إيران… الثورة في الثورة

مصطفى فحص

في 18 يونيو (حزيران) أنهت مؤسسة الحكم (بيت المرشد) تمرداً سياسياً استمر قرابة 30 عاماً، انقسمت خلالها الحياة السياسية الإيرانية بين تيارين (إصلاحي ومحافظ)، ووضعت حجر الأساس للجمهورية الإسلامية الثانية، بوصفها الوريثة الشرعية للجمهورية الإسلامية الثورية الأولى، التي أسسها آية الله الخميني وحافظت على طبيعتها الواحدة (الثورية) حتى وفاته سنة 1989. فقد نجح النظام الثوري في استعادة دولة الثورة، وأعادها إلى النصاب الذي أسست عليه سنة 1979.
في الطريق إلى إعادة الأمور إلى نصابها الأول، خاضت مؤسسة الحكم معركة إقصاء الحلفاء والخصوم؛ من القضاء إلى البرلمان وصولاً إلى رئاسة الجمهورية، بهدف إنهاء ثلاثة عقود من التجاذبات الداخلية، قسمت الجمهورية الإسلامية إلى مشروعين تحت غطاء ما عرف بطبيعة الدولة والثورة، ظهرا إلى الحياة السياسية بعد رحيل المرشد المؤسس آية الله الخميني، وتبلورا كتيارات سياسية بعد وصول الرئيس محمد خاتمي إلى سدة الرئاسة سنة 1997.

اقرا ايضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: واشنطن وطهران.. مفاوضات كثيرة وضمانات قليلة!


في إعادة التأسيس للجمهورية الإسلامية، أيقن دعاة إعادة التأسيس أنه لا مفر من ثورة الثورة على الدولة، التي مهدت الطريق أمام ثورة الثورة على الثورة، تنسجم مع رؤية المرشد آية الله علي خامنئي الذي دعا إلى اختيار «حكومة ثورية شابة»، وهي المعادلة التي تراهن عليها مؤسسة الحكم من أجل إنقاذ النظام الإسلامي من شيخوخته وتحافظ على طبيعته. وهذا ما كان واضحاً في خطاب المرشد خامنئي بمناسبة عيد النيروز (رأس السنة الإيرانية) في 21 مارس (آذار) الفائت عندما تطرق إلى الانتخابات الرئاسية، حيث قال إنها «ذات أهمية كبيرة سواء من الناحية الداخلية والتجديد من خلال الإتيان بحكومة ذات حيوية، أو من الناحية الخارجية التي تؤدي إلى تعزيز القوة الوطنية».
تعامل تيار بيت المرشد مع الانتخابات الرئاسية كأنها الحد الفاصل ما بين مرحلتين، لذلك استخدم كافة إمكانياته الدستورية والعقائدية والثورية من أجل حسم مسارها، بسبب أهمية موقع رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقالية، والدور الذي سوف يلعبه في الحفاظ على هوية النظام في العقود المقبلة، ولذلك كان لا بد من اختيار شخصية خارج الاصطفافات التقليدية، وتنتمي عقائدياً إلى التيار الثوري التابع فكرياً إلى مدرسة خامنئي.
مشروع الثورة في الثورة كان السبيل الوحيد لتحقيق «الخطوة الثانية للثورة» التي تحدث عنها آية الله علي خامنئي في ذكرى انتصار الثورة في فبراير (شباط) 2019، لذلك نفذت مؤسسة الحكم انقلابها، الذي كان أشبه بانقلاب قصر، وسمحت للثورة بأن تقتل أو تأكل أو تقتص من أبنائها، وتعيد تشكيل نفسها وفقاً لتحولات جديدة، تخضع للمسار العقائدي والثوري الذي حدده المرشد لمستقبل إيران.
كشفت هندسة الانتخابات الرئاسية قلق النظام من المستقبل، لذلك لجأت النخبة الحاكمة إلى حسم خياراتها وفرض إبراهيم رئيسي رئيساً، بعيداً عن حجم تمثيلها الشعبي، واكتفت ببيعة بيئتها التي باتت أقلية شعبية، لكنها لم تزل تشكل نواة صلبة صمدت بوجه العواصف الإصلاحية وفي مرحلة صعود المعتدلين، إلى جانب العسكرتارية الثورية المتمثلة بـ«الحرس الثوري» الذي التزم بأن يكمل دوره حارساً للثورة في الثورة، أقله في هذه المرحلة التي تحتاج إلى رئيس للجمهورية ينسجم مع تطلعات الحرس لمستقبل النظام، ويتعاون معه في مرحلة اختيار مرشد جديد للجمهورية، قد تفرض تغيراً في قواعد توزيع السلطة، وتسمح للحرس بأن يلعب دوراً مباشراً في حال شغور منصب الرئيس مرة جديدة.
وعليه يعتقد أصحاب السلطة وحراسها وتيارها الثوري أن الثورة على الثورة تحميها في الداخل والخارج، وبأن سيطرة تيار واحد أصولي على مؤسسة الدولة تضمن استقرار النظام في المرحلة المقبلة، وسيكون أكثر استعداداً لمواجهة تمرد داخلي لم يعد ممكناً استبعاده أو التكهن بحجمه، ولكن لم يعد مستبعداً أيضاً أن الثورة في الثورة قد تتسبب في إشعال ثورة على الثورة.

السابق
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الجمعة في 25 حزيران 2021
التالي
كيف يحيك «حزب الله» إيرانية لبنان بإبر المآسي والخضوع؟