«القبعات الزرق» في جنوب لبنان تحاصرها… الخطوط الحمر

اليونيفيل

منذ عام 2006 يتم التعامل مع التجديد «الروتيني» للقوة الدولية العاملة في الجنوب اللبناني بأهمية لافتة على عكس ما كانت عليه الحال قبل حرب يوليو من ذاك العام. فالقوة الدولية التي جاءت إلى لبنان عقب أول اعتداء إسرائيلي عليه العام 1978، باتت جزءاً لا يتجزأ من الوضع اللبناني – الجنوبي ما دام لبنان في حال عداء مع إسرائيل في ظل اتفاق الهدنة.

وقد تبدّلت أوجه مهماتها وفق التطورات العسكرية والاعتداءات الإسرائيلية التي أنتجت قرارت دولية وسعت مهمات رجال «‬القبعات الزرق»، خصوصاً بعد حربيْ 1982 و2006.

باتت المهمات الروتينية للقوة الدولية المعروفة بـ «اليونيفيل» تحت المجهر أكثر فأكثر منذ 15 عاماً بعد القرار 1701 وصولاً إلى مطالبة إسرائيل العام الفائت بتعديل مهماتها ربطاً باستمرار نشاط «حزب الله»، ورفض لبنان ذلك رسمياً، في وقت صدرت أصوات من بعض القوى السياسية في الداخل تطالب بتعديل مهماتها لتشمل الحدود مع سورية، على خلفية الحاجة إلى التشدد في ضبط الحدود ومنع تهريب السلاح والسلع.

إقرأ أيضاً: اعتراض آليات «اليونيفيل» في النبطية تابع: استيلاء على هواتف العناصر والاعتداء عليهم

يبلغ عدد أفراد القوة الدولية، التي تتبدل جنسية قيادتها دورياً، ويرأسها اليوم الجنرال الإيطالي ستيفانو ديل كول، حالياً نحو عشرة الآف و500 عنصر، منهم 850 عنصراً في القوة البحرية التي تشكّلت بفعل القرار 1701 للمرة الأولى لمنع تهريب السلاح عبر البحر وتفتيش السفن المشكوك بأمرها، موزعين على 42 دولة، مساهمة بعضها ما زالت موجودة وبعضها خَتَم مشاركته وبعضها الآخَر ممثَّل بأعداد قليلة. ومن هذه الدول اندونيسيا، غانا، إسبانيا، إيطاليا، فرنسا، الهند، النيبال، ماليزيا، إيرلندا، كوريا، كرواتيا، الصين، كمبوديا وغيرها.

ومنذ ان استوطنت القوةُ الدولية في الجنوب اللبناني، وأنشأت غرفة عملياتها ونشرت جنودها وضباطها، باتت لقصة «اليونيفيل» أهمية كبرى في الحياة اليومية لسكان ما كان يُعرف أولاً بالمنطقة الحدودية، أو الشريط الحدودي، أثناء احتلال إسرائيل له، واستمرّت بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب العام 2000.

ومع بداية المهمة، كان الوجه الاجتماعي والاقتصادي واحداً من الوجوه التي طبعت وجود «اليونيفيل»، حيث تداخلت عادات الوافدين من خلف البحار وأصقاع الأرض مع السكان المحليين، خصوصاً أنهم أقاموا مجمعاتهم وحرّكوا المجتمع الجنوبي من خلال تعزيز الحياة الاقتصادية.

وهو ما يكتسب اليوم أهمية مضاعفة بعد انهيار العملة اللبنانية واستفادة العاملين اللبنانيين الموظفين مع القوة الدولية من قبض رواتبهم بالعملات الأجنبية، لا سيما الدولار الأميركي.

وساهمت «اليونيفيل» في الوجه الاجتماعي ببناء علاقات مع أبناء القرى فعزّزت من نشاطها بإقامة دورات لغة خصوصاً الإسبانية والإيطالية والفرنسية، وأقامت مشاغل ومحترفات وأعمالاً إغاثية وصحية واستشفائية ومراكز طبية وكانت لها مساهمات فاعلة أثناء محطات أساسية لا سيما في مواجهة وباء «كورونا».

وتتعامل هذه القوة المنتشرة مع المجتمعات المحلية في شؤون يومية وتساهم في أعمال اجتماعية وثقافية وتعزيز مهارات من خلال دورات تدريبية، إضافة إلى حصول زيجات عدة لعناصر من «اليونيفيل» من بنات من المجتمعات المحلية التي صاهرت «المجتمع الدولي».

نهاية هذا الشهر يفترض تجديد مجلس الأمن لهذه القوة الدولية لسنة كاملة، بناء على طلب تقدّمه الحكومة اللبنانية، وتوافق عليه الأمم المتحدة تقليدياً وعبر إحاطة من الأمين العام للأمم المتحدة.

وفي يونيو الفائت أرسلت وزيرة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، طالبة تمديد ولاية «اليونيفيل» «من دون أي تعديلات على ولايتها ومفهوم عملياتها وقواعد الاشتباك الخاصة بها، لفترة إضافية مدتها سنة واحدة تنتهي في 31 أغسطس 2022»، مؤكدة التزام لبنان بالقرار 1701.

وقد طلب رئيس الجمهورية ميشال عون رسمياً الشهر الفائت خلال لقائه وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا التجديد «من دون أي تعديل في العديد والمهمات لِما في ذلك من فائدة للمحافظة على الأمن والاستقرار في الجنوب».

