تسمية ميقاتي إستكمال لـ «المعركة» مع الحريري أو إفراج سريع عن الحكومة؟

قصر بعبدا

لم تهدأ الاتصالاتُ الليلية في بيروت المسكونة بعتمةٍ لا تشبه إلا «العصور الوسطى»… لقاءاتٌ تحت جنْح الظلام «واتسابات شغّالة» ورسائل قصيرة، وربما حَمامٌ زاجل في بلاد مهدَّدة كل لحظة بتوقف المواصلات مع شحّ البنزين، وتوقف الاتصالات إذا تفاقمت أزمة المازوت.

هذه الزحمة في الليلة الليلاء سببُها سبر أغوار الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة المقرَّرة الاثنين، ما لم يطرأ ما ليس في الحسبان… عملياتُ استطلاعٍ لمواقف الكتل النيابية قبل الصعود إلى القصر الرئاسي على امتداد هذا الإثنين المفصلي.

ولأنّ الرئيس نجيب ميقاتي وحيداً في ساحة التكليف، بعدما نأى الديبلوماسي والقاضي نواف سلام بنفسه عن «اللعبة»، نشطت عمليات «جس النبض» وسط اشتدادِ المناورات والشروط التي يراد منها على الأرجح استدراجه لدفع أثمان «على الحساب» قبل التكليف والتأليف.

مع وضد، وبين بين راوحت مواقف الكتل، التي رصدتها «الراي» عشية اليوم الطويل… كتل عقدت اجتماعات مسائية وكتل أرجأت إعلان موقفها إلى اجتماعات صباحية وسط تحوُّط من أن يكون كلام الليل يمحوه النهار.

فبين تكليف ميقاتي الأول (ابريل 2005) والثاني (يناير 2011)، والثالث الوشيك، اختلفت مقاربات الكتل النيابية. وبين تسمية الرئيس سعد الحريري في 22 اكتوبر 2020 واحتمال اختيار ميقاتي لترؤس الحكومة، بعض أوجه الشبه.

«حزب الله»… غموضٌ حمّال أوجه وهل يُعطى ميقاتي ما حُجِب عن الحريري؟

فزعيم «تيار المستقبل» نال 65 صوتاً مقابل امتناع 53 عن تسميته. ومع ميقاتي بدأ البازار لتأمين حصوله على أصوات أكثر.

لكن مهما كان عدد النواب الذين سيسمّونه، فإن ميقاتي سيفتح الباب أمام عهد جديد مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي لا يجمعه ودّ بالرئيس المفترض تكليفه، وهي الحال نفسها التي تنطبق على العلاقة مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل (صهر عون).

جاء تكليف الحريري في 22 اكتوبر 2020 تشكيل الحكومة إثر استشارات نيابية ملزمة، ناقصاً أصوات كتلتين (مسيحيتيْن) أساسيتين، إذ لم تصبّ أصوات تكتل «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية وحلفاؤها) ولا «لبنان القوي» ( التيار الوطني الحر وحلفاؤه) في اتجاهه، لا بل امتنع الطرفان عن أي تسمية.

في المقابل حصل الحريري على دعْمٍ مسيحي عبر التكتل الوطني (تيار المردة وحلفاؤه) وعلى تأييد الحزب السوري القومي الاجتماعي، وحركة «أمل» و«تيار المستقبل» وبعض المستقلين، وميقاتي طبعاً وكتلته.

إقرأ ايضاً: خاص «جنوبية»: لا بيع ولا شراء للدولار في إنتظار المشاورات النيابية غداً!

اليوم، يقف ميقاتي موقف الحريري قبل عشرة أشهر، لكنه بدأ باكراً القيام باتصالات من أجل الحصول على أكبر عدد من الأصوات، بحيث يأتي تكليفه ضامناً لأوسع تغطية، بين حزب الله والقوى المسيحية.

لا تربط «القوات اللبنانية» بميقاتي علاقة خاصة، وخصوصاً أنها كانت على تحالف سياسي وانتخابي مع خصمه اللدود سابقاً الحريري. إلا أن «القوات» لم تعادِ ميقاتي، من دون أن تطوّر العلاقة معه في الوقت نفسه إلى ما يشبه التطبيع السياسي.

