ياغي لـ«جنوبية»: إستجرار الكهرباء من الاردن الطريقة الاوفر والاسرع لزيادة التغذية

الخبير النفطي الدكتور ربيع ياغي
بات تأمين الكهرباء في لبنان همّا دوليا وعربيا، أما لبنانيا فالمسؤولون يتعاطون مع هذا الملف على نار هادئة، وكأن العتمة لا تلف بلاد الارز وتستنزف كل الاقطاعات الاقتصادية. ما يجري في ملف الكهرباء في لبنان هو أشبه بكوميديا سوداء، وربما ستظل كذلك، إلى أن تأتي طبقة سياسية تفصل معالجة هذا الملف الحيوي بعيدا عن المصالح والحسابات الشخصية والمحاصصة.

ليس من المبالغة القول أن العديد من الدول تبذل جهدا أكبر من المسؤولين اللبنانيين لتأمين الكهرباء إلى لبنان، والامثلة على ذلك كثيرة، فبعد نحو عام من المفاوضات بين لبنان والعراق، حول إستيراد الفيول العراقي الثقيل إلى لبنان لتوليد الطاقة الكهربائية، (مقابل منتجات زراعية لبنانية وخدمات طبية)، تفاجأ المسؤولون العراقيون ببطء تحرك وزارة الطاقة اللبنانية لإطلاق المناقصات لإستبدال النفط العراقي الثقيل، بآخر يصلح لإنتاج الكهرباء في لبنان بالرغم من الحاجة الماسة له، (وقد غمز أحد المسؤولين العراقيين من قناة أن هذا التأخير يصب في مصلحة الشركات اللبنانية المستوردة للنفط وليس لمصلحة اللبنانيين)، وفي 19 آب الماضي تصدّر ملف الكهرباء في لبنان الاهتمام الدولي والاقليمي، منذ أن أعلنت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، موافقة بلادها على مساعدة لبنان لإستجرار الطاقة الكهربائية والغاز مروراً بسوريا، ما يعني موافقة واشنطن عملياً على إستثناء لبنان من عقوبات قانون قيصر، التي تحظر إجراء أي تعاملات مالية أو تجارية مع سوريا. 

قبل هذا التاريخ  بأشهر، كان لبنان الرسمي يتخبط لإيجاد طريقة لإستيراد الفيول لتوليد الطاقة، من دون المس بالاحتياطي الالزامي في مصرف لبنان، خصوصا مع إنتهاء العقد مع البواخر التركية لتوليد الطاقة ومغادرتها لبنان مطلع أيلول الحالي، فكان طوق النجاة  الاول من العراق الذي وافق على توريد مليون طن من النفط الثقيل، وقد تم توقيع الاتفاقية في 24 تموز الماضي من دون الذهاب لا “شرقا ولا غربا”،  أما طوق النجاة الثاني فهو بإستجرار الغاز المصري عبر الاردن وسوريا ثم لبنان لتوليد 450 ميغاوات من الكهرباء في معمل دير عمار، كما يتم الحديث عن إستجرار نحو 400 ميغاوات من الطاقة الكهربائية من الاردن إلى لبنان فور إصلاح خطوط التوتر العالي بين الاردن وسوريا ولبنان والتي تضررت بسبب الحرب السورية .

إذا  هذا الحراك الدولي لإنقاذ لبنان من العتمة، كان أسرع من “السفينة  الايرانية” التي إتجهت إلى مياه البحر المتوسط في 19 آب الماضي، ومن المفروض أن تصل إلى سوريا لإفراغ حمولتها من المحروقات، على أن يتم نقل حمولتها برا إلى لبنان، علما أنه حتى الآن لم يتم الإعلان عن موعد وصول “المساعدة الايرانية” إلى المستشفيات والمطاحن والمخابز اللبنانية، وإلى أن تظهر السفن الايرانية شهدت العاصمة الاردنية عماّن أمس (الاربعاء) إجتماعا لوزراء الطاقة في الأردن ومصر وسوريا ولبنان، للاتفاق على خارطة طريق لنقل الغاز المصري ووضع خطة عمل وخارطة طريق والتأكد من جاهزية البنى التحتية بدءاً من مصر وانتهاء بلبنان من أجل إيصال الغاز المصري بعد انقطاع لمدة عشر سنوات.

