيات الانسحاب الامريكي، واعتباره انسحابا “مذلا” وهزيمة قاسية، للمفهوم الهيمنة الامريكية في المنطقة، من المفترض ان يؤسس لهزائم اخرى في العراق وسوريا ومنطقة الشرق الاوسط، بحيث يجعل من ايران اللاعب الاساس والوريث الاقدر  لملء مناطق الفراغ التي ستنتج عن هذا الانسحاب.

التطورات العسكرية والسياسية في افغانستان التي قامت بها طالبان زعزعت المعادلات الايرانية المرحلية الساعية لاستيعاب تداعيات الانسحاب الامريكي

ما كانت تراهن عليه ايران، بامكانية تكريس تفاهمات مع السلطة الجديدة بقيادة طالبان، تسمح بعدم تحويل حدودها الشرقية الممتدة لاكثر من 950 كليومترا، الى مصدر تهديد امني، او اقتصادي، بات في دائرة الشك والترديد. فالمؤشرات الاتية من كابل ودول الاكثر تأثيرا في المعادلة الافغانية، لا توحي بان رياح المرحلة المقبلة ستكون كما تشتهي السفن الايرانية. ففي مقابل تمسك طهران بالدعوة الى تشكل حكومة وحدة وطنية، تكون معبرة عن صوت كل المكونات القومية والعرقية وتحترم حقوق الجميع، يبدو انها امام امتحان التعامل مع الدعوة، التي تلقتها من طالبان للمشاركة، في حفل استلام حكومتها السلطة، والاعتراف بها رسميا، في حين ان الحليف الروسي لم يتردد في اعلان تأييده لهذه الحكومة الجديدة، على الرغم من ان طالبان مازالت مدرجة على اللائحة الروسية للمنظمات الارهابية. 

التطور في الموقف الروسي مما يجري في افغانستان، وان كان مرتبطا بالهواجس الروسية الامنية والاستراتيجية، قد يأخذ الى الحديث او البحث عن معادلة جديدة، قد تتشكل في منطقة غرب آسيا، محورها الدور والنفوذ الايراني. اذ من المحتمل ان تجد طهران نفسها، واقعة في فخ الضغوط الروسية في مناطق نفوذها، فبعد ان كانت تنظر الى الانسحاب الامريكي من افغانستان، وتترقب انسحابات اخرى من العراق وسوريا، بانه انتصار لاستراتيجيتها في هذه المنطقة، والتخلص من التهديد الامريكي المباشر. قد تجد نفسها في مواجهة مصدر تهديد مختلف هذه المرة، يأتي من الناحية الروسية التي تسعى لان تكون المستفيد الاول من الفراغ، الذي سيحدثه او ينتجه الخروج الامريكي من افغانستان الان، وعلى الاقل من سوريا لاحقا من دون التخلي عن الطموح بلعب دور فاعل على الساحة العراقية ايضا. 

التطور في الموقف الروسي مما يجري في افغانستان قد يأخذ الى الحديث او البحث عن معادلة جديدة قد تتشكل في منطقة غرب آسيا

فعلى الرغم من تمسك النظام بصوابية موقفه في التعامل مع المستجد الافغاني، ومحاولة توظيفه في تعزيز الدور الاستراتيجي الايراني في اسيا الوسطى والشرق الاوسط، الان ان الهمس بدأ يرتفع في الكواليس من الطموحات الروسية، التي ستعمد لاستغلال هذه المتغيرات لصالح تعزيز دورها على حساب ايران، وان تدفعها لتقديم تنازلات على الساحة السورية، قد تلامس حدود الخروج من هذا البلد او خفض وجودها ودورها الى الحد الادنى، الذي لا يشكل تهديدا لمصالحها ومصالح الاخرين، مقابل منحها نوعا من التهدئة على حدود الشرقية، التي من المفترض ان تتحول الى مصدر قلق حقيقي لها. لان انشغال ايران بحدودها الشرقية، سيجبرها على تقليل نشاطاتها في سوريا، خاصة في مواجهة اسرائيل، وهو ما يفسر عودة وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف، للحديث عن التزام موسكو بامن اسرائيل، على هامش تواصله مع نظيره الايراني حسين امير عبداللهيان. وبالتالي فان الحدود القلقة مع افغانستان والضغوط الروسية في سوريا، مع اقتصاد يقترب من الانهيار، سيكون مصدر ارتياح امريكي، ولا يسمح  لايران باستثمار الانسحاب من افغانستان لصالح مشروعها المتشعب، والممتد على مساحة غرب آسيا، هذا فضلا عن الصعوبات التي قد تبرز في المرحلة المقبلة، نتيجة المماطلة التي تمارسها في العودة الى طاولة التفاوض، لاعادة احياء الاتفاق النووي، وامكانية ان تواجه قرارا من مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يتهمها بنقض معاهدة الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل على خلفية قرارها، برفع التخصيب الى مستويات تقترب من الاستخدام العسكري، وتقييد عمل مفتشي الوكالة الدولية. 

السابق
ميقاتي يزور عون اليوم.. هل يتصاعد الدخان الأبيض من بعبدا؟
التالي
عون وميقاتي يناوران: حكومة او لا حكومة اليوم؟..و«البطاقة» رشوة بلا رصيد!