ورغم أن المرحلة اليوم لا تشبه مرحلة تكليف ميقاتي بعد الإطاحة بحكومة الحريري العام 2011، إلا أن رئيس «القوات» سمير جعجع بادر اليوم إلى رفض تسمية أي مرشح على غرار ما فعل في اكتوبر 2020 في استشارات تسمية الحريري.

ويمكن وضع قرار جعجع في إطار رفْضه المستمر للدخول في أي حكومة سواء ترأسها الحريري أو ميقاتي، وخصوصاً أن الأخير يأتي بمباركة الحريري.

إلا أنّ رئيس «القوات»، الذي وضع خياره بعدم تسمية أي شخصية في الاستشارات في إطار «قناعتنا بأن من المستحيل الوصول إلى أي إصلاحات ما دام الثنائي عون ـ حزب الله وحلفاؤهما متمسكون بالسلطة، ولا حل إلا بالذهاب لانتخابات نيابية مبكرة»، يستفيد من الفرصة في مرحلة التكليف لا التأليف، للابتعاد كلياً عن المشهد الحكومي، كما فعل سابقاً، خشية ألا يكون ميقاتي حصل على تغطية خليجية – عربية من أجل السير به، ولكن من دون أن يقطع الطريق على علاقته بالرئيس المفترض تكليفه.

في المقابل فَتَحَ «التيار الوطني الحر» باكراً النار على ميقاتي. والعلاقة بين الطرفين، لا تبشّر بالخير منذ أعوام، رغم أن ميقاتي لا يُعدّ خصماً لحليف التيار أي حزب الله. إلا أنه متشدد في موضوع الصلاحيات الحكومية، وفي انتقاد ما يُعتبر «تعدي» رئيس الجمهورية على صلاحيات رئيس الحكومة، مثله مثل الرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام.

وقد اعتبر التيار انه انتصر في معركة إسقاط الحريري ودفْعه للاعتذار، وبدأ يعد العدة للترويج لفكرة ترشيح السفير نواف سلام.

حجة باسيل أن سلام يحظى بتغطية أميركية ويمكن من خلاله تقديم خطة إنقاذية اقتصادية تسمح بوقف الانهيار.

لكن باسيل يدرك جيداً أن حزب الله لا يؤيد ترشيح سلام.

كذلك فإن التيار كان يعتقد الى اللحظات الأخيرة أن حظوظ ميقاتي غير متقدمة بسبب عدم رضا خليجي، وأن شروط الأخير لن تساعد على حلحة المواقف الداخلية والخارجية لتشكيلٍ سريع للحكومة.

لكن ما حصل أن اعتذار الحريري فَتَحَ الباب أمام اتصالات دولية أعطت الضوء الأخضر لتقدُّم اسم ميقاتي، ولا سيما من الجانب الفرنسي، الذي يرى ضرورةً للدفع سريعاً في عملية التكليف، وهو ما استنفر التيار الذي رغب بالردّ على محاولة سحب «انتصار» هزيمة الحريري من يديْه لمصلحة تكليف ميقاتي، فباشر حملة في اتجاه استحضار ملفات قضائية لها علاقة بالأخير في ملفيْ الخليوي والاسكان وهو ما أكمله النائب حكمت ديب أمس بتغريدة سأل فيها «مع نجيب، إصلاح كيف بدّنا نجيب؟»، فيما كان باسيل إلى اللحظات الأخيرة لا يزال يلوّح باسم سلام وتسميته له.

إلا أن الساعات الأخيرة حملت احتمال امتناع تكتل باسيل عن التسمية نهائياً، وخصوصاً بعد كلام رئيس الجمهورية عن أن لا مشكلة لديه بالتعاون مع ميقاتي. علماً أن التيار سيبقى إلى اللحظات الأخيرة يدافع عن معركته، إن في التكليف أو التأليف.

«التيار الحر» يُهاجم ميقاتي بعنف… ربْط نزاع مبكّر مع مرحلة التأليف

وحصول ميقاتي على ما يسمح له بتولي المنصب الحكومي من دون رضا التيار، سيكون مادة دسمة تترك تداعيات أكيدة على مفاوضات التأليف.

