بالأرقام والوقائع: «شدّوا الأحزمة».. قفزة جنونية جديدة للدولار!

دولار
يحبس اللبنانيون انفاسهم يترقبون جنون ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق الموازية( السوداء)، خارقاً سقوفا ومعدلات غير مسبوقة، مقابل سرعة الإنخفاض الحاد في قيمة الليرة اللبنانية.

فاستنادا الى معطيات سعر صرف اللّيرة مقابل الدولار منذ قرابة السنتين، وتبعاً لمرصد (Lirarate.org)، تشير حركة سوق سعر صرف الدولار، الى اقتراب اللّيرة من نقطة مفصلية جديدة، قد تؤدّي الى وصول السعر الى رقم قياسي جديد. 

إقرأ أيضاً: الغلاء يُبدّل «ملامح» النساء.. و مساحيق الغسيل «تنهش» أياديهن!

وفي حال استمرار الأوضاع الاقتصادية والمالية على حالها، قد يشهد سعر صرف الدولار ارتفاعا حادا يوصله الى ال20000 ليرة لبنانية للدولار الواحد على أدنى التقديرات. أمّا وإذا كانت المؤشرات الاقتصادية والمالية تنذر بالأسوأ، فقد يصل السعر الى حدود ال25000، أو حتى 30000 ألف ليرة للدولار الواحد!

قد يشهد سعر صرف الدولار ارتفاعا حادا يوصله الى ال20000 ليرة لبنانية للدولار الواحد على أدنى التقديرات

احتمال حدوث هذه الحركة السريعة للسعر، في وتيرة تصاعدية جدا في الأيام المقبلة، بسبب غياب الاصلاحات التي قد تؤدي مباشرةأو تعد، بامكانية دخول كميات وافرة من العملات الأجنبية الى السّوق. ولكن ما هو السبب لهذا الارتفاع الحادّ المقبل؟

إذا كانت المؤشرات الاقتصادية تنذر بالأسوأ فقد يصل السعر الى حدود ال25000، أو حتى 30000 ألف ليرة للدولار الواحد

سعر الدولار في السوق السّوداء اللّبنانية يعتمد حصراً على العرض والطلب. كلّما ازداد عرض اللّيرة في السوق، ارتفع سعر الدولار. ازدياد عرض اللّيرة في السّوق هو نتيجة للسحوبات الّتي يجريها اللّبنانيون من حساباتهم الإدّخارية بالدّولار، والتي يحصلون عليها باللّيرة اللّبنانية بدل الدّولار على سعر صرف 3900 ليرة مقابل الدّولار. المصدر الثاني هو صرف رواتب موظفي القطاع العام من قبل الدولة باستخدام كتلات مالية جديدة، يؤمّنها مصرف لبنان من خلال عمليات طبع جديد للعملة، حيث أنّ واردات الدولة من الرسوم والضرائب تراجعت بحدّة بسبب أزمة كورونا، التي شلّت الاقتصاد اللّبناني واقتصادات معظم دول العالم في العام الماضي. تبعا لذلك فإنّ سعر صرف الدّولار في ارتفاع مستمرّ لا نهاية متوقّعة له، على المدى القريب أو المتوسّط.

سعر صرف الدّولار في ارتفاع مستمرّ لا نهاية متوقّعة له، على المدى القريب أو المتوسّط

يستند هذا التحليل على أدلة يمكن رؤيتها بوضوح على الرسم البياني لسعر الدولار مقابل اللّيرة اللّبنانية، المعدّ من قبل موقع (Lirarate.org) الذي راقب وسجل سعر صرف الدّولار منذ مطلع عام 2019، ويستمر بتسجيل الأسعار اليومية للدولار في السوق السوداء وفقا لمعدّل عام مأخوذ عن مصادر عبر مناطق لبنانية عديدة.

