حسن فحص يكتب لـ «جنوبية»: إيران تفاوض طهران قبل واشنطن!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

في الظاهر، يبدو ان النظام الايراني ادار ظهره للمفاوضات، وعلق تحديد موعد الجولة السابعة لجلسات فيينا، التي من المفترض ان تكون الحاسمة بناء على المواقف والتصريحات، التي صدرت عن رئيس الجمهورية المنتهية ولايته حسن روحاني، راميا الكرة في ملعب الوقت الضائع للفترة الانتقالية بين التسليم والتسلم، التي من المقرر ان تبدأ الياتها، بين روحاني والرئيس الجديد ابراهيم رئيسي، بعد الرابع من شهر آب المقبل، معتبرا ان دقة وحساسية اي تفاهم او اتفاق، حول البرنامج النووي في الايام الاخيرة من رئاسة روحاني، قد يفرض الزاما للرئيس الجديد يتعارض او يتباين، مع رؤيته واستراتيجيته في التعامل، مع آليات التفاوض وحدودها وابعادها، والتي تظل محكومة بالسقف، الذي تحدده المؤسسات المعنية، برسم السياسات الاستراتيجية للنظام، ان كان من قبل المرشد الاعلى او المجلس الاعلى للامن القومي.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: «لا تبتسم».. انت في إيران!

اعلان طهران تعليق التفاوض، الى ما بعد انتقال السلطة التنفيذية الى الرئيس الجديد، يعني ان الاطراف الدولية المفاوضة وخصوصا الولايات المتحدة الامريكية، ستكون امام فترة انتظار قد تتجاوز تاريخ الرابع من آب/اغسطس، لاكثر من عشرة ايام او اكثر، بناء على جدية البرلمان في منح الثقة للتشكيلة الوزارية التي سيتقدم بها رئيسي، حتى وان اقدم على ذلك في اليوم الذي يؤدي فيه اليمين الدستورية. وهي الخطوة التي ستحدد الوجهة التي ستتخذها السياسات الخارجية للرئيس الجديد، وطبيعة المرحلة المقبلة بناء على الشخصية، التي سيطرحها لتولي وزارة الخارجية ورأس الدبلوماسية في عهده، والتي من المفترض ان تتولى قيادة عملية اعادة احياء مسار التفاوض. 

اعلان طهران تعليق التفاوض يعني ان الاطراف الدولية المفاوضة وخصوصا واشنطن ستكون امام فترة انتظار

واذا ما كان وزير الخارجية الامريكية انتوني بلينكن، ومعه روبرت مالي مسؤول الملف الايراني في ادارة الرئيس جو بايدن، قد اعربا في الاونة الاخيرة مرارا عن استعداد واشنطن للعودة الى طاولة التفاوض، وان واشنطن تنتظر الخطوة الايرانية، للاعلان عن استعدادها لذلك تحت سقف التفاهمات، التي تم التوصل اليها في الجولات السابقة، التي استضافتها العاصمة النمساوية فيينا، واعترافهما بالاضرار التي تسببت بها سياسات الرئيس السابق دونالد ترمب، بالعودة الى استراتيجية العقوبات القصوى وبالنتيجة فشلها. الا انهما يتفقان على نقطتين اساسيتين، الاولى عدم امكانية الغاء جميع العقوبات التي سبق ان فرضها ترمب منذ عام 2018، وتحديدا تلك المتعلقة بموضوعي الارهاب وحقوق الانسان، والثانية تتعلق بتسارع الخطوات الايرانية التي تقوم بها في تطوير البرنامج النووي، الى جانب قدراتها الصاروخية وسلاح الطيران المسير، الذي يشكل بنظر القيادة الامريكية مصدر تهديد،  ليس فقط لامن دول المنطقة، بل للامن الاستراتيجي الامريكي، ويسمح لطهران بتعزيز نشاطاتها المزعزعة في الشرق الاوسط. 

