وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: ميقاتي.. حكومة الغطاء على الجريمة

وجيه قانصو
يخص المفكر والباحث والأكاديمي الدكتور وجيه قانصو «جنوبية» بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته الإلكترونية.

هل تكليف نجيب ميقاتي، مجرد تكرار لسلسلة تكليفات سابقة لشخصيات سنية بتأليف الحكومة؟ حيث يبدأ التكليف بإشاعة مناخات إيجابية، ثم تصطدم عملية التأليف، بجدار صلب من العقد والعقبات، تتجاوز قدرة الشخص المكلف على معالجتها أو حلها، تنسد معها السبل، وتنتهي بإعلان فشل ثم اعتذار عن المهمة.  أم أن في تكليف ميقاتي، معطيات جديدة وضمانات خارجية، لم تتوفر في تجارب التكليف السابقة، تحمل معها قوة دفع، للخروج بحكومة جديدة قادرة، على منع الانهيار الاقتصادي الحاصل، وإدارة عبور آمن لما بعد رئاسة ميشال عون؟

اقرأ أيضاً: وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: سعد الحريري.. سيرة فشل لا يتوقف

الارجح هو القول الثاني استناداً إلى :

– أن الانهيار شبه التام للاقتصاد ومؤسسات الدولة، ضيق هامش المناورة لدى كل الأطراف، ولم يعد بالإمكان المضي في لعبة عض الأصابع إلى ما لا نهاية. بخاصة وأن تداعيات هذا الإنهيار أخذت تزلزل، أرضية القوى السياسية المتنافسة في لبنان، وتقلص حجم أتباعها، وتنذر بفوضى تمتنع على المعالجة والتحكم، تهدد بتغيير قواعد اللعبة السياسية، وظهور تحولات اجتماعية وتصدعات تضامنية، تجعل القوى القائمة فاقدة قدرة على المبادرة.

الانهيار شبه التام ضيق هامش المناورة لدى كل الأطراف ولم يعد بالإمكان المضي في لعبة عض الأصابع إلى ما لا نهاية

– وجود تغير في طبيعة المواجهة، بين الولايات المتحدة وإيران، من صراع كسر إرادات في عهد ترامب، إلى ميل تسووي بين الطرفين، لا يكسر ولا يحل المشكلة، لا ينتصر فيها أحد ولا ينهزم فيها أحد أيضاً. فالتسوية هي وسيلة هروب من مواجهة شرسة تستنزف القدرات والإمكانات، وتتضمن اعترافاً متبادلاً غير معلن بين طرفي المواجهة.  هو معطى ينعكس في لبنان، بغض نظر أمريكي عن دور حزب الله السياسي، أي اعتراف ضمني بهذا الدور، مقابل درجة تعقل حزب اللهي، في مراعاة علاقات لبنان الدولية، وحصر المواجهة ضد الولايات المتحدة، أو المنظومة الغربية بالتصعيد الكلامي والخطابي. 

التسوية هي وسيلة هروب من مواجهة شرسة تستنزف القدرات والإمكانات

  • نجاح حزب الله وحليفه عون، في تثبيت تركيبة الحكم القائم، عبر تجاوز قطوع ما سمي بالثورة، وتخطي تداعيات انفجار 4 آب، إضافة إلى تجاوز الضغط الدولي، وعدم الانصياع لأية شروط دولية بعزله، أو إقصائه عن تركيبة الحكومة القادمة.  ما مكَّن الحزب من أن يحتفظ باليد العليا، في تسيير شؤون البلد، ويبرهن للداخل والخارج، أنه مرجعية ثابتة لأية تركيبة سياسية، أو شكل حكم حالي أو قادم.  هو أمر سوغ لحزب الله، تسهيل تشكيل حكومة تضمن حضوره الفاعل والنافذ فيها، مع ترك سعة ومرونة كافية للحكومة الجديدة، في معالجة الأزمة الراهنة.
  • إفشال مبرمج لمسعى سعد الحريري في تشكيل الحكومة، قصد منه كسر القوة السياسية الأقوى في الطائفة السنية، وتعويم شخصية مطواعة، وأكثر انسجاماً أو تلبية لقوى الحكم القائم.  بالتالي تهميش قوة الحضور السياسي السني، وتبديد فعالية أية ممانعة أو معارضة سنية للترتيبات السياسية القائمة والقادمة.

نجاح حزب الله وعون في تثبيت تركيبة الحكم القائم، عبر تجاوز قطوع ما سمي بالثورة وتخطي تداعيات 4 آب وتجاوز الضغط الدولي

لم تعد مهمة التكليف الحالية، إنهاء الأزمة الإقتصادية والسياسية أو محاربة الفساد، وإنما لجم الإنهيار الحاصل التي يكاد يطيح بالجميع بمن فيهم أهل السلطة. ما يعني أن أي إصلاح أو تغيير، بات خارج دائرة اختصاص أية حكومة قادمة، التي تنحصر مهمتها، في امتصاص تداعيات الوضع الكارثي، دون حل أصوله ومسبباته، أي إبقاء الأمور كما هي، وتثبيت معادلة الحكم القائمة والتظلل بظلها. وهذا يفسر ترشيح حزب الله لميقاتي، إضافة إلى حماسته غير المسبوقة لتشكيل الحكومة، بعدما ضمن لنفسه مقومات أمان من أي ضغط دولي، وركائز قوة محلية، تجعله صاحب الكلمة الأخيرة في أي ترتيب سياسي، بما فيه تأليف الحكومة، التي ستكون حكومة الغطاء على الفساد وجريمة انفجار 4 آب.

لم تعد مهمة التكليف الحالية إنهاء الأزمة الإقتصادية والسياسية أو محاربة الفساد، وإنما لجم الإنهيار الحاصل

ذكرى انفجار 4 آب ليست مجرد ذكرى ضحايا قضوا نحبهم، بل ذكرى: انتكاسة مذلة للحق والعدالة، ووطن أسير، وشعب لم تعد كرامة أفراده وحياتهم، تعني شيئاً، ليس فقط لأهل السلطة بل لأنفسهم.  إنها مناسبة دخول لبنان عصر عبودية معلنة ومباشرة، بعدما كانت مُقَنَّعة وخفية، وطوعية بعدما كانت إكراهية. 

السابق
بالفيديو: اللبنانيون يعانون الويلات.. وميقاتي «بدو يرجع يروح على المطعم»!
التالي
الحرائق كما السياسة.. تلتهم «الأخضر واليابس»!