بين السعودية ولبنان: رمانة أم «قلوب مليانة».. ماذا بين محمد بن سلمان وسعد الحريري؟ (2/2)

الحريري بن سلمان
بعد زلزال إغتيال الحريري وإندلاع ثورة الأرز، دخلت العلاقة السعودية مع لبنان مرحلة سعد الحريري التي مرت بفترتين الأولى إمتدت من 2005 حتى 2015، والثانية من 2015 حتى اليوم.

الفترة الأولى من العلاقات اللبنانية السعودية، تخللها تسلم الملك عبدالله بن عبد العزيز مقاليد السلطة في المملكة بعد وفاة الملك فهد، وكانت مرحلة إتسمت بكثير من الأحداث الكبرى، بدءا من ثورة الأرز ومطلب الإنسحاب السوري الذي تحقق، إلى معركة إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مرورا بحرب تموز 2006، التي كان للسعودية موقف منها بحيث إعتبر الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية يومها، بأنها “مغامرة” ما أدى إلى قطع العلاقة تقريبا مع حزب الله وحلفائه، وهو الأمر الذي ترك آثاره على العلاقة مع لبنان عامة، وعلى علاقة الأطراف اللبنانيين ببعضها البعض، والتي لا زالت مستمرة بصورة أو بأخرى حتى يومنا هذا.

اقرا ايضا: وقت لا ينفع اعتذار الحريري أو بقاء عون!

في هذه الفترة ان سعد الحريري وفياً لهذه العلاقة ومنسجما مع السياسة السعودية، لدرجة أنه “تجرع السم” وذهب إلى قصر المهاجرين، تلبية لرغبة العاهل السعودي يومها الملك عبدالله بن عبد العزيز، الذي حاول تحت ضغط التطورات في المنطقة لملمة الصف العربي دون جدوى، بسبب من أن النظام السوري كان قد دخل مرحلة الضعف أمام النفوذ الإيراني، سواء في لبنان خاصة بعد ” إنتصار ” تموز، أو في المنطقة مع تزايد وتشديد القبضة الإيرانية على العراق، الأمر الذي نقل قيادة محور الممانعة من النظام السوري إلى النظام الإيراني، وهو ما وضع لبنان تحت سطوة حزب الله بالمباشر نتيجة سطوة السلاح، الأمر الذي عطل أي محاولة للتفاهم الداخلي، وتجلى ذلك في إسقاط حكومة سعد الحريري أوائل العام 2011، ما تسبب بإبعاده عن لبنان على شكل نفي إختياري، لتتطور الأمور بعدها نتيجة قيام ثورات الربيع العربي، خاصة في سوريا واليمن، الأمر الذي تسبب بتسعير الخلافات الداخلية اللبنانية والعربية، على خلفية هذه الأحداث، ودفع السعودية لتوجيه أنظارها صوب حدودها الجنوبية في اليمن، حيث تمكنت إيران من إيجاد موطئ قدم لها هناك، عبر دعمها إنقلاب الحوثي على الشرعية المنبثقة من المبادرة الخليجية، التي أدت لإنسحاب علي عبدالله صالح وتسليم السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي، ترافق ذلك كله مع المحادثات النووية في فيينا بين أميركا وإيران، التي أسفرت عن الإتفاق بينهما ما أعطى لإيران ثقلاً ودورا متزايدا في المنطقة، مقابل غياب عربي قاتل نتيجة الأحداث الداخلية الناتجة عن ثورات الربيع العربي.

هذه السياسة السعودية لن تجدي نفعا فالإنسحاب من لبنان كما هو حاصل منذ سنوات ليس حلا وهو يترك الساحة فارغة لخصوم السعودية وخصوم لبنان


إنتهت هذه المرحلة من العلاقة بغياب الملك عبدالله بن عبد العزيز، وعودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان من منفاه الإختياري، ليستأنف مسيرته السياسية تحت شعار ربط النزاع مع حزب الله حول السلاح والسياسة في البلد، بالتوازي مع فشل حكومة نجيب ميقاتي التي كانت في الواقع حكومة حزب الله، في تحقيق أي إنجاز يذكر في حكم البلاد والعباد ، لتبدأ مرحلة جديدة من العلاقة مع السعودية بتولي الملك سلمان زمام الأمور في السعودية، وتولي إبنه محمد بن سلمان وزارة الدفاع، قبل أن يطيح بإبن عمه محمد بن نايف من ولاية العهد ويتسلمها بنفسه.