بلغة الارقام يحتاج لبنان حالياً، إلى 600 مليون متر مكعب من الغاز لتوليد 450 ميغاواط من الكهرباء، ويتم مع البنك الدولي لتوفير الغطاء المالي لاستيراد الغاز المصري، وفي هذا الاطار يوضح الخبير النفطي ربيع ياغي ل”جنوبية” أن “إستجرار الغاز من مصر عبر الاردن وسوريا إلى معمل دير عمار في لبنان هو جزء من خط الغاز العربي، والذي كان يربط صادرات الغاز المصري بالاردن والعقبة وسوريا و لبنان وهدفه توليد الطاقة الكهربائية وتبلغ الوصلة التي تربط لبنان بسوريا 35 كلم”، لافتا إلى أن “الغاز المصري كان يصل إلى حمص فقط  وليس إلى لبنان فكانت سوريا تعمد عبر هذه الوصلة إلى ضخ الغاز السوري إلى دير عمار بعد أن تحصل على حصة لبنان من الغاز المصري”، ويشير إلى أن “هذه الالية سيتم إعتمادها من جديد، وقد إستمرت في العام 2010 إستمرت 6 أشهر وبعدها حصلت تطورات سياسية في مصر، وباتت تعاني من نقص في كميات الغاز لديها مما أدى إلى توقف الضخ عبر أنبوب الغاز العربي”.

لبنان بحاجة إلى إنتاج إلى 3500 ميغاوات من الكهرباء ومعمل دير عمار لن يتمكن من إنتاج ربعها

ويوضح أنه “بعد الاكتشافات الجديدة التي حصلت في مصر لحقول الغاز وتوفر كميات للتصدير ستتمكن مصر من تأمين كميات لتغذية معمل دير عمار فقط والقادر على إنتاج 450 ميغاوات”، مشيرا إلى أن “الكلفة ستكون أقل، والجميع يعلم أن معملي ديرعمار والزهراني قادرين على إنتاج الكهرباء من الغاز والفيول معا، وهذا يعني أننا أمام فرصة لإنتاج الكهرباء بكلفة أقل بعد إجراء الصيانة للخط الذي يربط لبنان بسوريا، شرط تأمين الحماية العسكرية لهذا الخط وحمايته من أي عمليات تفجير يمكن أن تستهدفه، بمعنى آخر يجب تأمين الحماية التقنية والامنية للخط الذي يربط بين لبنان وسوريا”.

كلفة إنشاء محطة كهرباء تنتج ألف ميغاوات هي أقل من كلفة إنشاء شبكة الامدادات بين لبنان وسوريا

يشرح ياغي أن “لبنان بحاجة إلى إنتاج إلى 3500 ميغاوات من الكهرباء، وهذا يعني أن معمل دير عمار لن يتمكن من إنتاج ربع الكمية التي نحتاج إليها ( 450 ميغاوات فقط)، ولا يمكننا زيادة كمية الغاز المطلوبة لأننا لا نملك شبكة إمدادات لتوصيل الغاز إلا إلى  دير عمار”، لافتا إلى أن “كلفة بناء إمدادات شبكة جديدة كبيرة جدا والانتهاء منها يتطلب 3 سنوات على الاقل (إستملاكات الاراضي وبناء الشبكة) والافضل لنا أن نعمد إلى بناء محطات كهرباء بغض النظر عن المادة المستخدمة (الفيول أو ديزل أو غاز) علما إنني أؤيد إستعمال الغاز لأنه الافر والاقل ضررا على البيئة”، ويشير إلى أن “كلفة إنشاء محطة كهرباء تنتج ألف ميغاوات هي أقل من كلفة إنشاء شبكة الامدادات بين لبنان وسوريا، كما أن مصر لا تملك الفائض الكافي من الغاز كي تبيعنا المزيد عبر هذه الشبكة”.

يرى ياغي أن “الاهم بالنسبة للبنان هو إستجرار الكهرباء من الاردن (400 ميغاوات)، لأنها الطريقة الاوفر والاسرع لزيادة التغذية بالتيار الكهربائي، ويمكن أن تغطي حاجة منطقة البقاع وجزء من محافظة جبل لبنان إذا تم تأمين الصيانة اللازمة لخطوط التوتر العالي بين لبنان وسوريا والاردن خلال شهرين على الاكثر”.

ويختم:”كل هذه الحلول لا يمكن أن تتم من دون أن يكون هناك ترانزيت بين لبنان وسوريا وبهذا نكون حققنا أهدافنا وأرحنا البلد قليلا”.

السابق
بعدسة «جنوبية»: مسيرة نسائية الى عين التينة.. والقوى الأمنية تصدّ التحرّك!
التالي
«كورونا» يحصد عشرات الضحايا في لبنان.. وانخفاض طفيف بالإصابات