يأتي التجديد هذه المرة بعد أحداث مثيرة وقعت جنوباً عبر تبادل إسرائيل و«حزب الله» إطلاق الصواريخ، وبعد سلسلة توترات وقعت بين «اليونيفيل» وأهالي بعض المناطق على خلفية منع دورياتها من القيام بالتفتيش داخل بعض القرى، وانتقادات من «حزب الله» وأوساطه في شأن محاولة قائد القوة الدولية تركيب كاميرات مراقبة، إذ جرى رفضها وإحباط محاولات تركيبها.

من غير المتوقع أن يصار إلى تغيير قواعد عمل «اليونيفيل» تبعاً لما جرى من مطالبات العام الماضي، في ظل تنسيق دائم بين «اليونيفيل» والجيش اللبناني الذي انتشر في أعقاب حرب يوليو 2006 وينسق معها دورياً.

رغم انه حتى الآن لم تتضح طبيعة التقرير الذي يرفعه عادة الأمين العام للأمم المتحدة، حول عمل القوة وطبيعة مهماتها وعما إذا توجد نيات في التشدد ببعض الأعمال التي دخلت تباعاً على مهماتها وهو ما أثار مناقاشات بين الدول التي تشارك في «اليونيفيل».

فإسرائيل تقدّمتْ العام الماضي بطلبِ تعديلِ مهمات «اليونيفيل» وساندتْها الولايات المتحدة، فيما وقفتْ فرنسا وإيطاليا ضد أي تعديل لكنها سعتْ إلى تأكيد تفعيل عملها ولا سيما لجهة التحقّق من عدم وجود أسلحة في منطقة عملها.

فالولايات المتحدة تريد التشدد في منع نشاط «حزب الله» في المنطقة التي يفترض أن تكون بحسب نص القرار 1701 منزوعة السلاح، ودعت إلى تحسينات جوهرية في عمل «اليونيفيل»، معتبرة ان التجديد ليس عملية تقنية فحسب.

ولم تكن هذه المرة الأولى تعترض فيها أميركا، غير المُشارِكة في عمل «اليونيفيل»، على آلية التجديد من دون تعديل مهمات هذه القوى. وفي العام 2017 أثارت الموضوع من الزاوية نفسها إذ دعت مندوبتها في الأمم المتحدة إلى اتخاذ إجراءات حقيقية «كي نجعل من «اليونيفيل» بعثة أقوى لحفظ السلام وللوقوف ضد قوى الإرهاب في لبنان وفي المنطقة.

فتعزيز البعثة ضروري لأن حزب الله يتباهى علناً بمخزونه غير المشروع من الأسلحة ويهدد في شكل علني إسرائيل».

يشكل القرار 1701 محطة مفصلية في عمل القوة الدولية، فهو صدر إثر حرب الـ 33 يوماً في الـ 2006، ونص على وقف فوري للأعمال القتالية بين إسرائيل و«حزب الله».

أما في ما يتعلق بمهمة القوة الدولية فهي نُشرت بناءً لطلب حكومة لبنان قوةً دولية «لمساعدتها على ممارسة سلطتها في جميع أنحاء أراضي لبنان، ويأذن لقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان بإتخاذ جميع ما يلزم من إجراءات في مناطق نشر قواتها وحسب ما تراه في حدود قدراتها لضمان ألا تستخدم منطقة عملياتها للقيام بأنشطة معادية من أي نوع، ولمقاومة محاولات منْعها بالقوة من القيام بواجباتها بموجب الولاية الممنوحة من مجلس الأمن».

لم تكن مهمة «اليونيفيل» منذ 2006، وفي السنوات الأولى التي أعقبت وقف حرب يوليو، صعبة، رغم كل ما رافقها من اتصالات ومفاوضات لتحديد الخط الأزرق.

لكن إبقاء منطقة عملياتها خالية من السلاح تدرجت لاحقاً وأصبحت تتعرّض لبعض الحساسيات والتوترات وصدامات مع «حزب الله» عبر ما بات يعرف

بـ «الأهالي» الذين كانوا يمنعون الدوريات من التغلغل في بعض القرى.

وصادف تطور عمل القوة الدولية، محطتين بارزتين الأولى حادثة العديسة العام 2010 التي كادت تتطور إلى معركة بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي، وسقط فيها ثلاثة من الجنود اللبنانيين ومدني وضابط إسرائيلي، لكن الاتصالات الأميركية والأممية ساهمت في لجم الاشتباك وحصره.

والمحطة الثانية هي المفاوضات التي انطلقت برعاية أميركية لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل على خلفية البدء بالحفر النفطي.

وتستضيف «اليونيفيل» هذه المحادثات إضافة إلى اجتماعات تعقد بين لبنان وإسرائيل في الناقورة (مقر القوة الدولية) لمراقبة تطبيق القرار الدولي وحل الإشكالات التي تقع بين حين وآخر، وتتدخل للجم أي منحى نحو تطوير الأعمال القتالية بين البلدين كما حصل أخيراً مع إطلاق الصواريخ من شويا.

ورغم أن أصواتاً محلية تتحدث عن احتمال طرْح توسيع مهمات «اليونيفيل» في اتجاه الحدود مع سورية إلا أن هذا الكلام محلي صرف، لأن لا شيء يوحي باحتمالٍ من هذا النوع في هذه الظروف التي تسعى فيها الدول الراعية للبنان للتحرك من أجل مساعدته اقتصادياً ومالياً والتخفيف من المشكلات التي قد تساهم في زيادة عوامل التوتر الداخلي.

وتوسيع المهمات هو عامل توتر حُكْماً، لأن الأهمّ حالياً لجم أي تصعيد على جبهة الجنوب، بصفته الخطر الأبرز.

السابق
مناقصة استيراد النفط العراقي الى لبنان.. هذا ما اعلنت عنه وزارة «الطاقة»
التالي
هذا ما جاء في مقدمات نشرات الاخبار المسائية ليوم الخميس 26/8/2021