وأطلقت السعودية عملية عاصفة الحزم ضد الحوثي في اليمن، بهدف إستعادة الشرعية واليمن إلى الحضن السعودي والعربي، الأمر الذي شغلها بطبيعة الحال عن شؤون وشجون لبنان، خاصة وأن تنحية محمد بن نايف عن ولاية العهد لصالح بن سلمان، قد تركت تداعياتها في الداخل السعودي وبين أفراد العائلة المالكة، التي أُتهم بعضها بقيادة مؤامرة ضد بن سلمان – قالت بعض الأنباء أن سعد الحريري كان على علم بها وكانت من أسباب إحتجازه في السعودية عام 2017 – خاصة مع تأخر الحسم في اليمن، وتطور الأمر إلى حرب شاملة لا زالت مستمرة حتى اليوم، في هذه الأثناء كان سعد الحريري في لبنان، يحاول ملء الفراغ الرئاسي، فبادر إلى طرح إسم سليمان فرنجية للرئاسة، ولم يوفق نتيجة معارضة الجناح المسيحي في التحالف مع السعودية، ألا وهو القوات اللبنانية التي إعتبر قائدها سمير جعجع، بأنه خدع وطعن من قبل سعد الحريري، الجناح المسلم للتحالف مع السعودية، فكان أن وقع الخلاف بين حليفي السعودية، فذهب جعجع بإتجاه عقد إتفاق معراب مع حليف حزب الله ميشال عون، الأمر الذي رجح كفته ليفوز برئاسة الجمهورية، خاصة بعد أن عقد سعد الحريري تسوية أيضا مع ميشال عون، وكان ما كان حتى اليوم.

تبدو العلاقة بين سعد الحريري والسعودية ليست على ما يرام

اليوم تبدو العلاقة بين سعد الحريري والسعودية ليست على ما يرام، ويبدو أنها لم تتجاوز بعد آثار أزمة 2017، دون معرفة ما تريده فعلا المملكة من سعد الحريري، وهل الخلاف هو على السياسة اللبنانية الداخلية والعلاقة مع حزب الله، أم هو خلاف سياسي ومالي له علاقة بالتطورات السعودية الداخلية؟ وهل هذا الخلاف يبرر هذا التشدد السعودي في حصار سعد الحريري وما يمثله – شئنا أم أبينا – من ثقل سياسي وطائفي ومذهبي في لبنان، الأمر الذي يضعف في النهاية مؤسسة رئاسة الحكومة وليس فقط شخص سعد الحريري؟


وإذا كان الخلاف بسبب التسوية الرئاسية وتولي ميشال عون الرئاسة، فإن الأمر نفسه يجب أن ينطبق على القوات اللبنانية وسمير جعجع، الذي بادر هو إلى عقد إتفاق معراب، الأمر الذي رجح كفة ميشال عون كما أسلفنا.

إذا كان الخلاف بسبب التسوية الرئاسية وتولي ميشال عون الرئاسة فإن الأمر نفسه يجب أن ينطبق على القوات وجعجع


إن هذه السياسة السعودية لن تجدي نفعا، فالإنسحاب من لبنان كما هو حاصل منذ سنوات ليس حلا، وهو يترك الساحة فارغة لخصوم السعودية وبالتالي خصوم لبنان، كما أن السياسة الجديدة – إذا صح التعبير – التي تحاول الدخول فقط من بوابة بكركي أو القوات اللبنانية، أي بصريح العبارة من باب الجانب المسيحي، لن تجدي إذا لم تكن مقرونة بالعلاقة مع شريك مسلم، فلبنان كما هو معروف لا يطير إلا بجناحيه المسيحي والمسلم – بغض النظر عن موقفنا من هذه التصنيفات – فكيف بالحري علاقة السعودية معه، فكيف لها أن تحلق بجناح واحد، لذلك المطلوب أن تتجاوز المملكة العربية السعودية الإعتبارات الشخصية في تعاطيها السياسي مع لبنان، وأن تحاول التفاهم والتعامل مع الواقع القائم، ومع ممثلي الأطراف اللبنانية كافة، ومن ضمنهم سعد الحريري، الذي حافظ ويحافظ رغم كل المشاكل التي واجهها سياسيا وشخصيا، على إحترامه لدور السعودية ولتاريخ العلاقة معها، وإذا كان هناك بعض التباينات في النظرة إلى الأمور، فيمكن معالجتها عبر الحوار والنقاش الهادئ، بعيدا عن محاولات الكسر والإلغاء لشخصية لبنانية محبوبة في بيئتها، ولا تزال رغم كل الإنتكاسات التي واجهتها، تمثل الأكثرية في طائفتها التي هي عماد هذا الوطن وعروبته.

السابق
بعد اعتذار الحريري.. فرنسا تتحرك لبنانيا وهذا ما دعت اليه!
التالي
«لبنان امام مرحلة صعبة».. سعد يحذر من اهتزاز الأمن وانهياره!