واذا ما كانت العودة الامريكية للحديث عن البرنامج الصاروخي، ومعه هذه المرة الطيران المسير (طائرات من دون طيار)، يحمل تعقيدا على مسار التفاوض المنتظر قد يعيده الى المربع الاول، الا ان هناك من يتعامل مع هذه التصريحات والمواقف في طهران، باعتبارها مواقف كيدية من الادارة الامريكية، هدفها ممارسة المزيد من الضغط على المفاوض الايراني، لاجباره على العودة الى طاولة التفاوض باقل شروط ممكنة وبعض التنازلات. وهو ما ترفضه وتحاول استيعاب الهجوم الامريكي في مواجهة تمسكها بمطالبها. لذلك لم يتأخر الرد على تصعيد واشنطن، باعلان لجنة متابعة مفاوضات فيينا في المجلس الاعلى للامن القومي، عدم تطابق وتوافق النتائج التي تم التوصل اليها، مع القانون الذي اقره البرلمان الايراني حول استراتيجية رفع العقوبات، الذي اقر في نوفمبر من العام الماضي 2020.

اما ان تعيد الادارة الجديدة مفاوضات فيينا الى نقطة البداية واما ان تذهب الى مواجهة مع البرلمان والمطالبة بتعديل القانون

هذا الموقف يعني ان الامور من المفترض ان تذهب باتجاه من اتجاهين، اما ان تعيد الادارة الجديدة، برئاسة ابراهيم رئيسي وفريقه الدبلوماسي، مفاوضات فيينا الى نقطة البداية، وتطلب التفاوض من جديد، بذريعة عدم موافقتها على سياسة الرئيس السابق روحاني وفريقه، التي فرضت على ايران تنازلات غير مسوغة، واما ان تذهب الى مواجهة مع البرلمان والمطالبة بتعديل القانون الذي اقر او تعليق العمل به. وفي كلا الامرين فان حكومة رئيسي، ستكون بحاجة الى غطاء من المرشد الاعلى، وتدخله المباشر وتبني اي من هذين الاتجاهين، باعتباره الاقدر وصاحب السلطة المطلقة، في رسم السياسات الاستراتيجية للنظام والدولة على حد سواء، وبالتالي فان اعتماد اي من الخيارين، سيضع مؤسسة النظام في مواجهة مع المجتمع الدولي في حال رفض النتائج التي تم التوصل اليها، او في مواجهة مع البرلمان في حال ذهبت الى تعليق القانون لتمرير المفاوضات ونتائجها. 

امام ما تشهده ايران من تصاعد في الازمات الداخلية، والتي تهدد بانهيار المنظومة الامنية الداخلية، الى جانب التهديد الجدي الذي يهدد المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، يجعل من الصعب على الرئيس الجديد، ومن ورائه القيادة العليا للنظام، التخلي عن المفاوضات التي تراهن عليها، للتخلص من سيف العقوبات الذي وصل الى العظم من الجسد الايراني، باعتبار ان ما تحقق في فيينا من نتائج، يفرض عليها التعامل معه بالكثير من الايجابية، لما يتيحه من فرص، تسمح بالخروج من العقوبات، والحصول على عائداتها المالية المجمدة في البنوك الدولية، واستخدامها في العلاجات السريعة والملحة للاوضاع الاقتصادية المتراجعة.. 

تنازل واضح للقيادة الايرانية يؤكد حاجتها الملحة للعودة الى طاولة التفاوض والوصول الى نتائج تنهي العقوبات

غزل من نوع اخر برز بين واشنطن وطهران في الايام الاخيرة، فالاولى – واشنطن- لا تتردد في القول، انها تترقب القرار الايراني بالعودة، وهي بانتظار ذلك شرط ان لا يستغرق وقتا طويلا، وفي سياق هذا الانتظار تعاملت الادارة الامريكية بكثير من الحذر مع المظاهرات التي شهدتها محافظة خوزستان، اذ انتقدت الاجراءات التي قام بها النظام الايراني، من دون ان ترفع السقف الى التهديد المباشر، في المقابل فان الثانية – طهران- بعث برسائل عن مؤشرات ايجابية، حول تعاملها مع هذه المظاهرات والاحتجاجات، بالحدود التي تسمح لها بمواجهة اي تهديد لامنها القومي، وان لا تخرق شروط حقوق الانسانية وحرية التعبير، بحيث لا تثير المجتمع الدولي والادارة الامريكية ضدها، على العكس من التجارب السابقة التي كانت تلجأ فيها، الى التعامل بعنف ودموية مع تحركات مشابهة. وهو ما يشكل تنازلا واضحا للقيادة الايرانية، ويؤكد حاجتها الملحة للعودة الى طاولة التفاوض والوصول الى نتائج تنهي العقوبات المفروضة عليها. 

السابق
ما قبل الرابع من آب ليس كما بعده!
التالي
بالفيديو: نيران متنقلة.. حريق ضخم في الرحاب والسبب؟!