ما هو مضمونٌ بالنسبة الى ميقاتي هي أصوات كتلة المستقبل، لأنه لن يكون مرشحاً من دون موافقة الحريري والسنيورة وسلام، وكتلة الرئيس نبيه بري «التنمية والتحرير» وكتلة اللقاء الديموقراطي (كتلة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط)، وكتلة المردة وحلفاؤها، وكتلة الحزب السوري القومي الاجتماعي وكتلة النواب الأرمن.

لتبقى أصوات بعض النواب المستقلين رهن الاتصالات، وبينهم أصوات مضمونة لميقاتي كسلام، والنائب ايلي الفرزلي. أما الانتظار الأساسي فهو لمعرفة موقف حزب الله.

علماً أن البرلمان الذي يتألف من 128 نائباً يضمّ حالياً 118 نائباً في ضوء استقالة 8 نواب بعد انفجار مرفأ بيروت (في 4 اغسطس الماضي هم نواب حزب الكتائب ومستقلون) ووفاة النائبين ميشال المر وجان عبيد من دون إجراء انتخابات فرعية لملء هذه المقاعد.

حزب الله مبدئياً لن يسمي ميقاتي، كما لم يسمّ الحريري سابقاً رغم تأييده له. لكن موقفه هذه المرة سيكون مرتبطاً بمشاورات التأليف.

إذ إن الحزب لم يتدخل في شكل فاعل خلال عشرة أشهر من المماحكات بين فريق عون والحريري.

فتارة كان يضع المبادرة في يديه وتارة يعيدها إلى بري.

وإذا كان زعيم «المستقبل» أخذ على «حزب الله» عدم ضغطه على باسيل لحلحة العقد، فإن الحزب سيكون على خطوط تماسٍ مَرة جديدة مع عون وباسيل من جهة والرئيس المكلف من جهة أخرى.

لأن الأخير يأتي مجدداً بغطاء خارجي، وبموافقة النادي السني التقليدي وكتلة المستقبل، إلا أن باسيل رافِض له. علماً أن التشكيل بات أكثر ارتباطاً باستحقاق أساسي يتعلق بالانتخابات النيابية المقبلة، كون مهمة الحكومة الاشراف عليها وهي يفترض أن تجرى بين مارس ومايو 2022.

والتجارب علمت في لبنان أن الاستحقاقات لا تتم في مواعيدها، ما يعني احتمال تأجيل الانتخابات وبقاء هذه الحكومة حتى الاستحقاق الرئاسي (خريف 2022) وما بعده، رغم كل الضغوط الدولية لإتمام الاستحقاق النيابي بوصْفه «منصة التغيير» الرئيسية واعتبار الحكومة الموعودة من أدوات تصفيح الوضع اللبناني وآخر قاعٍ يفصل عن «الجحيم» لضمان الوصول إلى صناديق الاقتراع.

وتبعاً لذلك يمكن فهْم كيف ستكون عليه المشاورات بعد التكليف، لأن كل طرف سيريد حصة وازنة في الحكومة العتيدة كي يؤمن الحضور اللازم في كل الاحتمالات الموضوعة للانتخابات الرئاسية أو الفراغ.

وموقف حزب الله بعدم التسمية يعطيه حرية حركة في عملية التأليف التي سيضطر فيها إلى مسايرة رئيس الجمهورية وباسيل، هذا على افتراض أن الجميع داخلياً وخارجياً أعطى الضوء الأخضر لعملية التأليف وهو الذي لم يعطَ إبان تكليف الحريري، الأمر الذي اعتُبر انعكاساً لارتهانٍ مزدوج للواقع اللبناني: لحسابات وتعقيدات الوضع الداخلي ولمقتضيات الصراع الاقليمي، ولا سيما حول الملف النووي الإيراني، والذي لم تنقشع الرؤية حياله بعد ولا بطبيعة الحال إزاء عملية ترسيم النفوذ في المنطقة التي لم تنفكّ تجري «بالنار والدم» على امتداد العقد المنصرم.

السابق
«حزب الله» يُعوّم «مرشح الأميركيين»..وإتفاق فيينا «يُعبّد الطريق» أمام ميقاتي!
التالي
3 سيناريوهات لبنانية «تُقلق» إسرائيل!