في الثاني من تموز من العام الماضي ال2020، شهد سعر صرف الدولار أوّل حالة من الارتفاع الجنوني، الذي يعرف بعالم الاقتصاد بحالة الذعر، التي تحدث عندما يهرع البعض لبيع كميات كبيرة من عملة أو أسهم شركة معينة، مما يؤدي الي انخفاض سريع في قيمتها مقابل الدّولار، ويدفع بالسوق الى حالة ذعر، حيث يقومون أيضا بالبيع بأبخس الأسعار الموجودة، أو شراء الدّولار بأي سعرٍ كان! حالة الذعر هذه، دائما ما تؤدّي الى انخفاض قيمة السلعة (في هذه الحالة اللّيرة) بشكل حاد جدا.

في الرابع عشر من حزيران 2020، عندما كان الدولار يوازي 4250 ليرة للدولار الواحد، دخل اللّبنانيون حالة ذعر وانكبّوا على شراء الدولار مهما كلف الثمن، الى أن وصل الى 9800 ليرة للدولار الواحد في الثاني من تموز 2020، أي بمجرّد 17 يوما!

في الخامس من أذار العام الحالي، وصل سعر الدّولار الى 10000 ليرة للمرة الأولى، بعدما كان قد لامس حدود هذا السعر قبل ثمانية أشهر. ما تبع كان اعادة لما حصل آنذاك. في السادس عشر من آذار، أي بعد 11 يوما من وصول السعر الى ال10000 ليرة، كان سعر الدولار قد ارتفع بنسبة 50% ليصل الى ال15000 ليرة للدولار الواحد.

في كلتا الحالتين، عاود السعر الى الانخفاض، ما بين هذين الحدّين الأعلى والأقصى لمدة أشهر عديدة، بعد وصوله الى السعر الأقصى، عندما فقدت الليرة تماما من السوق ولم يبق لدى الناس المذعورين أي امكانية لشراء المزيد، فوصل السعر بذلك الى قمّته. فكيف تفسّر هذه الظاهرة وما الذي يدفع بالأسعار للارتفاع الحاد والتعديل الذي شهدته بعدها؟

الفئة التي تمتلك الرصيد النقدي الأكبر من اللّيرة هي الفئة التي تملك القدرة الأكبر على تحريك سعر الدّولار بهذا الشكل الكبير

كما سبق، يحدد سعر الدولار في السوق السوداء حسب العرض والطلب. وبما أنّ عرض الدّولار في السوق اللبناني محدود ومتوقّع مقارنةً بعرض اللّيرة، فإن عرض اللّيرة بالسوق هو الذي يشكل العامل الأكثر تحريكاً للسعر. لهذا السبب، الفئة التي تمتلك الرصيد النقدي الأكبر من اللّيرة اللبنانية، هي الفئة التي تملك القدرة الأكبر على تحريك سعر صرف الدّولار بهذا الشكل الكبير. هذه الفئة هي فئة البنوك، والمؤسسات التجارية التي تجري عمليات مالية وصيرفية تقدّر بملايين الدولارات يوميا. في حين أنّ الرقابة على المصارف شديدة، والقيود عليها محكمة من قبل مصرف لبنان—مع بعض الاستثناءات لكبار المصرفيّين ذوي العلاقات القوية مع الطبقة السياسية—تبقى قدرة التأثير الأكبر على سعر صرف اللّيرة بيد المؤسسات التجارية اللّبنانية الكبرى، مثل مؤسسات السوبر ماركت الكبيرة ومستوردي البضائع الأساسية للاستهلاكات اليومية. 

من هنا ينطلق السبب الرئيسي لارتفاع سعر الصرف الجنوني، الذي يحصل دوريا في السوق السوداء للدولار. رغم وجود أسباب أخرى مؤثرة، يبقى السبب الأساسي أو الأكثر تحريكا للسوق هو هذه المؤسسات التجارية، فلماذا؟

تبقى قدرة التأثير الأكبر على سعر صرف اللّيرة بيد المؤسسات التجارية اللّبنانية الكبرى

عندما تشتري المؤسسات التجارية البضائع الاستهلاكية من الخارج، فهي تدفع تلك المستحقّات بالدولار بينما تبيعها في السوق باللّيرة اللبنانية، وبالتالي فهي بحاجة للقيام بحسابات اقتصادية لتوقع سعر العملة الأجنبية في آخر الشهر أو الفصل عندما تحتاج لإعادة شراء البضاعة بعد فقدانها عن الرفوف. وفي حال لم توجد أي مؤشرات تدل على السعر المتوقع للدولار في الأشهر القليلة المقبلة، لا يسع هذه الشركات القيام بعمليات شرائية اذ أنّها قد تؤدي الى خسائر كبيرة، في حال القيام بتوقع سعر صرف خاطئ حين يأتي موعد شراء البضائع بأثمان أكبر من التي تمّ البيع عليها.

في هذه الحالة، تصبح هذه الشركات والمؤسسات محكومة بأمرٍ واقعٍ يمنعها من شراء البضائع جديدة، الى حينٍ يصبح فيه السعر الأقصى للدولار في السّوق واضحا، ويمكن القيام بالعمليات الحسابية التجارية بناءً عليه تفاديا للخسائر الناجمة عن ارتفاع سعر الدولار أكثر من توقعاتهم.

هذه الحالة عادة تحدث، عند وصول سعر الدولار الى أعلى مستوياته، فيصبح اختيار أسعار السلع عملية غير مجدية وغير واقعية. فيجبر التاجر على التوقف عن اعادة تجديد مخزونه، ويستمرّ بالبيع حصراً وشراء الدولارات من السوق وتكديسها، إذ لا خيار ثالث لديه عوضا عن ذلك أو الدخول بعمليات تجارية خاسرة هو بغنىً عنها!

في غضون الأيام القليلة المقبلة ستحدث القفزة الجنونية المفاجئة لسعر الدولار

وبما أن هذه الظاهرة تصيب جميع المؤسسات والتجار في آن واحد، فسرعان ما يفقد الدولار من السوق، ويرتفع سعره تدريجياً .. وثمّ فجأة! عندها تبدأ حالة الهلع التي تشهد ارتفاع سعر الدولار بنسب تفوق ال50%. ولا يتوقف هذا الارتفاع الا عند وصول السعر الى سعرٍ يُحدث صدمة اجتماعية، تؤدّي بالنّاس لصرف دولاراتهم المدّخرة داخل المنازل طمعا بسعر الصرف العالي، فتفقد بالمقابل اللّيرات من السوق بانتظار البنوك،  لإعادة الضخ تدريجيا بتسهيلات من البنك المركزي، وبالتالي يعود السعر الى المستويات التي كان عليها سابقا، فيبقى حينها ما بين هذين السعرين الأقصى والأدنى. وعندئذ تعود المؤسسات التجارية للعمل استنادا على السعر الأقصى، وتعتمده خلال الأشهر القادمة.

هذه الظاهرة يلحظها الكثير من المواطنين، الذين يدخلون المحال التجارية ويلحظون الأسعار المحددة استنادا الى السعر الأقصى الذي وصل الدولار اليه، ومهما عاود سعر الدولار بالانخفاض.

اليوم وصل سعر الدولار الى 15500 ليرة، وهو يسجّل رقما قياسيا جديدا في كلّ ساعة. في غضون الأيام القليلة المقبلة، ستحدث القفزة الجنونية المفاجئة لسعر الدولار، ولكن سرعان ما ستعود على ما كانت اليه ليدخل البلد بدورة اقتصادية جديدة، تنذر بأرقام خيالية لا يُتوقع سقفها!

السابق
بالأرقام.. تقرير مخيف للجامعة الاميركية: لبنان بين البلدان الأكثر فشلا في العالم!
التالي
عدّاد «كورونا» لبنان في أدنى مستوياته منذ بدء الجائحة.. وهذه التفاصيل!